الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قوله ( ولا يدخل الطريق والمسيل ، والشرب إلا بنحو كل حق بخلاف الإجارة ) أي لا تدخل الثلاثة في بيع الأرض أو المسكن إلا بذكر كل حق ونحوه بخلاف الإجارة حيث تدخل مطلقا لأن كلا منها خارج عن الحدود فكانت تابعة فتدخل بذكر التوابع ، وأما الإجارة فإنما المقصود منها الانتفاع ، ولا يتحقق إلا بها ، ولأن البيع شرع لتمليك العين لا المنفعة بدليل صحة شراء جحش ومهر صغير ، وأرض سبخة ، ولا تصح إجارتها ، وكذا لو استأجر علوا ، واستثنى الطريق فسدت بخلاف البيع ، وقد يتجر في العين فيبيعه من غيره فحصلت الفائدة المطلوبة ، وفي المعراج أراد الطريق الخاص في ملك إنسان أما الطريق إلى سكة غير نافذة أو إلى [ ص: 150 ] طريق عام يدخل . ا هـ .

                                                                                        وفي المحيط ، وكذا ما كان له من حق مسيل الماء أو إلقاء الثلج في ملك إنسان لحاجته ، وفي الذخيرة بذكر الحقوق إنما يدخل الطريق الذي يكون عند البيع لا الطريق الذي كان قبل البيع حتى أن من سد طريق منزله ، وجعل له طريقا آخر ، وباع المنزل بحقوقه يدخل تحت البيع الطريق الثاني لا الطريق الأول كذا في البناية فإن ذكر الحقوق ، وقال البائع ليس للدار المبيعة طريق في دار أخرى فإن المشتري لا يستحق الطريق من غير حجة لكن له أن يردها بالعيب ، وكذا لو كانت جذوع دار أخرى على الدار المبيعة فإن كانت الجذوع للبائع يؤمر البائع بالرفع ، وإن كانت لغيره كان عيبا ، وكذا لو ظهر في الدار المبيعة طريق أو مسيل ماء لدار أخرى فإن كانت تلك الدار للبائع لم يكن للبائع أن يمر في الدار المبيعة لأنه باعها من غير استثناء ، وإن كانت تلك الدار لغير البائع كان عيبا كذا في شرح الجامع الصغير لقاضي خان ، وفي الخلاصة يدخل الطريق في الرهن ، والصدقة الموقوفة كالإجارة ، وفي الخانية لو أقر بدار أو صالح على دار أو وصى بدار ، ولم يذكر حقوقها ، ومرافقها لم يدخل الطريق . ا هـ .

                                                                                        وأما إذا اقتسما ، ولم يذكرا طريقا فإن أمكنه فتح باب صحت ، وإلا فسدت ، ولا يدخل إلا بذكر الحقوق ، وفي البيع يدخل بذكر الحقوق ، وإن أمكنه فتح باب ، وبيان الفرق بين القسمة ، والإجارة وبينها وبين البيع في المعراج ا هـ .

                                                                                        [ ص: 149 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 149 ] باب الحقوق ( قول المصنف ، ولا يدخل الطريق والمسيل والشرب إلا بنحو كل حق ) أقول : العرف في زماننا دخولها بمجرد العقد بدون قوله كل حق ، ولا يفهم العاقد أن سوى ذلك فمقتضى ما مر في مسألة العلو عن الكافي دخول هذه المذكورات ، وإن لم يقل بكل حق لأن عرف زماننا دخول ذلك لا سيما الشرب ثم رأيت في الذخيرة البرهانية قال فالأصل أن ما كان في الدار من البناء أو كان متصلا بالبناء يدخل في بيع الدار من غير ذكر بطريق التبعية ، وما لا يكون متصلا بالبناء لا يدخل في بيع الدار من غير ذكر إلا إذا كان شيئا جرى العرف فيه فيما بين الناس أن البائع لا يمنعه عن المشتري فحينئذ يدخل ، وإن لم يذكره في البيع ، والمفتاح يدخل استحسانا ، ولا يدخل قياسا لأنه غير متصل بالبناء فصار كثوب موضوع في الدار إلا أنا استحسنا ، وقلنا بالدخول بحكم العرف لأن العرف فيما بين الناس أن البائع للدار لا يمنع المفتاح عن المشتري ، ويسلمون الدار بتسليم المفتاح ، والقفل ومفتاحه لا يدخلان ، والسلم إن كان متصلا بالبناء يدخل سواء كان من خشب أو مدر ، والسرر نظير السلالم . ا هـ .

                                                                                        ( قوله في بيع الأرض أو المسكن ) في القاموس المسكن المنزل ، وعبارة الهداية ، ومن اشترى بيتا في دار أو منزلا أو مسكنا لم يكن له الطريق إلخ ، وكأنه أراد بالمسكن الدار ( قوله وفي المعراج أراد الطريق الخاص إلخ ) قال في فتح القدير ، وقال فخر الإسلام وإذا كان طريق الدار المبيعة أو مسيل مائها في دار أخرى لا يدخل من غير ذكر الحقوق لأنه ليس من هذه الدار فلا تدخل إلا بذكر الحقوق إلا أن تعليله بقوله لأنه ليس من هذه [ ص: 150 ] الدار يقتضي أن الطريق الذي في هذه الدار يدخل ، وهو غير ما في الكتاب فالحق أن كلا منهما لا يدخل لأنه ، وإن كان في هذه الدار فلم يشتر جميع هذه الدار إنما اشترى شيئا معينا منها فلا يدخل ملك البائع أو ملك الأجنبي إلا بذكره . ا هـ . وتأمل .

                                                                                        قوله فلا يدخل ملك البائع مع ما سيذكره المؤلف عن شرح الجامع الصغير لقاضي خان ، ومع ما نقله الرملي عن الخلاصة كما سنذكره ( قوله وإن كانت تلك الدار لغير البائع كان عيبا ) قال الرملي في الخلاصة في كتاب الشرب في الفصل الثاني في مسائل الماء ، ومسائل السطح ، وفي النوازل رجل له داران مسيل سطح إحداهما على سطح الدار الأخرى فباع الدار التي عليها المسيل من إنسان بكل حق هو لها ثم باع الدار الأخرى من آخر فأراد المشتري الأول أن يمنع المشتري الثاني من إسالة الماء على سطحه قال : له أن يمنعه إلا أن يكون اشترط عليه وقت ما باعه إني لم أبع منك مسيل الماء في الدار التي بعت ا هـ .

                                                                                        أقول : وبه علم جواب حادثة الفتوى ، وهي رجل له كرمان طريق أحدهما من الآخر فباع لبنته الذي فيه الطريق على أن له المرور كما كان فباعته لأجنبي فهل له منع الأب من الاستطراق أم لا ولو تضرر بمروره الجواب ليس له منعه تأمل هذا ، ورأيت عبارة الخلاصة في نسختي قال لا يمنعه ، ورأيت في البزازية ليس له ذلك وعزاه في الخلاصة للنوازل فراجعت النوازل بعد أن أشكل علي ذلك فرأيته قال : له أن يمنعه إلخ ثم راجعت الولوالجية فرأيته قال : له ذلك فتيقنت أنه سبق قلم من الكتبة فأصلحته في الخلاصة ، والبزازية فتيقظ ، والله تعالى أعلم ( قوله ولا يدخل إلا بذكر الحقوق ) أي في صورة ما إذا لم يمكنه فتح باب ، وتصح القسمة حينئذ كما لا يخفى أما إذا أمكنه فلا تدخل وإن ذكرت كما سيأتي .

                                                                                        ( قوله وبيان الفرق بين القسمة والإجارة إلخ ) ذكره في الكفاية أيضا فقال وفي الفوائد الظهيرية فرق بين الإجارة وبين القسمة فإن الدار إذا كانت بين رجلين ، وفيها صفة ، وفيها بيت ، وباب البيت في الصفة ومسيل ماء ظهر البيت على ظهر الصفة واقتسما فأصاب الصفة أحدهما ، وقطعة من الساحة ، ولم يذكروا طريقا ، ولا مسيل ماء ، وصاحب البيت لا يستطيع أن يفتح بابه فيما أصابه من الساحة ، ولا يقدر أن يسيل ماءه في ذلك فالقسمة فاسدة ، ولم يدخل الطريق ، والمسيل بدون ذكر الحقوق والمرافق تحريا لجواز القسمة كما في الإجارة لأن في الإجارة موضع الشرب ليس مما تناولته الإجارة ، ولكن يتوسل به إلى الانتفاع بالمستأجر ، والآجر إنما يستوجب الأجر إذا تمكن المستأجر من الانتفاع ففي إدخال الشرب توفير المنفعة عليهما ، وأما هنا فموضع الطريق والمسيل داخل في القسمة ، وموجب القسمة اختصاص كل واحد منهما بما هو نصيبه فلو أثبتنا لأحدهما حقا في نصيب الآخر تضرر به الآخر إلا إذا ذكر الحقوق والمرافق لأنه دليل الرضا به ثم فرق بين البيع والقسمة حيث يدخل الطريق والمسيل في البيع إذا ذكر الحقوق ، وإن أمكنه أن يفتح الباب فيما ابتاع ، ويسيل ماءه فيه ، وفي القسمة لا يدخل .

                                                                                        والفرق أن المقصود من القسمة تمييز أحد الملكين عن الآخر واختصاص كل واحد من الانتفاع بنصيبه على وجه لا شركة للآخر فيه فلا يصار إلى الانتفاع بنصيب صاحبه إلا عند التعذر والانتفاع بنصيب صاحبه لا يخل بمقصود البيع فلهذا افترقا ا هـ .

                                                                                        هذا ، والمفهوم من هذا الكلام أن في القسمة إذا لم تذكر الحقوق ، ولم يمكنه إحداث مثلها في نصيبه ، ولو واحدا منها فالقسمة فاسدة ، ولا تدخل الحقوق التي كانت إلا بذكرها ، وإن أمكنه إحداث مثلها فلا تدخل ، وإن ذكرت [ ص: 151 ] والقسمة صحيحة ، وهذا موافق لما ذكره المؤلف هنا قال في النهر ، والمذكور في نظم ابن وهبان أنه إذا لم يمكنه فتح باب ، وقد علم ذلك وقت القسمة صحت ، وإن لم يعلم فسدت ، وفي الفتح ، ولا يدخل الطريق والمسيل فيها إلا برضا صريح ، ولا يكفي فيه ذكر الحقوق ، والمرافق ا هـ .

                                                                                        قلت : الذي في الفتح مثل ما نقلناه عن الكفاية ، والذي نقله عنه في النهر ذكره في الفتح فيما إذا ذكر الحقوق ، وأمكنه إحداثها ، ومعناه أن دليل الرضا ، وهو ذكر الحقوق والمرافق لا يكفي كما يكفي فيما إذا لم يمكنه الإحداث بل لا بد في دخولها من صريح رضا شريكه ، وهذا موافق لما مر فتدبر .




                                                                                        الخدمات العلمية