الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وليسو بينهما جلوسا ) أي يجب على القاضي التسوية بين الخصمين في الجلوس للحديث { إذا ابتلي أحدكم بالقضاء فليسو بينهم في المجلس والنظر والإشارة ، ولا يرفع صوته على أحد الخصمين دون الآخر } رواه إسحاق بن راهويه وبمثله رواه الدارقطني ولأن في عدم التسوية مكسرة لقلب الآخر فيجلسهما بين يديه ولا يجلس واحدا عن يمينه والآخر عن يساره لأن لليمين فضلا أطلق في التسوية بينهما فشمل الشريف والوضيع والأب والابن والصغير والكبير والحر والعبد والسلطان وغيره ، ولذا قال في النوازل والفتاوى الكبرى خاصم السلطان مع رجل فجلس السلطان مع القاضي في مجلسه ينبغي للقاضي أن يقوم من مقامه ويجلس خصم السلطان فيه ، ويقعد هو على الأرض ثم يقضي بينهما ا هـ .

                                                                                        وهذا دليل على أن القاضي يقضي على السلطان الذي ولاه ، والدليل عليه قصة شريح مع علي رضي الله عنه وشمل المسلم والذمي فيسوى بينهما كما في فتاوى قارئ الهداية وقيد بالجلوس ; لأنه لا يجب عليه التسوية بينهما بالقلب ، وإن كان أفضل فقد حكي في الولوالجية أن أبا يوسف وقت موته قال اللهم إنك تعلم أني لم أمل إلى أحد الخصمين حتى بالقلب إلا في خصومة نصراني مع الرشيد لم أسو بينهما وقضيت على الرشيد ثم بكى ومما حكي عن أبي يوسف أن خادما من أكبر خدام الخليفة جاء مع خصمه للدعوى فترافع على خصمه فأمره أبو يوسف بالمساواة فلم يمتثل فقال القفا يا غلام ائتني بعمرو النخاس يبيع هذا الخادم وأرسل ثمنه إلى أمير المؤمنين فاستوى وانقضت الدعوى ، فذهب الخادم إلى الخليفة وقص عليه ما جرى وبكى بكاء شديدا فقال له لو باعك لأجزت بيعه ولم أردك إلى ملكي رحمه الله تعالى وينبغي للخصمين أن يجثوا بين يديه ولا يتربعان ولا يقعيان ولا يحتبيان ، ولو فعلا ذلك منعهما القاضي تعظيما للحكم كما يجلس المتعلم بين يدي المعلم [ ص: 307 ] تعظيما له ، ويكون بعدهما عنه قدر ذراعين أو نحو ذلك من غير أن يرفعا أصواتهما ، وتقف أعوان القاضي بين يديه فيكون أهيب وقدمنا الخلاف بين الشيخين في ابتداء القاضي لهما بالسؤال وفي فتح القدير هنا ، والأصح عندنا أنه يستنطقه ابتداء للعلم بالمقصود ، ولا يتعجل عن الخصوم ولا يخوفهم ، وينبغي أن يقوم بين يديه إذا جلس للحكم رجل يمنع الناس عن التقدم إليه مع سوط يقال له الجلواز ، وصاحب المجلس يقيم الخصوم بين يديه على البعد والشهود بقرب من القاضي . قوله ( وليتق عن مسارة أحدهما وإشارته وتلقين حجته وضيافته ) أي وليجتنب عن هذه الأشياء ; لأن فيها تهمة ومكسرة لقلب الآخر والمسارة من ساره في أذنه وتساروا تناجوا كذا في القاموس والمعنى أنه يجتنب الكلام معه خفية قيد بما ذكر لأنه لا يلزمه اجتناب ميل قلبه إلى أحدهما ; لأنه ليس في وسعه كالقسم وفي الولوالجية ، ولا ينبغي للذي يقوم بين يدي القاضي أن يسار أحدا من الخصمين في مجلس الحكم ; لأنه نائب القاضي ا هـ .

                                                                                        وأما منعه من ضيافة أحدهما فما رواه الحسن فقال جاء رجل فنزل على علي رضي الله عنه فأضافه فلما فرغ قال إني أريد أن أخاصم قال له تحول فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا أن نضيف الخصم إلا ومعه خصمه قيد بضيافة أحدهما ; لأن له أن يضيفهما معا لما رويناه ( قوله والمزاح ) أي وليتق المزاح في المصباح مزح مزحا من باب نفع ومزاحة بالفتح والاسم المزاح بالضم وهو الدعابة والمزاحة المرة ومازحت مزاحا من باب قاتل قتالا ا هـ .

                                                                                        وفي الصحاح الدعابة بالضم المزاح من دعب لعب ا هـ . فعلى هذا المزاح اللعب .

                                                                                        وأشار إلى أنه لا يضحك في وجه أحدهما فلا يقوم له إذا قدم بالأولى فلو قال المصنف والمزح لكان أولى ; لأنه يجتنب المزح سواء مازحه أحد أو لا وسواء كان مع أحد الخصمين أو مع غيرهما ، ومراده إذا كان في مجلس الحكم ، وأما في غيره فلا يكثر منه ; لأنه يذهب بالمهابة .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية