الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        الموضع الثالث في الناظر المولى من القاضي ينصبه القاضي في مواضع الأول إذا مات الواقف ولم يجعل ولايته إلى أحد ولا يجعله من الأجانب ما دام يجد من أهل بيت الواقف من يصلح لذلك إما لأنه أشفق أو لأن من قصد الواقف نسبة الوقف إليه وذلك فيما ذكرنا فإن لم يجد فمن يصلح من الأجانب فإن أقام أجنبيا ثم صار من ولده من يصلح صرفه إليه كذا في الإسعاف الثاني إذا مات المتولي المشروط له بعد الواقف فإن القاضي ينصب غيره وشرط في المجتبى أن لا يكون المتولي أوصى به إلى رجل عند موته فإن كان أوصى لا ينصب القاضي وقيدنا بموته بعد الواقف لأنه لو مات قبل الواقف قال في المجتبى ولاية النصب إلى الواقف وفي السير الكبير قال محمد النصب إلى القاضي . ا هـ .

                                                                                        وفي الفتاوى الصغرى إذا مات المتولي والواقف حي فالرأي في نصب قيم آخر إلى الواقف لا إلى القاضي فإن كان الواقف ميتا فوصيه أولى من القاضي فإن لم يكن أوصى إلى أحد فالرأي في ذلك إلى القاضي ا هـ .

                                                                                        فأفاد أن ولاية القاضي متأخرة عن المشروط له ووصيه فيستفاد منه عدم صحة تقرير القاضي في الوظائف في الأوقاف إذا كان الواقف شرط التقرير للمتولي وهو خلاف الواقع في القاهرة في زماننا وقبله بيسير وفي فتح القدير وغيره وأما نصب المؤذن والإمام فقال أبو نصر لأهل المحلة وليس الباني للمسجد أحق منهم بذلك وقال أبو بكر الإسكاف الباني أحق بنصبهما من غيره كالعمارة قال أبو الليث وبه نأخذ إلا أن يريد إماما ومؤذنا والقوم يريدون الأصلح فلهم أن يفعلوا ذلك ا هـ .

                                                                                        وفي التتارخانية الوقف إذا كان على أرباب معلومين يحصى عددهم إذا نصبوا متوليا بدون استطلاع رأي القاضي يصح إذا كانوا من أهل الصلاح والمتقدمون قالوا الأولى أن يرفعوا إلى القاضي ومشايخنا المتأخرون قالوا الأولى أن لا يرفعوا إلى القاضي ثم قال فيها أيضا سئل شيخ الإسلام عن أهل مسجد اتفقوا على نصب رجل متوليا لمصالح المسجد فتولى ذلك باتفاقهم هل يصير متوليا ويطلق له التصرف في مال المسجد كما لو قلده القاضي قال نعم قال ومشايخنا المتقدمون يجيبون عن هذه المسألة ويقولون نعم والأفضل أن يكون ذلك بإذن القاضي ثم اتفق المشايخ المتأخرون وأستاذونا أن الأفضل أن ينصبوا متوليا ولا يعلموا القاضي في زماننا لما عرف من طمع القضاة في أموال الأوقاف . ا هـ .

                                                                                        وهاهنا تنبيه لا بد منه وهو المراد بالقاضي [ ص: 252 ] الذي يملك نصب الوصي والمتولي ويكون له النظر على الأوقاف قلت وهو قاضي القضاة لا كل قاض لما في جامع الفصولين من الفصل السابع والعشرين لو كان الوصي أو المتولي من جهة الحاكم فالأوثق أن يكتب في الصكوك والسجلات وهو الوصي من جهة حاكم له ولاية نصب الوصي والتولية لأنه لو اقتصر على قوله وهو الوصي من جهة الحاكم ربما يكون من حاكم ليس له ولاية نصب الوصي فإن القاضي لا يملك نصب الوصي والمتولي إلا إذا كان ذكر التصرف في الأوقاف والأيتام منصوصا عليه في منشوره فصار كحكم نائب القاضي فإنه لا بد فيه أن يذكروا أن فلانا القاضي مأذون بالإنابة تحرزا عن هذا الوهم . ا هـ .

