( قوله وإن قتل عادل باغيا أو قتله باغ وقال أنا على حق ورثه وإن قال أنا على باطل لا ) أي لا يرثه بيان لمسألتين الأولى إذا قتل عادل باغيا فإنه يرثه ولا تفصيل فيه لأنه قتل بحق فلا يمنع الإرث وأصله أن العادل إذا أتلف نفس الباغي أو ماله لا يضمن ولا يأثم لأنه مأمور بقتالهم دفعا لشرهم كذا في الهداية وصرح في البدائع بأن العادل لا يضمن ما أصاب من أهل البغي من دم أو جراحة أو مال استهلكه وفي شرح المختار قال محمد إذا تابوا أفتيهم أن يغرموا ولا أجبرهم وفي المحيط العادل لو أتلف مال الباغي يؤخذ بالضمان لأن مال الباغي معصوم في حقنا وأمكن إلزام الضمان له فكان في إيجابه فائدة ووفق الشارح فحمل عدم وجوب الضمان على ما إذا أتلفه حال القتال بسبب القتال إذ لا يمكنه أن يقتلهم إلا بإتلاف شيء من أموالهم [ ص: 154 ] كالخيل وأما إذا أتلفوها في غير هذه الحالة فلا معنى لمنع الضمان لعصمة أموالهم وفي فتح القدير ولو دخل باغ بأمان فقتله عادل كان عليه الدية كما لو قتل المسلم مستأمنا في دارنا وهذا لبقاء شبهة الإباحة في دمه الثانية إذا قتل باغ عادلا فمنع أبو يوسف إرثه لأنه قتل بغير حق وكذا إذا أتلف ماله ضمنه لعصمة دمه وماله وقالا إن قال الباغي كنت على حق وأنا الآن على حق ورثه وإن قال قتلته وأنا أعلم أني على الباطل لم يرثه لأنه أتلف عن تأويل فاسد والفاسد منه ملحق بالصحيح إذا ضمت إليه المنعة في حق الدفع كما في منعة أهل الحرب وتأويلهم .
والحاصل أن نفي الضمان منوط بالمنعة مع التأويل فإن تجردت المنعة عن التأويل كقوم تغلبوا على بلدة فقتلوا واستهلكوا الأموال بلا تأويل ثم ظهر عليهم أخذوا بجميع ذلك ولو انفرد التأويل عن المنعة بأن انفرد واحد أو اثنان فقتلوا وأخذوا عن تأويل ضمنوا إذا تابوا أو قدر عليهم كذا في فتح القدير وفي الهداية وعلى هذا الخلاف إذا مات المرتد وقد أتلف نفسا أو مالا ا هـ .
وبما قررناه ظهر أن الضمير في قوله وقال أنا على حق عائد إلى الباغي لا إلى القاتل الشامل للعادل والباغي وفي الهداية الباغي إذا قتل العادل لا يجب الضمان ويأثم في البدائع لا يضمن ما أصاب من دم أو جراحة أو مال ولو فعل شيئا من ذلك قبل الخروج وظهور المنعة أو بعد الانهزام وتفرق الجمع يؤخذ به ا هـ .
والحاصل أن المسألة رباعية لأن الجاني والمجني عليه إما أن يكونا عادلين أو باغيين أو مختلفين فإن كانا باغيين بينه بقوله وإن قتل باغ مثله وإن كانا مختلفين فقد بينه بقوله وإن قتل عادل باغيا أو قتله باغ وإن كانا عادلين فإن كانا في معسكر أهل البغي فلا قصاص لأن دار البغي كدار الحرب وإن كانا في مصر فيها البغاة لكن لم تجر أحكامها فيها فقد بينه بقوله وإن غلبوا على مصر وفي فتح القدير وإن كان رجل من أهل العدل في صف أهل البغي فقتله رجل من أهل العدل لم تكن عليه دية كما لو كان في صف أهل الحرب .
ثم اعلم أن المصنف سكت عن أحكام منها حكم قضاتهم وفي البدائع الخوارج لو ولوا قاضيا فإن كان باغيا وقضى بقضاء ثم رفعت إلى أهل العدل لا ينفذها لأنه لا يعلم كونها حقا لأنهم يستحلون دماءنا وأموالنا ولو كتب القاضي الباغي إلى القاضي العادل كتابا فإن علم أنه قضى بشهادة أهل العدل نفذه وإلا فلا وإن كان قاضيهم عادلا نفذنا قضاءه لصحة توليته والظاهر قضاؤه على رأي أهل العدل ومنها أن أمان الباغي لأهل الحرب صحيح لإسلامه فإن غدر بهم البغاة فسبوا لا يحل لأحد من أهل العدل أن يشتري منهم ومنها أنه لا يجوز لنا الاستعانة بأهل الشرك على أهل البغي إذا كان حكم أهل الشرك هو الظاهر ولا بأس أن يستعين أهل العدل بالبغاة والذميين على الخوارج إذا كان حكم أهل العدل هو الظاهر كذا في فتح القدير .


