الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : لا يخرج فأخرج محمولا بأمره حنث وبرضاه لا بأمره أو مكرها لا ) أي لا يحنث ، وهو شروع في بعض مسائل الحلف على الخروج فإذا حلف لا يخرج من المسجد مثلا فأمر إنسانا فحمله ، وأخرجه حنث ; لأن فعل المأمور مضاف إلى الآمر فصار كما إذا ركب دابة فخرجت ، ولو أخرجه مكرها لم يحنث ; لأن الفعل لم ينتقل إليه لعدم الأمر ، ولو حمله برضاه لا بأمره لا يحنث في الصحيح ; لأن الانتقال بالأمر لا بمجرد الرضا ، وإذا لم يحنث فيهما لا تنحل في الصحيح لعدم فعله ، وقال السيد أبو شجاع تنحل ، وهو أرفق بالناس ويظهر أثر هذا الاختلاف فيما لو دخل بعد هذا الإخراج هل يحنث فمن قال انحلت قال لا يحنث ، وهذا بيان كونه أرفق بالناس ، ومن قال لا تنحل قال حنث ووجبت الكفارة ، وهو الصحيح كذا في فتح القدير وصوابه إن كان الحلف بأنه لا يخرج إن يظهر فيما لو دخل بعد هذا الإخراج ثم خرج ، وإن كان الحلف بأنه لا يدخل فنعم . قيد بكونه أخرج مكرها أي حمله المكره ، وأخرجه ; لأنه لو خرج بنفسه مكرها ، وهو الإكراه المعروف ، وهو أن يتوعده حتى يفعل فإنه حينئذ يحنث لما عرف أن الإكراه لا يعدم الفعل عندنا ونظيره ما لو حلف لا يأكل [ ص: 336 ] هذا الطعام فأكره عليه حتى أكله حنث ، ولو أوجر في حلقه لا يحنث كذا في فتح القدير وبهذا ظهر أن هذا الحكم لا يختص بالحلف على الخروج ; لأنه لو حلف لا يدخل فأدخل محمولا بأمره حنث وبرضاه لا بأمره أو مكرها لا ، وفي المجتبى لو هبت به الريح ، وأدخلته لم يحنث ، وفي الانحلال كلام ، وفيمن زلق فوقع فيها أو كان راكبا دابة فانفلتت ، ولم يستطع إمساكها فأدخلته خلاف . ا هـ .

                                                                                        وفي البدائع الخروج هو الانفصال من الحصن إلى العودة على مضادة الدخول فلا يكون المكث بعد الخروج خروجا كما لا يكون المكث بعد الدخول دخولا ثم الخروج كما يكون من البلدان والدور والمنازل والبيوت تكون من الأخبية والفساطيط والخيم والسفن لوجود حده والخروج من الدور المسكونة أن يخرج الحالف بنفسه ، ومتاعه ، وعياله كما إذا حلف لا يسكن والخروج من البلدان والقرى أن يخرج الحالف ببدنه خاصة ، ولو قال والله لا أخرج ، وهو في بيت من الدار فخرج إلى صحن الدار لم يحنث إلا أن ينوي فإن نوى الخروج إلى مكة أو خروجا من البلد لم يصدق قضاء ، ولا ديانة ; لأن غير المذكور لا يحتمل التخصيص ، ولو قال إن خرجت من هذه الدار فأنت طالق فخرجت منها من الباب أي باب كان ، ومن أي موضع كان من فوق حائط أو سطح أو نقب حنث لوجود الشرط ، وهو الخروج من الدار ، ولو قيد بباب هذه الدار لم يحنث بالخروج من غير الباب قديما كان الباب أو حادثا ، ولو عين بابا في اليمين تعين ، ولا يحنث بالخروج من غيره ا هـ .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : وهذا بيان كونه أرفق بالناس ) ذكر الرملي أنه أخبره بعض من يثق به عن المؤلف أنه أفتى بهذا ثم قال أقول : الظاهر أنه مال إلى ما هو أرفق بالناس مع كونه خلاف الصحيح من المذهب ، وقد نقرت في فتاواه التي هي واقعاته فلم أر هذه الفتيا فيها بل رأيت ما يعكر عليها في أثناء كلامه في مثلها فإنه قال لا يحنث ، وإذا لم يحنث لا تنحل اليمين فهي باقية والله تعالى أعلم . ا هـ .