                                                                                        ولا شك أن قول السلطان جعلتك قاضي القضاة كالتنصيص على هذه الأشياء في المنشور كما صرح به في الخلاصة في مسألة استخلاف القاضي وعلى هذا فقولهم في الاستدانة بأمر القاضي المراد به قاضي القضاة وفي كل موضع ذكر والقاضي في أمور الأوقاف بخلاف قولهم وإذا رفع إليه حكم قاض أمضاه فإنه أعم كما لا يخفى الثالثإذا ظهرت خيانته فإن القاضي يعزله وينصب أمينا قال في آخر أوقاف الخصاف ما تقول إن طعن عليه في الأمانة فرأى الحاكم أن يدخل معه آخر أو يخرجه من يده ويصيره إلى غيره قال أما إخراجه فليس ينبغي أن يكون إلا بخيانة ظاهرة مبينة فإذا جاء من ذلك ما يصح واستحق إخراج الوقف من يده قطع عنه ما كان أجرى له الواقف .

                                                                                        وأما إذا أدخل معه رجلا في القيام بذلك فالأجر له قائم فإن رأى الحاكم أن يجعل للرجل الذي أدخل معه شيئا من هذا المال فلا بأس بذلك وإن كان المال الذي سمي له قليلا ضيقا فرأى الحاكم أن يجعل للرجل الذي أدخله معه رزقا من غلة الوقف فلا بأس بذلك وينبغي للحاكم أن يقتصد فيما يجريه من ذلك ثم قال ما تقول إن كان الحاكم أخرجه من القيام بأمر هذا الوقف وقطع عنه ما كان أجراه له الواقف ثم جاء حاكم آخر فتقدم إليه هذا الرجل وقال إن الحاكم الذي كان قبلك إنما أخرجني من القيام بأمر هذا الوقف بتحامل من قوم سعوا به إليه ولم يصح علي شيء استحق به إخراجي من القيام بأمر هذا الوقف قال أمور الحاكم عندنا إنما تجري على الصحة والاستقامة ولا ينبغي للحاكم أن يقبل قول هذا الرجل فيما ادعاه على الحاكم المتقدم ولكن يقول صحح أنك موضع للقيام بأمر هذا الوقف أردك إلى القيام بذلك فإن صح عند هذا الحاكم أنه موضع لذلك رده وأجرى ذلك المال له وكذلك لو أن الحاكم الذي كان أخرجه صح عنده أنه بعد ذلك أناب ورجع عما كان عليه وصار موضعا للقيام به وجب أن يرده إلى ذلك ويرد عليه المال الذي كان الواقف جعله له ا هـ .

                                                                                        وقد علمت فيما سبق أنه لو عزله بغير جنحة لا ينعزل فإن قلت كيف يعيد الطالب للتولية بعد عزله إذا أناب ورجع مع قولهم طالب التولية لا يولى قلت محمول على طلبها ابتداء وأما طلب العود بعد العزل فلا جمعا بين كلامهم ومن الخيانة امتناعه من العمارة قال في الخصاف إذا امتنع [ ص: 253 ] من العمارة وله غلة أجبر عليها فإن فعل فيها وإلا أخرجه من يده ومن الخيانة المجوزة لعزله أن يبيع الوقف أو بعضه لكن ظاهر ما في الذخيرة أنه لا بد من هدم المشتري البناء فإنه قال وإذا خربت أرض الوقف وأراد القيم أن يبيع بعضها منها ليرم الباقي ليس له ذلك فإن باعه فهو باطل فإن هدم المشتري البناء أو صرم النخل فينبغي للقاضي أن يخرج القيم عن هذا الوقف لأنه صار خائنا ولا ينبغي للقاضي أن يأمن الخائن بل سبيله أن يعزله ا هـ .

                                                                                        ثم قال بعده قرية وقف على أرباب مسمين في يد المتولي باع المتولي ورق أشجار التوت جاز لأنه بمنزلة الغلة فلو أراد المشتري قطع قوائم الشجر يمنع لأنها ليست بمبيعة ولو امتنع المتولي من منع المشتري عن قطع القوائم كان ذلك خيانة منه واستفيد منه أنه إذا لم يمنع من يتلف شيئا للوقف كان خائنا ويعزل وفي القنية قيم يخلط غلة الدهن بغلة البواري فهو سارق خائن ا هـ .

