الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله ويثبت نسب ولد معتدة الرجعي وإن ولدته لأكثر من سنتين ما لم تقر بمضي العدة وكانت رجعة في الأكثر منهما لا في الأقل منهما ) أي : من السنتين لاحتمال العلوق في حالة العدة لجواز أنها تكون ممتدة الطهر ، فإن جاءت به لأقل من سنتين بانت من زوجها لانقضاء العدة وثبت نسبه لوجود العلوق في النكاح أو في العدة ولا يصير مراجعا ; لأنه يحتمل العلوق قبل الطلاق ويحتمل بعده فلا يصير مراجعا بالشك وإن جاءت به لأكثر من سنتين كانت رجعة ; لأن العلوق بعد الطلاق والظاهر أنه منه لانتفاء الزنا منها فيصير بالوطء مراجعا والأصل أن أقل مدة الحمل ستة أشهر وأكثرها سنتان ففي كل موضع يباح الوطء فيه فهي مقدرة بالأقل وهو أقرب الأوقات إلا أن يلزم إثبات رجعة بالشك أو إيقاع طلاق بالشك أو استحقاق مال بالشك فحينئذ يستند العلوق إلى أبعد الأوقات وهو ما قبل الطلاق ; لأن هذه الأشياء لا تثبت بالشك .

                                                                                        وفي كل موضع لا يباح الوطء فيه فمدة الحمل سنتان ويكون العلوق مستندا إلى أبعد الأوقات للحاجة إلى إثبات النسب وأمره مبني على الاحتياط كذا في غاية البيان أطلق في الأكثر منهما فشمل عشرين سنة أو أكثر وقيد بعدم إقرارها ; لأنها لو أقرت بانقضائها والمدة محتملة بأن يكون ستين يوما على قول أبي حنيفة وتسعة وثلاثين يوما على قولهما ثم جاءت بولد لا يثبت نسبه إلا إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر من وقت الإقرار فإنه يثبت نسبه للتيقن بقيام الحمل وقت الإقرار فيظهر كذبها وإنما نفى الأقل بقوله لا في الأقل منهما مع فهمه من التقييد بالأكثر لبيان أن حكم السنتين حكم الأكثر ولذا قال في الاختيار وإذا جاءت به لسنتين أو أكثر كان رجعة ا هـ .

                                                                                        وأطلق في المعتدة فشمل المعتدة بالحيض أو بالأشهر ليأسها ولا فرق بينهما كما في البدائع إلا إذا أقرت بانقضائها بالأشهر لإياسها مفسرا بثلاثة أشهر فإنه يثبت نسب ولدها إذا جاءت به لأقل من سنتين من وقت الطلاق بائنا كان أو رجعيا ; لأنها لما ولدت تبين أنها لم تكن آيسة فتبين أن عدتها لم تكن بالأشهر فلم يصح إقرارها بانقضاء عدتها بالأشهر فصار كأنها لم تقر أصلا ( قوله والبت لأقل منهما ) أي : ويثبت [ ص: 171 ] نسب ولد معتدة الطلاق البائن إذا ولدته لأقل من سنتين من وقت الطلاق ; لأنه يحتمل أن يكون الولد قائما وقت الطلاق فلا يتيقن بزوال الفراش فيثبت النسب احتياطا ( قوله وإلا لا ) صادق بصورتين بما إذا أتت به لسنتين فقط وبما إذا أتت به لأكثر منهما واقتصر الشارح على الثاني وصرح في المجتبى والنقاية بأن حكم السنتين كالأكثر وهو ظاهر المختصر أما إذا أتت به لأكثر منهما فظاهر ; لأن الحمل حادث بعد الطلاق فلا يكون منه لحرمة وطئها في العدة بخلاف الرجعي .