                                                                                        قلت : قد رأيت ذلك الذي أفتى به صاحب البحر في فتاواه المرتبة ثم نقل مرتبها عبارة البحر ثم قال لعل شيخنا أفتى بانحلالها لكونه أرفق بالناس ( قوله : لما عرف أن الإكراه لا يعدم الفعل عندنا ) اعترضه بعض الفضلاء بأنه مناقض لما مر قبل هذا بنحو ورقتين من أن للإكراه تأثيرا في إعدام الفعل ، وقد يجاب بأن قوله هنا لا يعدم الفعل أي لا يرفعه بعد وجوده وصدوره [ ص: 336 ] من فاعله ، وقوله هناك إن له تأثيرا في إعدامه أي في إعدام نسبته إلى فاعله حيث كان مفوتا للاختيار .

                                                                                        والحاصل أن الإكراه إن أثر في إعدام الاختيار لا ينسب إلى فاعله ، وإلا نسب كما في مسألتنا فإنه ما خرج إلا باختياره نعم الإكراه أبطل رضاه بخلاف مسألة الإيجار فإنه لم يوجد الرضا ، ولا الاختيار ، وكذا مسألة السكنى السابقة ، وعبارة الخانية في تعليلها هكذا ; لأن في قوله لا أسكن شرط الحنث السكنى ، والفعل لا يتحقق بدون الاختيار ، وفي قوله إن لم أخرج شرط الحنث عدم الخروج والعدم يتحقق بدون الاختيار انتهت فتأمل .

                                                                                        ( قوله : والخروج من الدور المسكونة أن يخرج الحالف بنفسه ، ومتاعه ، وعياله ) عزاه في الذخيرة والتتارخانية إلى القدوري ، وقد قيد في النهر مسألة المتن بقوله حلف لا يخرج من هذا المسجد مثلا فأخرج محمولا إلخ ثم نقل عبارة البدائع هذه ثم قال : وعلى هذا فمن صور المسألة في البيت يحمل كلامه على أن الحالف كان تبعا لغيره في السكنى كما مر . ا هـ .

                                                                                        قلت : وقد وقع تقييد المسألة أيضا بالمسجد في كلام الإمام محمد في الجامع الصغير لكن قال في غاية البيان إنه ليس بقيد . ا هـ .

                                                                                        ويدل عليه ما في الخانية والظهيرية رجل قال والله لا أخرج من بلد كذا فهو على أن يخرج ببدنه ، ولو قال لا أخرج من هذه الدار فهو على النقلة منها بأهله إن كان ساكنا فيها إلا إذا دل الدليل على أنه أراد به الخروج ببدنه . ا هـ .

                                                                                        فمن صور المسألة بالبيت مراده حيث دل الدليل على أن المراد الخروج ببدنه لكن التصوير بالمسجد كما فعل الإمام محمد أولى لظهور الدليل على أن المراد ذلك والله تعالى أعلم ( قوله : والخروج من البلدان والقرى أن يخرج الحالف ببدنه خاصة ) قال في الذخيرة بعده زاد في المنتقى إذا خرج ببدنه فقد بر أراد سفرا أو لم يرد . ا هـ .

                                                                                        وفي حاشية الرملي فائدة الارتحال والانتقال بعامة المتاع بحيث يقال فلان ارتحل أو فلان انتقل فارجع إلى ما كتبناه على حاشية التتارخانية ، وهي كثيرة الوقوع والذي كتبه في حاشية التتارخانية قوله : حتى يقال [ ص: 337 ] فلان قد انتقل إلخ دليل على أن النقلة لا تكون إلا بعامة متاعه ، وأقول : والرحلة كذلك قال في القاموس ارتحل القوم من المكان انتقلوا وبه يعلم الجواب عما يقع كثيرا أن الرجل يحلف على الرحيل من بلده فاستفد ذلك ا هـ .




                                                                                        الخدمات العلمية