                                                                                        فاستفيد منه إذا تصرف بما لا يجوز كان خائنا يستحق العزل وليقس ما لم يقل فإن قلت إذا ثبتت خيانته هل للقاضي أن يضم إليه ثقة من غير أن يعزله قلت نعم لأن المقصود حصل بضم الثقة إليه قال في القنية متولي الوقف باع شيئا منه أو أرضه فهو خيانة فيعزل أو يضم إليه ثقة . ا هـ .

                                                                                        ومن أحكام المتولي من القاضي ما في القنية للمتولي أن يوكل فيما فوض إليه إن عمم القاضي التفويض إليه وإلا فلا ولو مات القاضي أو عزل يبقى ما نصبه على حاله . ا هـ .

                                                                                        فإن قلت ما حكم تولية القاضي الناظر حسبة مع وجود الناظر المشروط له قلت صحيحة إذا شك الناظر أو ارتاب القاضي في أمانته لقول الخصاف كما نقلناه عنه وأما إذا أدخل معه رجلا إلخ لا يأخذ من معلوم المتولي ولا من الوقف شيئا لأنه إنما ولاه القاضي حسبة أي بغير معلوم الرابع إذا عزل نفسه عند القاضي فإنه ينصب غيره وهل ينعزل بعزل نفسه في غيبة القاضي الجواب لا ينعزل حتى يبلغ القاضي كما صرحوا به في الوصي والقاضي وظاهر كلامهم في كتاب القضاء أنه ينعزل إذا علم القاضي سواء عزله القاضي أو لم يعزله وفي القنية لو قال المتولي من جهة الواقف عزلت نفسي لا ينعزل إلا أن يقول له أو للقاضي فيخرجه . ا هـ .

                                                                                        ومن عزل نفسه الفراغ عن وظيفة النظر لرجل عند القاضي وهل يجب على القاضي أن يقرر المنزول له [ ص: 254 ] وهكذا في سائر الوظائف فإن لم يكن المنزول له أهلا لا شك أنه لا يقرره وإن كان أهلا فكذلك لا يجب عليه وأفتى العلامة قاسم بأن من فرغ لإنسان عن وظيفته سقط حقه منها سواء قرر الناظر المنزول له أو لا ا هـ .

                                                                                        فالقاضي بالأولى وقد جرى التعارف بمصر الفراغ بالدراهم ولا يخفى ما فيه وينبغي الإبراء العام بعده وفي البزازية المتولي من جهة الحاكم امتنع من العمل ولم يرفع الأمر بعزل نفسه إلى الحاكم لا يخرج عن التولية . ا هـ .

                                                                                        فإن قلت هل للقاضي عزل من ولاه بغير جنحة . قلت نعم قال في القنية نصب القاضي قيما آخر لا ينعزل الأول إن كان منصوب الواقف وإن كان منصوبه ويعلمه وقت نصب الثاني ينعزل بخلاف ما إذا نصب السلطان قاضيا في بلدة لا ينعزل الأول على أحد القولين لأنه قد تكثر القضاة في بلدة دون القوام في الوقف في مسجد واحد . ا هـ . وسيأتي عن الخانية أنه مقيد بما إذا رأى المصلحة .

                                                                                        [ ص: 251 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 251 ] ( قوله ولا يجعله من الأجانب إلخ ) هذا على وجه الأفضلية لما في الفتاوى الهندية عن التهذيب الواقف جعل للوقف قيما فلو مات القيم له أن ينصب آخر وبعد موته للقاضي أن ينصب والأفضل أن ينصب من أولاد الموقوف عليه أو أقاربه ما دام يوجد منهم أحد يصلح لذلك . ا هـ .

                                                                                        تأمل ولا ينافي هذا ما قدمه المؤلف في أوائل الموضع الأول عن جامع الفصولين من أنه لو شرط الواقف كون المتولي من أولاده وأولادهم ليس للقاضي أن يولي غيرهم بلا خيانة ولو فعل لا يصير متوليا . ا هـ .

                                                                                        لأنه فيما إذا شرط الواقف وهنا عند عدم الشرط وقد خفي هذا على الرملي في فتاواه ( قوله إذا كان الواقف شرط التقرير للمتولي ) قال الرملي بخلاف ما لو لم يشترطه كما يفهم من الشرط وقد تقرر أنه يعمل بمفاهيم التصانيف لأنه تصرف في الموقوف عليهم بغير شرط له فلا يملكه فلم يدخل في قولهم الولاية الخاصة أقوى من الولاية العامة فتأمل .

                                                                                        ( قوله وفي فتح القدير وغيره إلخ ) قال الرملي الظاهر من هذا أنه لو لم يكن بان ولا أحد من ولده وعشيرته كما سيصرح به قريبا فأهل المحلة أولى بنصبهما ( قوله وهاهنا تنبيه لا بد منه إلخ ) قال الرملي أقول : وفي فتاوى شيخنا محمد بن سراج الدين الحانوتي سؤال في قولهم إن الاستبدال إنما يكون من القاضي حيث لم يكن هناك شرط واقف هل المراد قاضي القضاة أم لا يختص به وهل يشترط أن يكون كتب في منشوره ذلك أم لا .

                                                                                        الجواب لم نر من قيد باشتراط أن يكون في منشوره كما قيدوا به في ولاية إنكاح الصغائر وفي الاستخلاف فينبغي أن يعمل بالإطلاق ومما يدل على عدم اختصاص قاضي القضاة بالاستبدال بل كما يكون منه يكون من نائبه أنه لا يجوز استخلافه لنائبه إلا إن فوض إليه بعد ذلك من السلطان وحيث فوض إليه ذلك كانت ولاية نائبه مستندة إلى إذن السلطان فيكون قائما مقام مستنيبه الذي هو قاضي القضاة كما صرحوا به في الاستخلاف ولذا كان [ ص: 252 ] مفهوم كلامهم أن القاضي إذا شرط في منشوره تزويج الصغار والصغائر كان له ولاية ذلك ثم لمنصوبه فجلعوا إذن السلطان للقاضي في التزويج كافيا في مباشرته ومنصوبه كذلك لقيامه مقامه .

                                                                                        وإذا جاز للنائب مباشرة الأنكحة مع تنصيصهم أن يكون اشترط للقاضي في منشوره فكيف بغيره وعبارة ابن الهمام في ترتيب الأولياء في النكاح هكذا ثم السلطان ثم القاضي إذا شرط في عهدة تزويج الصغائر والصغار ثم من نصبه القاضي فجعل الشرط أعني قوله الذي شرط في عهدة إلخ راجعا إلى القاضي فقط ولم يجعل راجعا له ولمنصوبه حيث لم يؤخره عنهما نعم قد وقع في عبارة بعضهم أنه أخر الشرط عن القاضي ومن نصبه فكانت عبارته محتملة لرجوعه إلى القاضي لكونه الأصل أو لهما . ا هـ .

                                                                                        لكن ذكر في الخيرية أول الوقف عبارة البحر المذكورة هنا ثم قال فهو صريح في أن نائب القاضي لا يملك إبطال الوقف وإنما ذلك خاص بالأصل الذي ذكر له السلطان في منشوره نصب الولاة والأوصياء وفوض له أمور الأوقاف وينبغي الاعتماد عليه وإن بحث فيه شيخنا الشيخ محمد بن سراج الدين الحانوتي لما في إطلاق مثله للنواب في هذا الزمان من الاختلال والمسألة لا نص فيها بخصوصها فيما اطلعنا عليه وكذلك فيما اطلع عليه شيخنا المذكور والشيخ زين صاحب البحر وإنما استخرجها تفقها والله سبحانه وتعالى أعلم ( قوله قلت محمول على طلبها ابتداء ) قال في النهر الحق أن ما في الخصاف في المشروط له التولية بدليل قوله وجب عليه أن يعيده وقولهم طالب التولية لا يولى في غيره وبه عرف أن المشروط له النظر لو طلب من القاضي تقريره فيه إجابة فيه لأنه إنما يريد التنفيذ لا أصل التولية لأنه مولى وهذا فقه حسن فاحفظه . ا هـ .

                                                                                        [ ص: 253 ] ( قوله لكن ظاهر ما في الذخيرة أنه لا بد إلخ ) قال في النهر والظاهر الإطلاق لما في القنية باع شيئا منه أو رهنه فهو خيانة ( قوله وفي القنية قيم يخلط غلة الدهن إلخ ) قال الرملي يعني الغلة الموقوفة على شراء الدهن بالغلة الموقوفة على شراء البواري أي الحصر ا هـ .

                                                                                        قلت : وقد تقدم في المسألة السادسة عشرة عن الولوالجية مسجد له أوقاف مختلفة لا بأس للقيم أن يخلط غلتها كلها ( قوله قلت : نعم لأن المقصود حصل إلخ ) سيأتي عند قول المتن وينزع لو خائنا إن عزل الخائن واجب على القاضي فينافي ما هنا وقد يقال إن المراد من عزله إزالة ضرره عن الوقف وذلك حاصل بضم ثقة إليه وقد أشار إلى ذلك بقوله لأن المقصود حصل ( قوله وأما إذا أدخل معه رجلا إلخ ) قال الرملي وتقدم قريبا أنه إذا أدخل معه رجلا ورأى الحاكم أن يجعل له شيئا فلا بأس إلخ ( قوله ومن عزل نفسه الفراغ عن وظيفته لرجل إلخ ) قال الرملي فائدة أخذ السبكي من صحة خلع الأجنبي جواز بذل مال لمن بيده وظيفة يستنزله عنها لنفسه أو غيره ويحل له حينئذ أخذ العوض ويسقط حقه منها ويبقى الأمر بعد ذلك لناظر الوظيفة يفعل ما تقتضيه المصلحة شرعا كذا في شرح الخطيب على المنهاج أقول : وقول هذا الشارح هنا ولا يخفى ما فيه وينبغي الإبراء العام بعده يدل على عدم جوازه وحرمة الأخذ وهو محل يحتاج إلى التحرير وفي الأشباه والنظائر في الفن الأول عند الكلام على العرف الخاص أقول : على اعتبار العرف الخاص قد تعارف الفقهاء بالقاهرة النزول عن الوظائف بمال يعطى لصاحبها وتعارفوا ذلك فينبغي الجواز وأنه لو نزل له وقبض المبلغ منه ثم أراد الرجوع عليه لا يملك ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . ا هـ .

                                                                                        ورأيت بعض الفضلاء كتب على هذا المحل الفتوى على عدم جواز الاعتياض عن الوظائف وما قاله في كتاب البيوع مما سيأتي الحقوق المجردة لا يجوز الاعتياض عنها كالاعتياض عن حق الشفعة ومسائل أخر سردها في ذلك المحل ترد هذا . ا هـ . تأمل . ا هـ . كلام الرملي .

                                                                                        أقول : بقي هنا شيء وهو أن ما ذكره المؤلف من صحة الفراغ عن وظيفة النظر مخالف لما قدمه قبل ورقة ونصف نقلا عن الظهيرية بقوله المتولي إذا أراد أن يفوض إلى غيره عند الموت إن كان الولاية بالإيصاء يجوز وإن أراد أن يقيم غيره مقام نفسه في صحته وحياته لا يجوز إلا إذا كان التفويض إليه على سبيل التعميم . ا هـ .

                                                                                        وحاصله أن القيم ليس له أن ينزل عن وظيفة النظر إلا في مرض موته على سبيل الإيصاء وأما في صحته فلا إلا إذا كان الواقف أذن له بذلك ومر بيانه فيما نقلناه عن الطرسوسي وعن هذا قال في الأشباه في أواخر كتاب الإقرار ونقله عن العلائي أيضا ما نصه الفعل في المرض أحط رتبة من الفعل في الصحة إلا في [ ص: 254 ] مسألة إسناد الناظر النظر لغيره بلا شرط فإنه في مرض الموت صحيح لا في الصحة كما في التتمة وغيرها . ا هـ .

