الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : وبتثليث الجفاف فيما لا ينعصر ) أي ما لا ينعصر فطهارته غسله ثلاثا وتجفيفه في كل مرة ; لأن للتجفيف أثرا في استخراج النجاسة وهو أن يتركه حتى ينقطع التقاطر ولا يشترط فيه اليبس أطلقه فشمل ما تداخله أجزاء النجاسة أو لا ، أما الثاني فيغسل ويجفف في كل مرة كالجلد والخف والكعب والجرموق والخزف والآجر والخشب الجديد ، وأما القديم فيطهر بالغسل [ ص: 251 ] ثلاثا دفعة واحدة ، وإن لم يجف كذا ذكره وفي فتح القدير وينبغي تقييد الخزفة بما إذا تنجست وهي رطبة ، أما لو تركت بعد الاستعمال حتى جفت فإنها كالجديدة ; لأنه يشاهد اجتذابها حتى يظهر من ظاهرها . ا هـ .

                                                                                        وذكر الإمام الإسبيجابي ، وإن كان ذلك الشيء الذي أصابه النجاسة صلبا كالحجر والآجر والخشب والأواني فإنه يغسل مقدار ما يقع في أكبر رأيه أنه قد طهر ولا توقيت فيه ، وإنما حكم بطهارته إذا كان لا يوجد بعد ذلك طعم النجاسة ولا رائحتها ولا لونها فإذا وجد منها أحد هذه الأشياء الثلاثة فلا يحكم بطهارتها سواء كانت الآنية من الخزف أو من غيره جديدا كان أو غير جديد وعزاه صاحب المحيط إلى أكثر المشايخ وهو بإطلاقه يفيد أن الأثر فيه غير مغتفر ، وإن كان يشق زواله بخلاف ما ذكروا في الثوب ونحوه والتفرقة بينهما في هذه لا تعرى عن شيء ، ولعل وجه ذلك أن بقاء الأثر هنا دال على قيام شيء من العين بخلاف الثوب ونحوه لجواز أن يكون الاكتساب فيه بسبب المجاورة واستمرت قائمة بعد اضمحلال العين منه ، كذا في شرح المنية ويدل للتفرقة ما في الفتاوى الظهيرية ، وإن بقي أثر الخمر يجعل فيه الخل حتى لا يبقى أثرها فيطهر . ا هـ .

                                                                                        وفي الحاوي القدسي والأواني ثلاثة أنواع : خزف وخشب وحديد ونحوها وتطهيرها على أربعة أوجه حرق ونحت ومسح وغسل ، فإن كان الإناء من خزف أو حجر وكان جديدا ودخلت النجاسة في أجزائه يحرق ، وإن كان عتيقا يغسل ، وإن كان من خشب وكان جديدا ينحت ، وإن كان عتيقا يغسل ، وإن كان من حديد أو صفر أو زجاج أو رصاص وكان صقيلا يمسح ، وإن كان خشنا يغسل . ا هـ .

                                                                                        وفي الذخيرة وحكى عن الفقيه أبي إسحاق الحافظ أنه إذا أصابت النجاسة البدن يطهر بالغسل ثلاث مرات متواليات ; لأن العصر متعذر فقام التوالي في الغسل مقام العصر وفي شرح المنية والأظهر أن كلا من التوالي والترك ليس بشرط في البدن وما يجري مجراه بعد التفريع على اشتراط الثلاث في ذلك ، وقد صرح به في النوازل وفي الذخيرة ما يوافقه ، وأما على أن الاعتبار بغلبة الظن فعدم اشتراط كل منهما أظهر . ا هـ .

                                                                                        وفي عمدة الفتاوى نجاسة يابسة على الحصير تفرك وفي الرطبة يجرى عليها الماء ثلاثا والإجراء كالعصر وفي فتاوى قاضي خان البردي إذا تنجس إن كانت النجاسة رطبة تغسل بالماء ثلاثا ويقوم الحصير حتى يخرج الماء من أثقابه ، وإن كانت النجاسة قد يبست في الحصير تدلك حتى تلين النجاسة فتزول بالماء ولو كان الحصير من القصب ذكرنا أنه يغسل ثلاثا فيطهر . ا هـ .

                                                                                        وحمله في فتح القدير على الحصير الصقيلة كأكثر حصر مصر ، أما الجديدة المتخذة مما يتشرب فسيأتي وفي المجتبى معزيا إلى صلاة البقالي أن الحصير تطهر بالمسح كالمرآة والحجر ، وأما الأول أعني ما يتداخله أجزاء النجاسة فلا يطهر عند محمد أبدا ويطهر عند أبي يوسف كالخزفة الجديدة والخشبة الجديدة والبردي والجلد دبغ بنجس والحنطة انتفخت من النجاسة فعند أبي حنيفة وأبي يوسف تغسل ثلاثا وتجفف في كل مرة على ما ذكرنا وقيل في الأخيرة فقط والسكين المموهة بماء نجس تموه ثلاثا بطاهر واللحم وقع في مرقه نجاسة حال الغليان يغلى ثلاثا فيطهر وقيل لا يطهر وفي غير حالة الغليان يغسل ثلاثا ، كذا في الظهيرية والمرقة لا خير فيها إلا أن تكون تلك النجاسة خمرا فإنه إذا صب فيها خل حتى صارت كالخل حامضة طهرته وفي التجنيس طبخت الحنطة في الخمر قال أبو يوسف تطبخ بالماء ثلاثا وتجفف كل مرة وكذا اللحم وقال أبو حنيفة إذا طبخت بالخمر لا تطهر أبدا وبه يفتى . ا هـ .

                                                                                        والكل عند محمد لا يطهر أبدا وفي الظهيرية ولو صبت الخمر في قدر فيها لحم إن كان قبل الغليان يطهر اللحم بالغسل ثلاثا ، وإن كان بعد الغليان لا يطهر وقيل [ ص: 252 ] يغلى ثلاث مرات كل مرة بماء طاهر ويجفف في كل مرة وتجفيفه بالتبريد ، الخبز الذي عجن بالخمر لا يطهر بالغسل ولو صب فيه الخل وذهب أثرها يطهر الدهن النجس يطهر بالغسل ثلاثا وحيلته أن يصب الماء عليه فيعلو الدهن هكذا يفعل ثلاث مرات امرأة تطبخ مرقة فجاء زوجها سكران وصب الخمر فيها فصبت المرأة فيها خلا إن صارت المرقة كالخل في الحموضة .

                                                                                        طهرت ، دجاجة شويت وخرج من بطنها شيء من الحبوب يتنجس موضع الحبوب وتطهيره أن يطبخ ويبرد في كل مرة ثلاث مرات بالماء الطاهر وكذلك البعر إذا وجد في حمل مشوي . ا هـ .

                                                                                        ما في الظهيرية وفي فتح القدير ولو ألقيت دجاجة حال الغليان في الماء قبل أن يشق بطنها لتنتف أو كرش قبل الغسل لا يطهر أبدا لكن على قول أبي يوسف يجب أن يطهر على قانون ما تقدم في اللحم قلت : - وهو سبحانه أعلم - هو معلل بتشربهما النجاسة المتخللة بواسطة الغليان وعلى هذا اشتهر أن اللحم السميط بمصر نجس لا يطهر لكن العلة المذكورة لا تثبت حتى يصل الماء إلى حد الغليان ويمكث فيه اللحم بعد ذلك زمانا يقع في مثله التشرب والدخول في باطن اللحم وكل من الأمرين غير متحقق في السميط الواقع حيث لا يصل الماء إلى حد الغليان ولا يترك فيه إلا مقدار ما تصل الحرارة إلى سطح الجلد فتنحل مسام السطح من الصوف بل ذلك الترك يمنع من وجوده انقلاع الشعر فالأولى في السميط أن يطهر بالغسل ثلاثا لتنجس سطح الجلد بذلك الماء فإنهم لا يحترسون فيه من المنجس ، وقد قال شرف الأئمة بهذا في الدجاجة والكرش والسميط مثلهما . ا هـ .

