الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قوله ( والقول لمدعي الرداءة والتأجيل لا لنا في الوصف والأجل ) أي إذا اختلفا في اشتراط وصف السلم بأن قال أحدهما شرطناه رديئا ، وقال الآخر لم نشترط شيئا أو قال أحدهما شرطنا الأجل ، وقال الآخر لم نشترط شيئا كان القول لمن ادعى الاشتراط فيهما لا لمن نفاه ; لأنه مدعي الصحة إذ السلم لا يجوز إلا مؤجلا موصوفا فشهد له الظاهر ; لأن الفاسد حرام والظاهر أن المسلم لا يباشره أطلقه فشمل ما إذا كان رب السلم مدعي الوصف أو المسلم إليه وفي الأول خلافهما فالإمام علل بأنه مدعي الصحة وهما عللا بأن المسلم إليه منكر فالقول له وشمل أيضا ما إذا كان مدعي الأجل المسلم إليه أو رب السلم وفي الأول خلافهما لإنكاره وإذا قبل في الثاني قول رب السلم اتفاقا رجع إليه في مقدار الأجل أيضا فيقبل قوله في أصله ومقداره ، والأصل عند الإمام أن القول لمدعي الصحة سواء كان الآخر متعنتا أو لا وعندهما القول للمنكر إن لم يكن متعنتا وهو من أنكر ما ينفعه وغير المتعنت من أنكر ما يضره هذا في الشريعة وأما المتعنت في اللغة فهو من يطلب العنت وهو الوقوع فيما لا يستطيع الإنسان الخروج عنه ، كذا في البناية .

                                                                                        ولو قال المصنف والقول لمدعي الوصف الشامل للرداءة والجودة لكان أولى ; لأن أحدهما لو قال شرطناه جيدا ونفى الآخر الاشتراط أصلا فالقول للمثبت قيد الاختلاف في أصل التأجيل لأنهما لو اختلفا في مقداره فالقول للطالب مع اليمين لإنكاره الزيادة وأي برهن قبل وإن برهنا قضي ببينة المطلوب لإثباتها الزيادة وإن اختلفا في مضيه فالقول للمطلوب لإنكاره توجه المطالبة فإن برهنا قضي ببينة المطلوب لإثباتها زيادة الأجل فالقول قوله أي المسلم إليه والبينة بينته ، أما إذا نظرنا إلى الصورة فهو منكر وإن نظرنا إلى المعنى فمعناه ثبوت الحق في الشهر المستقبل ، فإذا أقاما البينة فبينة المسلم إليه بمعناها أثبتنا حقا له في شهر لم يتعرض ببينة رب السلم لذلك الشهر فكانت بينته أولى ، كذا في إيضاح الكرماني ، ثم اعلم أن بين الأجل والوصف فرقا وهو أن الاختلاف في مقدار الأجل يعني أنه ما هو لا يوجب التحالف وفي الوصف يوجبه لكونه يجري مجرى الأصل وفي الخلاصة إذا شرط في السلم الثوب الجيد فجاء بثوب وادعى أنه جيد وأنكر الطالب فالقاضي يرى اثنين من أهل تلك الصنعة وهذا أحوط والواحد يكفي فإن قالا جيد أجبره على القبول .

                                                                                        فإذا اختلفا في السلم يتحالفان استحسانا ويبدأ بيمين المطلوب عند أبي يوسف ، ثم رجع وقال بيمين الطالب وهو قول محمد وأي برهن قبل فإن برهنا قضي ببينة رب السلم بسلم واحد عند أبي يوسف ويقال هو قول أبي حنيفة والمسألة على ثلاثة أوجه ; لأن رأس المال إما عين أو دين وكل وجه على ثلاثة أوجه اتفقا على رأس المال واختلفا في المسلم فيه أو على القلب أو اختلفا فيهما ، فإن كان رأس المال عينا واختلفا في المسلم فيه لا غير ، فقال الطالب هذا الثوب في كر حنطة ، وقال الآخر في نصف كر أو في شعير أو في الحنطة الرديئة وأقاما البينة قضي ببينة رب السلم إجماعا وإن اختلفا في رأس المال فقال أحدهما هذا الثوب ، وقال الآخر هذا العبد واتفقا في المسلم فيه أنه الحنطة أو قال أحدهما هذا الثوب في كر حنطة ، وقال الآخر في كر شعير وأقاما البينة قضي بالسلمين فمحمد رحمه الله مر على أصله وأبو يوسف يقول كل يدعي عقدا غير ما يدعيه الآخر ، وإن كان رأس المال دراهم أو دنانير إن اتفقا في رأس المال واختلفا في المسلم فيه وأقاما البينة فالبينة لرب السلم ويقضى بسلم واحد عند أبي يوسف خلافا لمحمد وإن كان الاختلاف على القلب فعلى هذا الاختلاف ، ولو اختلفا فيهما فقال أحدهما عشرة [ ص: 185 ] دراهم في كرى حنطة ، وقال الآخر خمسة عشر في كر وأقاما البينة فعند أبي يوسف تثبت الزيادة فيجب خمسة عشر في كرين ولا يقضى بسلمين وعند محمد يقضى بسلمين عقد بخمسة عشر في كر وعقد بعشرة في كرين .

                                                                                        ولو ادعى أحدهما أن رأس المال دراهم والآخر دنانير لم يذكر هذا وينبغي أن يقضى بسلمين كما في الثوبين ، كذا في فتح القدير .

                                                                                        والحاصل أنهما إن اختلفا في الجنس والصفة أو المقدار تحالفا سواء كان في رأس المال أو في المسلم إليه وإن اختلفا في اشتراط الوصف أو الأجل فالقول لمثبته لا لنا فيه وإن اختلفا في مقدار الأجل فالقول لرب السلم وإن اختلفا في مضيه فالقول للمسلم إليه ، وإن اختلفا في بيان مكان الإيفاء فالقول للمطلوب وفي اشتراطه فلمن أثبته وفي الظهيرية إذا اختلفا في جنس المعقود عليه تحالفا وكذا في الصفة بخلاف الاختلاف في الصفة في بيع العين ، ولو اختلفا في مكان الإيفاء فالقول للمطلوب وإن برهنا فللطالب عنده وعندهما يتحالفان ويترادان السلم وقيل على العكس . ا هـ .

                                                                                        وفي الصحاح ردأ الشيء يردأ رداءة فهو رديء أي فاسد وأردأته أي أفسدته . ا هـ .

                                                                                        وقد ذكر المصنف رحمه الله تعالى أولا في الدعوى التأجيل وفي النفي الأجل فظاهره أنه لا فرق بينهما عنده وليس كذلك لما في القاموس الأجل غاية الوقت في الموت وحلول الدين ومدة الشيء والجمع آجال والتأجيل تحديد الأجل . ا هـ .

                                                                                        والتحديد بمعنى التقدير وقدمنا أنهما لو اختلفا في مقداره فالقول للطالب فتعين أن يكون التأجيل في كلامه بمعنى الأجل مجازا بدليل الثاني .

                                                                                        [ ص: 183 - 184 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 183 - 184 ] ( قوله : ولو قال المصنف والقول لمدعي الوصف إلخ ) قال في النهر هذا أي قول المصنف والقول لمدعي الرداءة صادق بما إذا قال أحدهما شرطنا رديئا فقال الآخر لم نشرط شيئا وبما إذا ادعى الآخر اشتراط الجودة ، وقال الآخر : إنما شرطنا ردية والمراد الأول ولذا أردفه بقوله لا لنا في الوصف والأجل ولإفادة أن الرداءة مثال حتى لو قال أحدهما شرطنا جيدا ، وقال الآخر لم نشرط شيئا فالحكم كذلك وبه اندفع ما في البحر [ ص: 185 ] ( قوله فتعين أن يكون التأجيل في كلامه بمعنى الأجل ) أقول : الظاهر تعين العكس ثم رأيت في النهر لا نسلم أنه يتعين ما ادعاه بل المناسب لوضع المسألة أن يكون الأجل بمعنى التأجيل حتى لو اختلفا في تحديده بأن قال أحدهما أجلناه إلى هبوب الريح ، وقال الآخر إلى شهر فالقول لمدعي التحديد ، وأما ما ذكره فليس من المسألة في شيء فتدبره . ا هـ .

                                                                                        أرى لأن الأجل بمعنى المدة والاختلاف فيها اختلاف في مقدارها وذلك ليس موضوع مسألة الكتاب ، وأما الاختلاف في التأجيل فمعناه الاختلاف في التقرير والتحديد والاختلاف فيه اختلاف في أصل وجوده لا في مقداره ، وفرق بين التقدير والمقدار ثم إنما كان ما ذكره في النهر من الاختلاف في التأجيل ; لأن التأجيل إلى هبوب الريح فاسد بمنزلة العدم تأمل .




                                                                                        الخدمات العلمية