الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : وستر عورته ) للإجماع على أنه فرض في الصلاة كما نقله غير واحد من أئمة النقل إلى أن حدث بعض المالكية فخالف فيه كالقاضي إسماعيل وهو لا يجوز بعد تقرر الإجماع ويعضده قوله تعالى { يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد } أي محلها والمراد ما يواري عورته عند كل صلاة إطلاقا ، لاسم الحال على المحل في الأول وعكسه في الثاني وقوله صلى الله عليه وسلم { لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار } أي البالغة سميت حائضا ; لأنها بلغت سن الحيض والتقييد بالحائض يخرج التي دون البلوغ لما قال في المحيط مراهقة [ ص: 283 ] صلت بغير وضوء أو عريانة تؤمر بالإعادة وإن صلت بغير قناع فصلاتها تامة استحسانا لقوله عليه الصلاة والسلام { لا تصلي حائض بغير قناع } فلا يتناول غير الحائض ولأن ستر عورة الرأس لما سقط بعذر الرق فبعذر الصبا أولى ; لأنه يسقط بعذر الصبا الخطاب بالفرائض بخلاف غيره من الشرائط لا يسقط بعذر الصبا . ا هـ .

                                                                                        قال أهل اللغة سميت العورة عورة لقبح ظهورها ولغض الأبصار عنها مأخوذة من العور وهو النقص والعيب والقبح ومنه عور العين والكلمة العوراء القبيحة أطلق فيما يستر به فشمل ما يباح لبسه وما لا يباح فلو سترها بثوب حرير وصلى صحت وأثم كالصلاة في الأرض المغصوبة ولو لم يجد غيره يصلي فيه لا عريانا وحد الستر أن لا يرى ما تحته حتى لو سترها بثوب رقيق يصف ما تحته لا يجوز وشمل ما إذا كان بحضرته أحد أو لم يكن حتى لو صلى في بيت مظلم عريانا وله ثوب طاهر لا يجوز إجماعا ; لأن الستر مشتمل على حق الله وحق العباد وإن كان مراعى في الجملة بسبب استتاره عنهم فحق الله تعالى ليس كذلك ، فإن قيل الستر لا يحجب عن الله تعالى ; لأنه سبحانه يرى المستور كما يرى المكشوف أجيب بأنه يرى المكشوف تاركا للأدب والمستور متأدبا وهذا الأدب واجب مراعاته عند القدرة عليه وإن صلى في الماء عريانا إن كان كدرا صحت صلاته وإن كان صافيا يمكن رؤية عورته لا تصح ، كذا في السراج الوهاج وصورة الصلاة في الماء الصلاة على جنازة وإلا فلا يصح التصوير وأراد بسترها الستر عن غيره لا عن نفسه حتى لو رأى فرجه من زيقة أو كان بحيث يراه لو نظر إليه فإنها صحيحة عند العامة وهو الصحيح كما في المحيط وغيره لكن في السراج الوهاج إذا صلى في قميص عليه بغير إزرار فعليه أن يزره لما روي عن { سلمة بن الأكوع قال قلت : يا رسول الله أصلي في قميص واحد فقال زره عليك ولو بشوكة } والمستحب أن يصلي في ثلاثة أثواب قميص وإزار وعمامة والمكروه أن يصلي في سراويل واحد ، كذا في المحيط وبهذا علم أن لبس السراويل في الصلاة ليس بواجب ; لأن الستر من أسفل ليس بلازم بل إنما يلزم من جوانبه وأعلاه ولذا قال في منية المصلي ومن صلى في قميص ليس له غيره فلو نظر إنسان من تحته رأى عورته فهذا ليس بشيء واعلم أن ستر العورة خارج الصلاة بحضرة الناس واجب إجماعا إلا في مواضع وفي الخلوة فيه خلاف والصحيح الوجوب إذا لم يكن الانكشاف لغرض صحيح ، كذا في شرح المنية .

                                                                                        ( قوله : وهي من تحت سترته إلى تحت ركبته ) أي ما بينهما فالسرة ليست بعورة والركبة عورة فالغاية هنا لم [ ص: 284 ] تدخل تحت المغيا لما رواه الحاكم من غير تعقب { ما بين السرة والركبة عورة } ولرواية الدارقطني { ما تحت السرة إلى الركبة عورة } ولرواية البيهقي { الفخذ عورة } ، وأما انكشاف فخذه صلى الله عليه وسلم في زقاق خيبر فلم يكن قصدا ، ولأن الركبة ملتقى عظمي الساق والفخذ والتمييز بينهما متعذر فاجتمع المحرم والمبيح فغلب المحرم احتياطا كذا قالوا ، وقد يقال : إن هذا يقتضي أن تكون السرة عورة كما هو رواية عن أبي حنيفة فإنه تعارض في السرة المحرم والمبيح ، وقد يجاب عنه بأنه لم يكن محرما لدليل اقتضاه وهو ما أخرج أحمد في مسنده عن عمير بن إسحاق { قال كنت أمشي مع الحسن بن علي في بعض طرق المدينة فلقينا أبو هريرة فقال للحسن اكشف لي عن بطنك جعلت فداك حتى أقبل حيث رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبله قال فكشف عن بطنه فقبل سرته } كذا في شرح المنية وكان محمد بن الفضل يقول من السرة إلى موضع نبات شعر العانة ليس بعورة لتعامل العمال في إبداء ذلك الموضع عند الاتزار وفي ستره نوع حرج وهذا القول ضعيف ; لأن التعامل بخلاف النص لا يعتبر ، كذا في السراج وفي الظهيرية وحكم العورة في الركبة أخف منه في الفخذ حتى لو رأى رجل غيره مكشوف الركبة ينكر عليه برفق ولا ينازعه إن لج وإن رآه مكشوف الفخذ ينكر عليه بعنف ولا يضربه إن لج وإن رآه مكشوف السوأة أمره بستر العورة وأدبه على ذلك إن لج . ا هـ .

                                                                                        وهو يفيد أن لكل مسلم التعزير بالضرب فإنه لم يقيده بالقاضي وسيأتي إن شاء الله تعالى في بابه .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : ساتر العورة ) أي بأن لا يصف ما تحته كما سيأتي . ( قوله : أي محلها ) الضمير للزينة ومحلها الثوب الساتر كما فسره به بقوله والمراد ما يواري عورته وأشار بقوله عند كل صلاة إلى بيان المراد بقوله تعالى { عند كل مسجد } فعلى الأول أطلق اسم الحال وهو الزينة وأريد [ ص: 283 ] المحل وهو الساتر وعلى الثاني بالعكس أي أطلق اسم المحل وهو المسجد وأريد الحال وهو الصلاة فإن الستر لا يجب لعين المسجد بدليل جواز الطواف عريانا فيعلم من هذا أن سترة الصلاة لا لأجل الناس كما في معراج الدراية أي لأن الناس في الأسواق أكثر منهم في المساجد فلو كان للناس لقال عند كل سوق ونقل عن شيخه العلامة أن الأول من قبيل إطلاق اسم المسبب على السبب قال : لأن الثوب سبب الزينة ومحل الزينة الشخص . ( قوله : وإلا فلا يصح التصوير ) قال في النهر إنما لم يصح في غيرها ; لأن الفرق بين الصافي وغيره يؤذن بأن له ثوبا إذ العادم له يستوي في حقه الصافي وغيره وحينئذ فلا يجوز له الإيماء للفرض . ا هـ .

                                                                                        قال العلامة الشيخ إسماعيل ولي في الكلامين نظر لإمكان تصوير ركوعه وسجوده في الماء الكدر بحيث لا يظهر من بدنه شيء إذا سد منافذه بل ما يفعله الغطاس في استخراج الغريق أبلغ من ذلك .

                                                                                        ( قوله : لكن في السراج إلخ ) وجه الاستدراك أن قوله فعليه أن يزره يفيد الوجوب وهو ظاهر الحديث المذكور قال البرهان الحلبي في شرح المنية والدليل يساعده وهو أن الستر وجب شرطا للصلاة ذاتها لا لخوف رؤية العورة فيها وإذا كان بحال لو نظر لرأى بلا تكلف لم يوجد الشرط وهو الستر ، ولذا لو صلى عريانا في الظلمة بلا عذر لا تجوز إجماعا ولو كان الوجوب لخوف الرؤية لجازت لكن قد يقال : إنما فرض الستر في الصلاة بالإجماع ولا إجماع فيما إذا كان المصلي هو الذي بحيث لو نظر لرأى عورة نفسه لقول أبي حنيفة وأبي يوسف بعدم الفساد فالذي ينبغي الكراهة دون الفساد لترك الواجب دون الشرط وقولهما لا تفسد صلاته لا ينافي الكراهة فكان هذا هو المختار ( قول المصنف وهي من تحت سرته إلى تحت ركبته ) قال الشيخ إسماعيل عن البرجندي ما تحت السرة هو ما تحت الخط الذي يمر بالسرة ويدور على محيط بدنه بحيث يكون بعده عن موقعه في جميع جوانبه على السواء . ا هـ .

                                                                                        وأما الركبة فسيأتي أنها ملتقى عظم الساق والفخذ وفي حواشي الخير الرملي قال ابن حجر الهيتمي الشافعي لم أر لأحد من أئمتنا تحديد الركبة وعرفها في القاموس بأنها مواصل ما بين أطراف الفخذ وأعالي الساق قال وصريح ما يأتي في الثامن وما بعده أنها من أول المنحدر عن آخر الفخذ إلى أول أعلى الساق وعليه فكأنهم اعتمدوا في ذلك العرف لبعد تقييد الأحكام بحدها اللغوي لقلته جدا إلا أن يقال أراد بالموصل ما قررناه وهو قريب ثم رأيت في الصحاح قال والركبة [ ص: 284 ] معروفة فبين أن المدار فيها على العرف والكلام في الشرع وهو يدل على أن القاموس إن لم تحمل عبارته على ما ذكرناه اعتمد في حده لها بذلك عليه وكثيرا ما يقع له الخروج عن اللغة إلى غيرها كما سيأتي في أول التعزير . ا هـ .

                                                                                        والذي في أول التعزير والتعزير ضرب دون الحد ، كذا في القاموس قال والظاهر أنه غلط لأن هذا وضع شرعي لا لغوي ; لأنه لا يعرف إلا من جهة الشرع فكيف ينسب لأهل اللغة الجاهلين لذلك من أصله ، وقد وقع له نظير ذلك كثيرا وهو غلط ينبغي التفطن له




                                                                                        الخدمات العلمية