الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        أما الرابع أعني لفظ المولى فذكر المصنف أنه لا فرق بين الخبر والنداء أما الأول فلأن اسم المولى وإن كان ينتظم الناصر وابن العم والموالاة في الدين والأعلى والأسفل في العتاقة إلا أنه تعين الأسفل مرادا فصار كاسم خاص ، وهذا لأن المولى لا يستنصر بمملوكه عادة والعبد نسبه معروف فانتفى الأول والثاني والثالث نوع مجاز والكلام بحقيقته والإضافة إلى العبد تنافي كونه معتقا فتعين المولى الأسفل فالتحق بالصريح ، وكذا إذا قال لأمته هذه مولاتي لما بينا ، ولو قال عنيت به المولى في الدين أو الكذب يصدق فيما بينه وبين الله تعالى ولا يصدق في القضاء لمخالفته الظاهر ، كذا في الهداية وصرح في التحفة بأن لفظ المولى صريح لا يحتاج إلى النية .

                                                                                        وذكر الولوالجي اختلاف المشايخ فمنهم من قال لا يعتق بغير النية والأصح أنه صريح من كل وجه ا هـ .

                                                                                        وتعقبهم في غاية البيان بأنا لا نسلم أن المولى صريح في إيقاع العتق ، وهذا ; لأن الصريح مكشوف المراد ولفظ المولى مشترك ومع استعماله في المعاني على سبيل البدل لا يكون مكشوف المراد فلا يكون صريحا وقولهم إن المولى لا يستنصر بمملوكه عادة لا نسلم ذلك ، بل تحصل له النصرة بمماليكه وخدمه والذي لا يحتاج إلى النصير والظهير هو الله تعالى وحده على أنا نقول الصريح يفوق الدلالة والمتكلم يصرح وينادي بأعلى صوته إني عنيت الناصر بلفظ المولى وله دلالة على ذلك حقيقة ; لأنه مشترك وهم يقولون دلالة الحال من كلامك تدل على أن المراد من المولى هو المعتق الأسفل ولا تعتبر إرادة الناصر ونحوه ، وهذا في غاية المكابرة ا هـ .

                                                                                        وأجاب عنه في فتح القدير بأن قوله استعمل في معان فلا يكون مكشوف المراد إن أراد دائما منعناه لجواز أن ينكشف المراد من المشترك في بعض الموارد الاستعمالية لاقترانه بما ينفي غيره اقترانا ظاهرا كما هو فيما نحن فيه ومنعه أن المولى لا يستنصر بعبده لا يلائم ما أسند به من قوله تحصل النصرة بهم ; لأن المراد أنه إذا حزبه أمر لا يستدعي للنصرة عبده ، بل بني عمه وإن كان العبيد والخدم ينصرونه ، أما قوله الصريح يفوق الدلالة فكأنه أراد الكناية فطغى قلمه فنقول هذا الصريح وهو قوله أردت الناصر بلفظ المولى إنما قاله بعد قوله بما هو ملحق بالصريح في إرادة العتق فأثبت حكمه ذلك ظاهرا ، وهذا الصريح بعده رجوع عنه فلا يقبله القاضي والكلام فيه ، ونحن نقول فيما بينه وبين الله تعالى لو أراد الناصر لم يعتق فأين المكابرة ا هـ .

                                                                                        أما الثاني أعني في النداء فلأنه لما تعين الأسفل مرادا التحق بالصريح وبالنداء به يعتق بأن قال يا حر يا عتيق فكذا النداء بهذا اللفظ وقيد بالمولى ; لأنه لا يعتق في السيد والمالك إلا بالنية كقوله يا سيدي أو يا سيد أو يا مالكي ; لأنه قد يذكر على وجه التعظيم والإكرام فلا يثبت به العتق بغير نية وفي الظهيرية وغيرها لو قال أنت مولى فلان عتق في القضاء كقوله أنت عتيق فلان بخلاف أعتقك فلان ، وعن أبي القاسم الصفار أنه سئل عن رجل جاءت جاريته بسراج فوقفت بين يديه فقال لها المولى ما أصنع بالسراج ووجهك أضوأ من السراج يا من أنا عبدك قال هذه كلمة لطف لا تعتق بها الجارية وفي التنقيح لو قال لعبده أنا عبدك المختار عدم العتق ا هـ .

                                                                                        أما الثالث وهو النداء بحر ونحوه كيا حر يا عتيق يا معتق فلأنه ناداه بما هو صريح في الدلالة على العتق لكون اللفظ موضوعا له ولا يعتبر المعنى في الموضوعات فيثبت العتق من غير نية واستثنى في الهداية ما إذا سماه حرا ، ثم ناداه يا حر ; لأن مراده الإعلام باسم علمه وهو ما لقبه به ، ولو ناداه بالفارسية يا أزاد ، وقد لقبه [ ص: 245 ] بالحر قالوا يعتق ، وكذا عكسه ; لأن هذا ليس بنداء باسم علمه فيعتبر إخبارا عن الوصف ا هـ .

                                                                                        وشرط في الظهيرية والخانية الإشهاد وقت تسميته بحر وفي المبسوط إذا لم يكن هذا الاسم معروفا له يعتق في القضاء ; لأنه ناداه بوصف يملك إيجابه به وفرق في التنقيح بين تسميته بحر حيث لا يقع إذا ناداه وبين تسمية المرأة بطالق حيث يقع إذا ناداها ; لأنه عهد التسمية بحر كالحر بن قيس بخلاف طالق لم تعهد التسمية به وفي أكثر الكتب لم يفرق بينهما ; لأن العلم لا يشترط فيه أن يكون معهودا والكلام فيما إذا أشهد وقت التسمية فيهما فالظاهر عدم الفرق ، وفي الظهيرية لو بعث غلامه إلى بلد ، وقال له إذا استقبلك أحد فقل إني حر فذهب الغلام فاستقبله رجل فسأله فأجابه بما قال المولى فإن قال له سميتك حرا فقل إني حر لم يعتق أصلا وإن لم يقل له المولى ذلك يعتق قضاء لا ديانة ا هـ .

                                                                                        وفي المجتبى بعث غلامه إلى بلد فقال له إذا استقبلك أحد فقل إني حر ففعل عتق أو بعثه مع جماعة فقال لهم من سأل عنه عاشر أو غيره فقولوا له إنه حر ففعلوا عتق ولا يعتق قبله قضاء ولا ديانة ، ولو كان المولى قال لهم سميته حرا فقولوا له إنه حر فقالوا لا يعتق ا هـ .

                                                                                        وبه علم أنه إذا سماه حرا لا يعتق بالإخبار أيضا فلا فرق بين أن يقولوا له يا حر أو هذا حر

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية