الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        وأما الصوم فإنها تصوم كل شهر رمضان لاحتمال طهارتها كل يوم وتعيد بعد رمضان عشرين يوما وهو على ثلاثة أوجه : الأول - إن علمت أن ابتداء حيضها كان يكون بالليل فإنها تقضي عشرين يوما لجواز أن حيضها في كل شهر عشرة أيام فإذا قضت عشرة يجوز حصولها في الحيض فتقضي عشرة أخرى والثاني وإن علمت أن ابتداء حيضها كان يكون بالنهار فتقضي اثنين وعشرين يوما ; لأن أكثر ما فسد من صومها في الشهر أحد عشر يوما فتقضي ضعفه احتياطا ، وإن لم تعلم شيئا قال عامة مشايخنا تقضي عشرين ; لأن الحيض لا يزيد على عشرة وقال الفقيه أبو جعفر الهندواني تقضي اثنين وعشرين يوما وهو الأصح احتياطا لجواز أن يكون بالنهار وهذا إذا علمت دورها في كل شهر ، فإن لم تعلم ذلك ، فإن علمت أن ابتداء حيضها كان بالليل تقضي خمسة وعشرين يوما لجواز أنها حاضت عشرة في أوله وخمسة في آخره أو على العكس فعليها قضاء خمسة عشر يوما فإذا قضته موصولا بالشهر فعلى التقدير الأول فخمسة أيام من شوال بقية حيضها الثاني فلا يجزئ الصوم فيها ويجزئها في خمسة عشر بعدها وعلى العكس فيوم الفطر أول يوم من طهرها لا تصوم فيه ، ثم يجزئها الصوم في أربعة عشر يوما ، ثم لا يجزئها في عشرة ، ثم يجزئها في آخر يوم فجملته خمسة وعشرون يوما وكذلك إن قضته مفصولا لتوهم أن ابتداء القضاء كان وافق أول يوم من حيضها فلا يجزئها [ ص: 222 ] الصوم في عشر ، ثم يجزئها في خمسة عشر ، وإن علمت أن ابتداء حيضها كان بالنهار تقضي اثنين وثلاثين يوما إن قضته موصولا برمضان ; لأن أكثر ما فسد من صومها من أول الشهر ستة عشر يوما

                                                                                        وإن قضته مفصولا تقضي ثمانية وثلاثين يوما لتوهم أن ابتداء القضاء وافق أول يوم من حيضها فلا يجزئها الصوم في أحد عشر ، ثم يجزئها في أربعة عشر ، ثم لا يجزئها في أحد عشر ، ثم يجزئها في يومين فجملته ثمانية وثلاثون يوما ، وإن كانت لا تعلم شيئا قال عامة مشايخنا تصوم خمسة وعشرين يوما وقال الفقيه أبو جعفر إن قضته موصولا صامت اثنين وثلاثين ، وإن قضته مفصولا صامت ثمانية وثلاثين يوما وهو الأصح لما بينا وهذا كله إذا كان شهر رمضان كاملا ، فإن كان ناقصا وعلمت أن ابتداء حيضها كان بالليل أو لم تعلم ، فإن وصلت قضت ثلاثة وثلاثين يوما ، وإن فصلت صامت سبعة وثلاثين يوما ، وأما إن حجت فلا [ ص: 223 ] تأتي بطواف التحية ; لأنه سنة وتطوف للزيارة ; لأنه ركن ، ثم تعيده بعد عشرة وتطوف للصدر ولا تعيده ; لأنها إن كانت طاهرة فقد سقط وإلا فلا يجب على الحائض ولا يأتيها زوجها تجنبا عن وقوعه في الحيض ولا يطؤها بالتحري ; لأن التحري في باب الفروج لا يجوز ، نص عليه في كتاب التحري في باب الجواري وقال مشايخنا له أن يتحرى ; لأن زمان الطهر أكثر فتكون الغلبة للحلال وعند غلبة الحلال يجوز التحري كما في المساليخ إذا غلب الحلال منها ، كذا في المحيط مع حذف للبعض ومن أشكل عليه شيء مما كتبناه فليراجعه

                                                                                        وأما حكم العدة ففيه اختلاف فمنهم من لم يقدر لها طهرا ولا تنقضي عدتها أبدا ; لأن التقدير لا يجوز إلا توقيفا والعامة قدروه بسنة والميداني بستة أشهر إلا ساعة ; لأن الطهر بين الدمين أقل من أدنى مدة الحبل عادة فنقصنا عنه ساعة لتنقضي عدتها بتسعة عشر شهرا إلا ثلاث ساعات لاحتمال أنه طلقها أول الطهر وبحث الشارح الزيلعي أنه ينبغي زيادة عشرة لمثل ما قلنا في المسألة الثانية وجوابه بمثل ما قدمناه وعن محمد بن الحسن شهران واختاره الحاكم الشهيد وعليه الفتوى ; لأنه أيسر على المفتي والنساء ، كذا في النهاية والعناية وفتح القدير .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : فإنها تقضي عشرين يوما ) أي سواء كانت تقضي بعد الفطر من غير تأخير أو كانت تؤخر القضاء مدة معلومة ، كذا في مقصد الطالب قاله بعض الفضلاء ومثله في التتارخانية ( قوله : لأن أكثر ما فسد إلخ ) أي لأن ابتداء الحيض إذا كان في بعض النهار لتمام العشرة يكون في اليوم الحادي عشر فتقضي ضعفها احتياطا أي فعليها أن تقضي بعد الفطر اثنين وعشرين يوما سواء قضت بعد الفطر من غير تأخير أو أخرت القضاء مدة طويلة لجواز أن يوافق شروعها في القضاء حيض عشرة أيام فيفسد صوم أحد عشر يوما فعليها أن تصوم أحد عشر يوما أخرى لتخرج عن العهدة بيقين ، كذا في مقصد الطالب قاله بعض الفضلاء ومثله في التتارخانية ولا يخفى أنه يظهر فيما إذا قضته موصولا أو مفصولا ولكن في شهر واحد ، أما لو كان في شهرين لا تخرج عن العهدة بيقين لجواز مصادفة كل من الصومين للحيض وكذا يقال في المسألة قبلها فليتأمل . ( قوله : قال عامة مشايخنا تقضي عشرين ) أي حملا على أنه يكون بالنهار ; لأن هذا أحوط الوجوه ، كذا في التتارخانية وفيها بعد هذا وقبل قوله وهذا إذا علمت دورها إلخ ما نصه وإن علمت أن حيضها في كل شهر عشرة أيام والطهر عشرون ولكنها لا تعرف موضع حيضها ولا موضع طهرها فالجواب من أوله إلى آخره على نحو ما ذكرنا وإن علمت أن حيضها في كل شهر تسعة أيام وطهرها بقية الشهر إلا أنها لا تعرف موضع حيضها ، فإن علمت أن ابتداء حيضها كان يكون بالليل فإنها تقضي بعد رمضان ثمانية عشر يوما وإن علمت أن ابتداء حيضها كان يكون بالنهار فإنها تقضي بعد رمضان عشرين يوما بلا خلاف ; لأن أكثر ما يفسد من صيامها في الوجه الأول تسعة وفي الوجه الثاني عشرة فتقضي ضعف ذلك لاحتمال اعتراض الحيض في أول يوم القضاء وإن لم تعلم أن ابتداء حيضها كان يكون بالليل أو بالنهار فإنها تقضي عشرين يوما بلا خلاف . ا هـ .

                                                                                        ( قوله فعليها قضاء خمسة عشر يوما ) يعني عليها أن تصوم خمسة عشر يوما في طهر يقينا ولا يحصل لها ذلك على التقدير الأول إلا بأن تصوم تسعة عشر يوما أربعة من شوال وخمسة عشر من بعدها على التقدير الثاني لا يحصل لها ذلك إلا بأن تصوم خمسة وعشرين يوما فعلى كل واحد من التقديرين تكون صامت خمسة عشر يوما في طهر يقينا ، وإنما وجب عليها صوم خمسة وعشرين ولم يكتف تسعة عشر مع وقوع خمسة عشر منها في طهر يقينا لاحتمال كل من التقديرين معا فكان الاحتياط في أن تصوم خمسة وعشرين [ ص: 222 ] ( قوله : لأن أكثر ما فسد من صومها من أول الشهر ستة عشر يوما ) الظاهر أن لفظة أول زائدة من قلم الناسخ وبيان ما قاله أنا لو فرضنا أن ابتداء الحيض كان في أول يوم وقت الزوال مثلا فآخره يكون وقت الزوال من اليوم الحادي عشر وطهرها يكون من وقتئذ إلى زوال اليوم السادس والعشرين وهذا اليوم يحتمل طروء الحيض فيه فيفسد صومها في أحد عشر من أوله وخمسة من آخره وهذا على تقدير أن يكون ابتداء الحيض في أول الشهر ، فإن كان قبل فيحكم بفساد خمسة من أوله وأحد عشر من آخره كما مر في المسألة السابقة وعلى التقدير الأول تطهر في أثناء اليوم السادس من شوال فإذا قضته موصولا تقضي اثنين وثلاثين يوما ; لأن يوم الفطر هو السادس من حيضها فلا تصومه

                                                                                        ثم لا يجزئها صوم خمسة بعده ، ثم يجزئ في أربعة عشر بعدها ، ثم لا يجزئ في أحد عشر ، ثم يجزئ في يومين فالجملة اثنان وثلاثون يوما ولم يتعرض لما يلزمها على التقدير الثاني كما فعل في المسألة السابقة قلت : ومقتضى ما مر أن تقضي سبعة وعشرين يوما ; لأنها بناء عليه طهرت في أثناء اليوم الأخير من رمضان فيوم الفطر ثاني يوم من طهرها فلا تصوم فيه ، ثم يجزئها في ثلاثة عشر بعده ، ثم لا يجزئها في أحد عشر ، ثم يجزئها في ثلاثة بعدها فالجملة سبعة وعشرون وكان الأصل إن يجزئها ذلك ولكن الاحتياط الأول لاحتمال التقديرين معا وبالأول تخرج عن العهدة بيقين على نحو ما مر فتدبر . ( قوله : فإن وصلت إلخ ) قال في المحيط إن وصلت قضت ثلاثة وثلاثين ; لأنا تيقنا بجواز الصوم في أربعة عشر وبفساده في خمسة عشر فيلزمها قضاء خمسة عشر ، ثم لا يجزئها الصوم في سبعة من أول شوال ; لأنه بقية حيضها فيجزئها في أربعة عشر ولا يجزئها في أحد عشر ، ثم يجزئها في يوم فجملته ثلاثة وثلاثون وإن فصلت قضت سبعة وثلاثين لجواز أن يوافق ابتداء صومها ابتداء حيضها فلا يجزئها الصوم في أحد عشر ، ثم يجزئها في أربعة عشر ، ثم لا يجزئها في أحد عشر ، ثم يجزئها في يوم فجملته سبعة وثلاثون . ا هـ .

                                                                                        قال بعض الفضلاء بعد نقله هذه العبارة قلت : الظاهر أنها إن وصلت تقضي اثنين وثلاثين يوما كما صرح به في مقصد الطالب معزوا للصدر الشهيد ; لأن أول يوم من شوال هو يوم الفطر وهي لا تصوم فيه كما تقدم فليتأمل . ا هـ .

                                                                                        قلت : ويغلب على ظني أن في عبارة المؤلف سقطا أو تحريفا والصواب أن يقول وعلمت أن ابتداء حيضها كان بالنهار فليتأمل ، ثم راجعت التتارخانية فوجدته ذكر ما ذكره المؤلف هنا فيما إذا علمت أن ابتداء حيضها بالنهار وذكر قبله في مسألة ما إذا علمت أنه بالليل أن عليها أن تصوم بعد الفطر إذا وصلت عشرين يوما وإذا فصلت أربعة وعشرين وعزاه للصدر الشهيد فثبت أن في كلام المؤلف سقطا ورأيت فيها التعبير باثنين وثلاثين موافقا لما نقلناه أولا عن بعض الفضلاء ، وإنما كانت تقضي عشرين إذا وصلت ; لأنها إما أن تحيض خمسة في أوله وتسعة في آخره أو عشرة في أوله وأربعة في آخره أو تحيض في أثنائه بأن حاضت ليلة السادس وطهرت ليلة السادس عشر ففي الوجه الأول تقضي في شوال أربعة عشر وفي الثاني عشرا وفي الثالث عشرين فقلنا بالأخير احتياطا وبيانه على ما صورناه أنها صامت من أوله خمسة ومن آخره أربعة عشر صومها فيها صحيح ويوم الفطر آخر طهرها فإذا قضت العشرة موصولة احتمل أن يكون أول القضاء أول الحيض فتصوم عشرة أخرى ، وقد رأيت رسالة للعلامة محمد البركوي في الحيض ذكر فيها هذه المسألة ملخصة محررة فأحببت ذكر عبارته لجمعها لحاصل ما مر وهي ثم إن لم تعلم أن دورها في كل شهر مرة وأن ابتداء حيضها بالليل أو بالنهار أو علمت أنه بالنهار وكان شهر رمضان ثلاثين يجب عليها قضاء اثنين وثلاثين يوما إن قضت موصولا برمضان وإن مفصولا فثمانية وثلاثين

                                                                                        وإن كان شهر رمضان تسعة وعشرين تقضي في الوصل اثنين وثلاثين وفي الفصل سبعة وثلاثين وإن علمت أن ابتداء حيضها بالليل وشهر رمضان ثلاثون تقضي في الوصل والفصل خمسة وعشرين وإن تسعة وعشرين تقضي في الوصل عشرين وفي الفصل أربعة وعشرين إن علمت أن حيضها في كل شهر مرة وأن ابتداءه بالنهار أو لم تعلم أنه بالنهار تقضي اثنين وعشرين مطلقا أي وصلت أو فصلت وإن علمت أن ابتداءه بالليل تقضي عشرين مطلقا . ا هـ .

                                                                                        [ ص: 223 ] ( قوله وعن محمد بن الحسن شهران إلخ ) قال في معراج الدراية قال الحاكم الشهيد وهو رواية ابن سماعة عن محمد ; لأن العادة مأخوذة من المعاودة والحيض والطهر مما يتكرر في الشهرين عادة إذ الغالب أن النساء تحيض في كل شهر مرة فإذا طهرت شهرين فقد طهرت في أيام حيضها والعادة تنتقل بمرتين فصار ذلك الطهر عادة لها فوجب التقدير به والفتوى على قول الحاكم ; لأنه أيسر على المفتي . ا هـ .

                                                                                        قال في الشرنبلالية فعلى هذا تنقضي عدتها بسبعة أشهر لاحتياجها إلى ثلاثة أطهار بستة أشهر وثلاث حيضات بشهر . ا هـ .

                                                                                        لكن في السراج قال الصيرفي وأكثر المشايخ على تقديره بشهرين إلا أنه قال إنما تنقضي عدتها بسبعة أشهر وعشرة أيام إلا ساعة ; لأنه ربما يكون طلقها في أول الحيض فلا يحتسب بتلك الحيضة فتحتاج إلى ثلاثة أطهار وهي ستة أشهر وعشرة أيام إلا ساعة وهي الساعة التي مضت من الحيض الذي وقع فيه الطلاق . ا هـ .

                                                                                        وقد نبهناك على أن ذلك أيضا يجري في المعتادة التي استمر بها الدم ، فلا تغفل .




                                                                                        الخدمات العلمية