                                                                                        واعلم أن صاحب المحيط فصل فيما لا ينعصر بين ما لا يتشرب فيه النجس وما يتشرب فالأول يطهر بالغسل ثلاثا من غير تجفيف والثاني يحتاج إلى التجفيف ، وبهذا علم أن المتن ليس على عمومه كما لا يخفى وفيه أيضا والمياه الثلاث نجسة متفاوتة فالأول إذا أصاب شيئا يطهر بالثلاث والثاني بالمثنى والثالث بالواحد ويكون حكمه في الثوب الثاني مثل حكمه في الأول وإذا استنجى بالماء ثلاثا كان نجسا ، وإن استعمل الماء بعد الإنقاء صار مستعملا .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : والخزف والآجر والخشب الجديد ) أقول : لم يذكر هذه الثلاثة صاحب الفتح في هذا القسم بل ذكر [ ص: 251 ] الطرفين في القسم الأول الآتي مقيدين بكونهما جديدين كما سيذكره الشارح أيضا وذكر الوسط هنا مقيدا بالقديم وجعل حكمه كالخزفة القديمة فتأمل .

                                                                                        ( قوله : والسكين المموهة إلخ ) قال في المنية ولو موه الحديد النجس بالماء النجس ، ثم يموه بالماء الطاهر ثلاث مرات فيطهر قال البرهان الحلبي عند أبي يوسف خلافا لمحمد فإن عنده لا يطهر أبدا بناء على ما تقدم ، وإنما تظهر ثمرة ذلك في الحمل في الصلاة ، أما في حق الاستعمال وغيره فإنه لو غسل بعد التمويه بالنجس ثلاثا ولو ولاء ، ثم قطع به بطيخ أو غيره لا يتنجس المقطوع ، وكذا لو وقع في ماء قليل أو غيره لا ينجسه كما في الخضاب ونحوه على ما مر ، أما لو صلى معه ، فإن كان قبل التمويه ثلاثا بالطاهر لا تجوز صلاته بالاتفاق وإن كان بعده جاز عند أبي يوسف فالغسل يطهر ظاهره إجماعا والتمويه يطهر باطنه أيضا عند أبي يوسف وعليه الفتوى بل لو قيل يكفي التمويه مرة لكان له وجه ; لأن النار تزيل أجزاء النجاسة بالكلية ، ثم يخلفها الماء الطاهر ولكن التكرار يزيل الشبهة عن أصل . ( قوله : ولو صب الخمر في قدر فيها لحم إلخ ) قال الخير الرملي يفهم منه ومما تقدم واللحم وقع في مرقة نجسة إلخ أن الحكم مختلف بينما إذا طبخ بخمر وبينما إذا وقع في مرقة نجسة فتأمل ذلك [ ص: 252 ]

                                                                                        ( قوله : فالأول إذا أصاب شيئا يطهر بالغسل إلخ ) قال الرملي الظاهر أن توجيهه أن الأول يخرج بغالب النجاسة فلا يغلب الظن بخروجها إلا بالثلاث وفي الثاني يغلب بالمثنى وفي الثالث بالواحد تأمل . ا هـ .

                                                                                        وهكذا لا تطهر الإجانة الأولى إلا بالغسل ثلاثا والإجانة الثانية بمرتين والإجانة الثالثة بمرة ، كذا في القنية برمز صلاة البقالي معبرا بالطست مكان الإجانة لكن فيها أيضا برمز شهاب الأئمة الإمامي غسل الثوب النجس في الطست فإنه يغسل الطست ثلاثا في كل مرة بعد عصر الثوب وفيها أيضا قال عبد الرحيم الختني ظاهر ما أشار إليه في الجامع أنه لا يحتاج إلى غسل الإجانة كالرشا والدلو في نزح البئر ا هـ .




                                                                                        الخدمات العلمية