الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله ويقرض القاضي مال اليتيم ويكتب الصك لا الوصي والأب ) ; لأن القاضي يقدر على تحصيله من المستقرض والوصي والأب لا يقدران على ذلك فيضمنان بالإقراض لكونه تبرعا ابتداء والمراد ويستحب للقاضي الإقراض ولا يجوز للأب والوصي وإنما استحب منه ; لأن القاضي لكثرة اشتغاله لا يمكن أن يباشر الحفظ بنفسه فلا بد له من الدفع لغيره والدفع بالقرض أنظر لليتيم لكونه مضمونا الوديعة أمانة ولا يقرض إلا من يعرفه بالأمانة والديانة ويكتب عليه ذلك ليحفظه خوف النسيان لكثرة اشتغاله وفي البناية معزيا إلى تاج الشريعة يقرض القاضي إلى الثقات والثقة المليء الحسن المعاملة وفي الأقضية إنما يملك القاضي الإقراض إذا لم تحصل غلة لليتيم أما إذا وجدت فلا يملكه هكذا روي عن محمد . ا هـ .

                                                                                        وفي المصباح رجل مليء على فعيل غني مقتدر ويجوز الإبدال والإدغام ا هـ .

                                                                                        وينبغي أن يشترط لجواز إقراض القاضي عدم وصي لليتيم فإن كان له وصي ولو منصوب القاضي لم يجز ; لأنه من التصرف في ماله وهو ممنوع منه مع وجود وصيه كما في بيوع القنية وسوى المصنف بين الأب والوصي مع أن في الأب روايتين ولكن أظهرهما أنه كالوصي وهو الصحيح كما في جامع الفصولين وفي خزانة الفتاوى الصحيح أن الأب كالقاضي فقد اختلف التصحيح والمعتمد ما في المتون وأطلق في منع إقراض الأب فشمل ما إذا أخذ مال ولده الصغير قرضا لنفسه وهو مروي عن الإمام وقيل له ذلك وينبغي للقاضي أن يتفقد أحوال الذين أقرضهم مال الأيتام حتى إذا اختل أحد منهم أخذ منه المال ; لأن القاضي وإن قدر على استخلاصه إنما يقدر من الغني لا من الفقير ولهذا لا يملك قرضه من المعسر ابتداء فكذا لا يتركه [ ص: 24 ] عنده انتهاء .

                                                                                        وأشار المؤلف إلى أن للقاضي ولاية إقراض مال الوقف كما في جامع الفصولين وله إقراض اللقطة من الملتقط وإقراض مال الغائب وله بيع منقوله إذا خاف التلف إذا لم يعلم بمكان الغائب أما إذا علم فلا ; لأنه يمكنه بعثه إلى الغائب إذا خاف التلف قالوا وله أن يأخذ المال من الأب إذا كان مسرفا مبذرا ويضعه على يد عدل كذا في القنية وفي جامع الفصولين إنما يملك القاضي إقراضه إذا لم يجد ما يشتريه له يكون غلة لليتيم لا لو وجده أو وجد من يضارب ; لأنه أنفع وكذا إنما يقرضه من مليء ا هـ .

                                                                                        وقيد بالإقراض ; لأن الوصي يملك البيع نسيئة كما ذكروه في الوصايا وفي جامع الفصولين ولو أقرض الوصي لا يعد خيانة فلا يعزل به ا هـ .

                                                                                        وأطلق في الوصي فشمل وصي القاضي كما في جامع الفصولين وأشار بالوصي إلى أن متولي الوقف ليس له إقراض مال المسجد فلو أقرضه ضمن وكذا يضمن المستقرض كذا في الخزانة وليس له إيداعه إلا ممن هو في عياله كذا في جامع الفصولين ثم قال بعده القيم لو أقرض مال المسجد ليأخذه عند الحاجة وهو أحرز من إمساكه فلا بأس به وفي العدة يسع للمتولي إقراض ما فضل من غلة الوقف لو أحرز . ا هـ .

                                                                                        وقدمنا في كتاب الوقف حكم ما إذا أقرض المتولي مال الوقف بأمر القاضي من الإمام فمات مفلسا وفي جامع الفصولين لو استقرض الوصي مال اليتيم وربح به ثم أنفق عليه مدة يكون متبرعا إذا صار ضامنا فلا يتخلص ما لم يرفع أمره إلى الحاكم والأصح أن الوصي لا يملك أن يستقرض ماله وقيل يملكه لو مليا ا هـ .

                                                                                        وفي تهذيب القلانسي ويصدق القاضي فيما قاله من التصرف في الأوقاف وأموال الأيتام والغائبين من أداء وقبض . ا هـ .

                                                                                        وفي شرح أدب القضاء إقراض القاضي أنفع للصبي وأحوط لماله لكونه مضمونا ولتمكنه من الاسترداد وقالوا الوصي يملك الإيداع لا القرض ولم أر حكم الجد في جواز إقراضه على رواية جوازه للأب والظاهر أنه كالأب لقولهم الجد أب الأب كالأب إلا في مسائل ويجب أن يستثنى من عدم جواز إقراض الأب والوصي المعتمد إقراضه للضرورة كحرق ونهب فيجوز اتفاقا واختلفوا في إعارة الأب مال ولده الصغير وفي الصحيح لا وفي الخزانة إذا أجر الأب أو الوصي أو الجد أو القاضي الصغير في عمل من الأعمال التي تليق به فالصحيح جوازها وإن كانت بأقل من أجرة المثل وقدمنا في أول كتاب القضاء ما يستفيده القاضي بالتولية والله تعالى أعلم .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله أما إذا وجد فلا يملكه ) قال الرملي كما إذا وجد ما يشتريه له يكون له ربح ويقرض القاضي مال اليتيم ويكتب الصك لا الوصي والأب أو وجد من يضارب فيه كما سينقله عن جامع الفصولين ( قوله وينبغي أن يشترط إلخ ) قال الرملي إطلاق المتون يدل على خلافه وهذا وإن كان من التصرف في ماله لكنه تصرف لا يملكه الوصي وهو أحسن تصرفا في مال اليتيم وأنظر فإذا قلنا لم يجز منه والوصي ممنوع من الإقراض امتنع النظر لليتيم في ذلك ولا قائل به تأمل ا هـ .

                                                                                        وفيه نظر فإن المقصود حفظ ماله وإنما يقرضه القاضي لكثرة اشتغاله وقدرته على التحصيل كما مر فكأن المسوغ له ضرورة الحفظ وإذا كان له وصي فوضعه عنده أقرب لحفظه من الإقراض فكان فيه نظر لليتيم تأمل لكن هذا إذا اتجر فيه لليتيم يظهر النفع أما مجرد وضعه عنده فالإقراض أنفع منه ; لأنه مضمون على المستقرض أما لو هلك عند الوصي فإنه يهلك أمانة




                                                                                        الخدمات العلمية