الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( فصل في المستفتي )

                                                                                        يجب أن يستفتي من عرف علمه وعدالته ولو بإخبار ثقة عارف أو باستفاضة ، وإلا بحث عن ذلك فلو خفيت عدالته الباطنة اكتفى بالعدالة الظاهرة ويعمل بفتوى عالم مع وجود أعلم جهله فإن اختلفا ولا نص قدم الأعلم ، وكذا إذا اعتقد أحدهما أعلم أو أورع ويقدم الأعلم على [ ص: 291 ] الأورع ، ولو أجيب في واقعة لا تتكرر ثم حدثت لزم إعادة السؤال إن لم يعلم استناد الجواب إلى نص أو إجماع ، وإن لم تطمئن نفسه إلى جواب المفتي استحب سؤال غيره ولا يجب ويكفي المستفتي بعث رقعة أو رسول ثقة ومن الأدب أن لا يسأل والمفتي قائم أو مشغول بما يمنع تمام الفكر ، وأن لا يقول بجوابه هكذا قلت : أنا ولا يطالبه بدليل فإن أراده فوقت آخر ، وليبين موضع السؤال وينقط المشتبه في الرقعة ويتأملها لا سيما آخرها ، ويتثبت ولا يقدح الإسراع مع التحقيق وأن يشاور فيما يحسن إظهاره من حضر متأهلا ، وأن يصلح لحنا فاحشا وليشغل بياضا بخط كي لا يلحق بشيء ويبين خطه بقلم بين قلمين ولا بأس بكتبه الدليل لا السؤال ، ولا يكتب خلف من لا يصلح ، وله أن يضرب عليه إن أمن فتنة وإن سخط المالك وينهى المستفتي عن ذلك ، وليس له حبس الرقعة وينبغي للإمام أن يبحث عن أهل العلم عمن يصلح للفتوى ليمنع من لا يصلح وليكن المفتي متنزها عن خوارم المروءة فقيه النفس سليم الذهن حسن التصرف ولو عبدا أو امرأة أو أخرس تفهم إشارته ، وليس هو كالشاهد في رد فتواه لقرابة وجر نفع ، وتقبل فتوى من لا يكفر ولا يفسق ببدعة كشهادته ويفتي ، ولو كان قاضيا وفي اشتراط معرفة الحساب لتصحيح مسائله وجهان ، ويشترط أن يحفظ مذهب إمامه ، ويعرف قواعده وأساليبه ، وليس للأصولي الماهر ، وكذا البحاث في الخلاف من أئمة الفقه وفحول المناظرين أن يفتي في الفروع الشرعية ولا يجب إفتاء فيما لا يقع ويحرم التساهل في الفتوى واتباع الحيل إن فسدت الأغراض وسؤال مع عرف بذلك ، ولا يفتى في حال تغير أخلاقه وخروجه عن الاعتدال ، ولو لفرح ومدافعة أخبثين فإن أفتى معتقدا أن ذلك لم يمنعه عن درك الصواب صحت فتواه ، وإن خاطر والأولى أن يتبرع بالفتوى فإن أخذ رزقا من بيت المال جاز إلا إن تعينت عليه وله كفاية ، ولا يأخذ أجرة من مستفت فإن جعل له أهل البلد رزقا جاز ، وإن استؤجر جاز والأولى كونها بأجرة مثل كتبه مع كراهة ، وله قبول هدية لا رشوة على فتوى لما يريد وعلى الإمام أن يفرض لمدرس ومفت كفايته لكل أهل بلد اصطلاح في اللفظ فلا يجوز أن يفتي أهل بلد بما يتعلق باللفظ من لا يعرف اصطلاحهم ، وليس له العمل والفتوى بأحد القولين أو الوجهين من غير تعويل عليه في القولين أن يعمل بالمتأخر إن علمه ، وإلا فبالذي رجحه الشافعي وإلا لزمه البحث عنه ، وإن كان أهلا اشتغل به متعرفا لذلك من القواعد والمأخذ وإلا تلقاه من نقلة المذهب فإن عدم الترجيح توقف ، وحكم الوجهين كالقولين لكن لا عبرة بالمتأخر إلا إذا وقعا من شخص فإن اختلفوا في الأرجح ، ولم يكن أهلا للترجيح اعتمد ما صححه الأكثر والأعلم وإلا توقف والعمل بالجديد من قولي الشافعي إلا في نحو ثلاثين مسألة وإن كان في الرقعة مسائل رتب الأجوبة على ترتيبها ، ويكره أن يقتصر على فيه قولان إذ لا يفيد ولا يطلق حيث التفصيل فهو خطأ ، ويجيب على ما في الرقعة لا على ما يعلمه وإن أراده قال إن أراد كذا فجوابه كذا ، ويجيب الأول في الناحية اليسرى وإن شاء غيرها لا قبل البسملة ، وليكتب الحمد لله وليختم بقوله والله أعلم .

                                                                                        ولا يقبح أن يقول في الجواب عندنا وإن تعلقت بالسلطان دعا له فقال وعلى السلطان سدده الله أو شد أزره ، ويكره أطال الله بقاءه ، ويختصر جوابه ويوضح عبارته وإن سئل عن تكلم بكفر متأول قال يسأل إن أراد كذا فلا شيء عليه ، وإن أراد كذا فيستتاب فإن تاب قبلت توبته وإلا قتل وإن سئل عمن قتل أو جرح احتاط ، وذكر شروط القصاص ويبين قدر التعزير ويكتب على الملصق من الورقة وإن ضاقت كتب في الظهر ، والحاشية أولى لا ورقة أخرى ، ويشافهه بما عليه بل إن اقتضاهما السؤال لم يقتصر على أحدهما ولا يلقنه على خصمه فإن وجب الإفتاء قدم السابق بفتوى [ ص: 292 ] ثم أقرع نعم يجب تقديم نساء ومسافرين تهيئوا أو تضرروا بالتخلف إلا إن ظهر تضرر غيرهم بكثرتهم ، وإن سئل عن الإخوة فصل في جوابه ابن الأبوين أو لأب أو لأم ، وإن كان في الفريضة عول قال الثمن عائلا وإن كان في الورثة من يسقط بحال دون حال بينه ويكتب تحت الفتوى الصحيحة إن عرف أنها لأهل الجواب صحيح ونحوه ، وله أن يجيب إن رأى ذلك ويختصر ، وإن جهل يبحث عن حاله فإن لم يظهر له فله أمره بإبداء لها فإن تعسر أجاب بلسانه ، وإن عدم المفتي في بلده وغيرها ولا من ينقل له حكمها فلا يؤاخذ صاحب الواقعة بشيء يصيبه إذ لا تكليف ( فرع )

                                                                                        أفتاه ثم رجع قبل العمل كف عنه ، وكذا إذا نكح امرأة بفتواه ثم رجع لزمه فراقها كما في القبلة ، وإن رجع بعد العمل وقد خالف دليلا قاطعا نقضه وإلا فلا وإن كان المفتي يقلد الإمام فنص إمامه وإن كان اجتهاديا في حقه كالدليل القطعي ، وعلى المفتي إعلامه برجوعه قبل العمل وكذا بعده إن وجب النقض ، وإن أتلف بفتواه لا يغرم ولو كان أهلا ا هـ والله تعالى أعلم .

                                                                                        [ ص: 291 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 291 ] ( قوله ويكره أن يقتصر على فيه قولان ) أي على قوله في الجواب فيه قولان .




                                                                                        الخدمات العلمية