                                                                                        وأما إذا أتت به لتمام السنتين فمشكل فإنهم اتفقوا على أن أكثر مدة الحمل سنتان وألحقوا السنتين بالأقل منهما حتى أنهم أثبتوا النسب إذا جاءت به لتمام سنتين وجوابه بالفرق فإن في مسألة البيتوتة إذا جاءت به لسنتين من وقت الطلاق لو أثبتنا النسب منه للزم أن يكون العلوق سابقا على الطلاق حتى يحل الوطء فحينئذ يلزم كون الولد في بطن أمه أكثر من سنتين ، وفي الحديث لا يمكث الولد أكثر من سنتين في بطن أمه بخلاف غير المبتوتة لحل الوطء بعد الطلاق ولم يذكر المصنف في مسألة المبتوتة القيد الذي ذكره في الرجعية وهو عدم الإقرار بانقضاء عدتها مع أنه قيد فيهما كما صرح به في البدائع وقوله وإلا لا مقيد بما إذا لم تلد ولدا قبله لأقل من سنتين وبينهما أقل من ستة أشهر حتى لو ولدت توأمين أحدهما لأقل من سنتين والآخر لأكثر منهما ثبت نسبهما منه عند أبي حنيفة وأبي يوسف كالجارية إذا ولدت ولدين بعد بيعها ثم ادعى البائع الأول ثبت نسبهما منه ; لأنهما خلقا من ماء واحد وقال محمد لا يثبت نسبهما ; لأن الثاني من علوق حادث فمن ضرورته أن يكون الأول كذلك بخلاف مسألة الجارية ; لأنه يحتمل أن يكون الأول علق به وهو في ملكه لعدم الاستحالة حتى لو ولدت أحدهما لأقل من سنتين والآخر لأكثر ينبغي أن يكون الحكم كذلك أو نقول يمكن أن يفرق بينهما بأن البائع التزمه قصدا بالدعوة والزوج لم يدع حتى لو ادعى الزوج الأول كان مثله ، ولو خرج بعضه لأقل من سنتين وباقيه لأكثر من سنتين لا يلزمه حتى يكون الخارج لأقل من سنتين نصف بدنه أو يخرج من قبل الرجلين أكثر البدن لأقل والباقي لأكثر ذكره محمد ولم يذكر المصنف رحمه الله أن عدتها انقضت بوضع الحمل أو قبله قالوا فيما إذا ولدته لأكثر يحكم بانقضاء عدتها قبل ولادتها بستة أشهر عند أبي حنيفة ومحمد فيجب أن ترد نفقة ستة أشهر حملا على أنه من غيره بنكاح صحيح وأقل مدة الحمل ستة أشهر فقد أخذت مالا لا تستحقه في هذه الستة أشهر فترده .

                                                                                        وقال أبو يوسف لا تنقضي إلا بوضع الحمل بدليل جواز عدم تزوجها بالغير قبل وضعه فيحمل على الوطء بشبهة وذكر القاضي الإسبيجابي وكذلك إذا طلق الرجل امرأته في حال المرض فامتد مرضه إلى سنتين وامتدت عدتها إلى سنتين ثم مات ثم ولدت المرأة بعد الموت بشهر وقد كان أعطاها النفقة إلى وقت الوفاة فإنها لا ترثه ويسترد منها نفقة خمسة أشهر عند أبي حنيفة ومحمد قاله وقال أبو يوسف ترث ولا يسترد منها شيئا ا هـ .

                                                                                        وأطلق في البت فشمل الواحدة والثلاث كما في البدائع وشمل الحرة والأمة لكن بشرط أن لا يملكها بعد الطلاق فلو تزوج أمة ثم دخل بها ثم طلقها واحدة ثم ملكها يلزمه ولدها إن جاءت به لأقل من ستة أشهر من يوم الملك ولا يلزمه إذا جاءت به لستة أشهر فصاعدا كما سيأتي في آخر الباب مفصلا ، واعلم أن ثبوت النسب فيما ذكر من ولد المطلقة الرجعية والبائنة مقيد بما سيأتي من الشهادة بالولادة أو اعتراف من الزوج بالحبل أو حبل ظاهر ، وفي الخانية المعتدة عن طلاق بائن إذا تزوجت بزوج آخر في العدة وولدت بعد ذلك إن ولدت لأقل من سنتين من وقت طلاق الأول ولأقل من ستة أشهر من وقت نكاح الثاني كان الولد للأول وإن ولدت لأكثر من سنتين من وقت طلاق الأول لا يلزم الأول ثم [ ص: 172 ] ينظر إن ولدت لستة أشهر من وقت نكاح الثاني فالولد للثاني وإلا فلا ا هـ .