                                                                                        فهذا هو المنقول في مسألة الناظر فليحمل ما ذكره المؤلف هنا من جواز النزول عن الوظائف على غير وظيفة النظر كوظيفة تدريس وإمامة ونحو ذلك وإن حمل جواز النزول عن النظر على ما إذا كان عند القاضي يحتاج إلى نقل صريح يخصص به كلامهم والمؤلف لم ينقل ذلك هنا تأمل هذا وقد ذكر في الأشباه أوائل كتاب الوقف أن الواقف إذا شرط عزل الناظر حال الوقف صح اتفاقا وإلا لا عند محمد ويصح عند أبي يوسف ثم قال ولم أر حكم عزله للمدرس والإمام الذي ولاهما ولا يمكن الإلحاق بالناظر لتعليلهم لصحة عزله عند الثاني بكونه وكيلا عنه وليس صاحب الوظيفة وكيلا عن الواقف إلخ فهذا يفيد الفرق بين الناظر وغيره من أصحاب الوظائف فليتأمل .

                                                                                        ( قوله وأفتى العلامة قاسم بأن من فرغ لإنسان إلخ ) قال الرملي هذا صريح في صحة تقرير الناظر لغيره سواء علم بفراغه لدى القاضي أم لا لأنه عزله ولا يجب عليه تقريره ويؤخذ منه أنه لو مات ذو وظيفة فقرر الناظر آخر فبان أنه نزل عنها الآخر لم يقدح ذلك في التقرير كما أفتى به بعض الشافعية بل لو قرره مع علمه بذلك فكذلك كما صرح به بعضهم .

                                                                                        وقواعدنا تقتضي ذلك ولأنه حيث كان عزلا فقد شغرت الوظيفة لعدم تقرير القاضي فيجب التقييد بما إذا لم يقرر القاضي المنزول له لأنه لو صح التقرير الثاني كان عزلا بغير جنحة عن وظيفة صارت حقه تأمل ( قوله ولا يخفى ما فيه ) قال الرملي أي من عدم الجواز إذ هو حق مجرد لا يجوز الاعتياض عنه فلا طريق لجوازه وقياسه على الخلع قياس مع الفارق إذ المال في الخلع مقابل بإزاء ملك النكاح بلفظ الخلع صرح به الزيلعي وغيره ولا ملك للفارغ عن الوظيفة حتى يكون أخذه له مقابلا به تأمل .

                                                                                        ( قوله قلت : نعم قال في القنية إلخ ) سيأتي قبيل قوله فإن قلت : هل لأحد الناظرين أن يؤاجر الآخر أن للقاضي عزل منصوب قاض آخر بلا خيانة إذا رأى المصلحة وما ذكره هنا عن القنية قال أبو السعود تعقبه المرحوم الشيخ شاهين بأنه مخالف للمنصوص عليه في الفصل الأخير من جامع الفصولين ونصه إذا كان للوقف متول من جهة الواقف أو من جهة غيره من القضاة لا يملك القاضي نصب متول آخر بلا سبب موجب لذلك وهو ظهور خيانة الأول أو شيء آخر . ا هـ .

                                                                                        ثم قال بعد نقله فليكن ما في جامع الفصولين مقدما على ما في القنية . ا هـ .

                                                                                        قلت : التعقب مدفوع بقول المؤلف هنا وسيأتي عن الخانية أنه مقيد بما إذا رأى المصلحة وقول جامع الفصولين أو شيء آخر يشمل ما إذا رأى المصلحة فلا منافاة غاية الأمر أن ما في القنية مقيد ليس على إطلاقه فتدبر لكن في أنفع الوسائل ما يخالف هذا حيث قال في أثناء الاستدلال على مسألة الاستبدال مع شرط الواقف عدمه ونصه ولأن ما قلناه لا يكون أبلغ مما قالوا في أن القاضي إذا عزل الوصي العدل الكافي يصح وله أن يولي غيره وإن لم يظهر منه خيانة في الظاهر ا هـ .

                                                                                        إلا أن يقيد كلامه بالمصلحة وهو الظاهر تأمل




                                                                                        الخدمات العلمية