                                                                                        وبه علم أن ما في المختصر شامل لما إذا تزوجت المبتوتة في العدة أو لم تتزوج ولم يبين في الخانية فيما إذا أتت به لأقل من وقت طلاق الأول ولستة أشهر من وقت نكاح الثاني ، وفي البدائع أنه للثاني والنكاح جائز ; لأن إقدامها على التزوج دليل انقضاء عدتها من الأول وكذلك إذا أتت به للأكثر من وقت الطلاق ولأقل من ستة أشهر من وقت النكاح ولم يثبت من الأول ولا من الثاني فإن النكاح صحيح عندهما خلافا لأبي يوسف بناء على تزوج الحامل من الزنا هذا إذا لم يعلم أنها كانت معتدة وقت النكاح ، فإن علم وقع الثاني فاسدا ، فإن جاءت بولد فإن النسب يثبت من الأول إن أمكن إثباته منه بأن جاءت به لأقل من سنتين منذ طلقها الأول أو مات ولستة أشهر فأكثر منذ تزوجها الثاني ، فإن جاءت به لأكثر من سنتين من وقت الطلاق ولستة أشهر من وقت التزوج فهو للثاني كذا في البدائع .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله إلا أن يلزم إثبات رجعة بالشك إلخ ) سنذكر عن الفتح توضيح هذا عند الكلام على شرح قول المصنف فلو نكح أمة فطلقها .

                                                                                        ( قوله ولا فرق بينهما كما في البدائع إلا إذا أقرت إلخ ) أقول : عبارة البدائع هكذا ، فإن كانت آيسة فجاءت بولد ، فإن كانت لم تقر بانقضاء العدة فحكمها حكم ذوات الأقراء سواء كان الطلاق رجعيا أو بائنا وإذا جاءت بولد إلى سنتين من وقت الطلاق ثبت نسبه من الزوج ; لأنها لما ولدت علم أنها ليست بآيسة بل هي من ذوات الأقراء وإن كانت أقرت بانقضاء عدتها ، فإن كانت أقرت به مفسرا بثلاثة أشهر فكذلك ; لأنه لما تبين أنها ليست بآيسة تبين أن عدتها لم تكن بالأشهر فلم يصح إقرارها بانقضاء عدتها بالأشهر فالتحق إقرارها بالعدم وجعل كأنها لم تقر أصلا ، وإن كانت أقرت به مطلقا في مدة تصلح لثلاثة أقراء ، فإن ولدت لأقل من ستة أشهر منذ أقرت ثبت النسب وإلا فلا ; لأنه لما بطل اليأس تعذر حمل إقرارها على الإقرار بالانقضاء بالأشهر لبطلان الاعتداد بالأشهر فيحمل على الإقرار بالانقضاء بالأقراء حملا لكلام العاقلة المسلمة على الصحة عند الإمكان ا هـ .

                                                                                        [ ص: 171 ] ( قوله : وأما إذا أتت به لتمام السنتين فمشكل ) قال في النهر ، وأما إذا جاءت به لتمام سنتين فعدم ثبوته منه كما هو ظاهر كلامه مخالف لما سيأتي من أن أكثر مدة الحمل سنتان ولرواية الإيضاح والإسبيجابي والأقطع من أنه يثبت إذا جاءت به لسنتين ومن ثم جزم الشارح بحمل كلامه على الأول .

                                                                                        ( قوله فحينئذ يلزم كون الولد في بطن أمه أكثر من سنتين ) قال في النهر ممنوع بالحمل على جعل العلوق في حال الطلاق ; لأنه حينئذ قبل زوال الفراش كما قرره قاضي خان وهو حسن ، وفي الجوهرة أن قول القدوري بعدم ثبوت النسب فيما إذا جاءت به لسنتين سهو والمذكور في غيره من الكتب أنه يثبت والحق حمله على اختلاف الروايتين لتوارد المتون على عدم ثبوته كما قال القدوري ; إذ قد جرى عليه المصنف هنا ، وفي الوافي وهكذا صدر الشريعة وصاحب المجمع وهم بالرواية أدرى ( قوله بدليل جواز عدم تزوجها ) العبارة مقلوبة [ ص: 172 ] وحقها بدليل عدم جواز تزوجها .




                                                                                        الخدمات العلمية