الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله ومن ادعى على آخر أنه باعه أمته فقال لم أبعها منك قط فبرهن على الشراء فوجد بها عيبا فبرهن البائع أنه برئ إليه من كل عيب لم تقبل ) للتناقض ; لأن اشتراط البراءة تغيير للعقد من اقتضاء وصف السلامة إلى غيره فيقتضي وجود العقد وقد أنكره بخلاف ما تقدم من مسألة الدين ; لأن الباطل قد يقضى ويبرأ منه دفعا للدعوى الباطلة وما في الكتاب هو ظاهر الرواية عن الكل وحكى الخصاف رواية عن أبي يوسف أنها تقبل لإمكان التوفيق بأن باعها وكيله وأبرأه عن العيب ونظيره ما ذكره أبو يوسف أنه لو ادعى الشراء من شخص وهو منكر فأقام المدعي بينة على الشراء منه فأقام المنكر البينة أنه قد رد المبيع علي تقبل لما ذكرناه من إمكان التوفيق .

                                                                                        هكذا عزا هذا الفرع الشارح إليه وجزم به في الخلاصة على أنه نقل المذهب فقال ادعى على آخر أنه اشترى منه هذه الدار فأنكر الشراء فلما أقام المدعي البينة على الشراء ادعى المدعى عليه أنه ردها عليه يعني أقالها يسمع هذا الدفع ولو لم يدع الإقالة ولكن يدعي إيفاء الثمن أو الإبراء اختلف المتأخرون ومن هذا الجنس صارت واقعة بسمرقند صورتها ادعت امرأة على رجل أنه تزوجها على كذا من المهر وطالبته بالمهر وأنكر الزوج النكاح أصلا فلما أقامت المرأة البينة على النكاح ادعى الزوج أنه خالعها على المهر تسمع ; لأنه يحتمل أنه زوجها منه أبوه وهو صغير وهو لا يعلم ومن هذا الجنس رجل ادعى على آخر ألفا وديعة فأنكر فلما أقام البينة على الإيداع ادعى المدعى عليه الرد أو الهلاك إن قال أولا ليس لك علي شيء يسمع وإن قال ما أودعتني أصلا لا يسمع . ا هـ .

                                                                                        واستشكل مسألة الكتاب في جامع الفصولين بأنه ينبغي أن تقبل البينة فيها وفاقا خلافا لزفر ; لأنه صار مكذبا شرعا ببينة المدعي فلحق إنكاره بالعدم فصار كما في الكفالة من أن رجلا لو برهن أن له على الغائب ألفا وهذا كفيله بأمره يرجع الكفيل على الغائب ولو أنكر الكفالة أصلا ; لأنه صار مكذبا شرعا في إنكاره فلحق بالعدم قال ويمكن الفرق بأن الحكم بأدائه ثمة حكم بالرجوع أيضا فلا حاجة إلى إقامة البينة ثانيا على كفالته لثبوتها أولا وهنا الحكم بالشراء ليس بحكم بالبراءة والإيفاء فلا بد من الدعوى فيبطله التناقض فافترقا ويمكن أن يرد بأن إنكاره لما لحق بالعدم لما مر لا يتحقق التناقض لعدم إنكاره البيع والشراء فينبغي أن تصح الدعوى على أصل من العدة أنكر البيع فبرهن عليه المشتري فادعى البائع إقالة يسمع هذا الدفع ولو لم يدع الإقالة ولكن ادعى إيفاء الثمن أو الإبراء اختلف المتأخرون . ا هـ .

                                                                                        وقد أجبنا عنه في حاشيتنا عليه بما حاصله أن المقر إنما يصير مكذبا شرعا إذا حكم القاضي بما يخالف إقراره وفي مسألتنا لم يقض القاضي بالبيع حتى تناقض الخصم فلم يكن مكذبا شرعا كما لا يخفى وبما قررناه ظهر أن تقييد المؤلف مسألة الكتاب بدعوى الرد بالعيب بعد الإنكار لأصل البيع للاحتراز عن دعوى الإقالة ويحتاج إلى الفرق بينهما كما يحتاج إليه فيما - [ ص: 42 ] في البزازية ادعى عليه شراء عبده فأنكر فبرهن عليه فادعى عليه أنه رده عليه بالعيب تسمع ; لأنه صار مكذبا في إنكار البيع فارتفع التناقض بتكذيب الشرع كما ارتفع بتصديق الخصم ا هـ .

                                                                                        وفي جامع الفصولين ولو قال لا نكاح بيني وبينك فلما برهنت على النكاح برهن هو على الخلع تقبل بينته ولو قال لم يكن بيننا نكاح قط أو قال لم أتزوجها قط والباقي بحاله ينبغي أن يكون هذا ومسألة العيب سواء وثمة في ظاهر الرواية لا تقبل بينة البراءة عن العيب لأن البراءة عن العيب إقرار بالبيع فكذا الخلع يقتضي سابقة النكاح فيتحقق التناقض . ا هـ .

                                                                                        ثم اعلم أن التناقض بين الدعوتين لا بد أن يكون عند القاضي يدل عليه ما في الأجناس والصغرى ادعى محدودا بشراء أو إرث ثم ادعاه ملكا مطلقا لا يسمع إذا كانت الدعوى الأولى عند القاضي فأما إذا لم تكن عند القاضي فهذا والأول سواء قال البزازي وهذا على الرواية التي ذكروا أن التناقض إنما يتحقق إذا كان كلا الدعوتين عند القاضي فأما من اشترط أن يكون الثاني عند القاضي يكفي في تحقيق التناقض كون الثاني عند الحاكم ثم قال في فصل الدفع وفي المحيط ادعى على آخر عند غير الحاكم بالشراء أو الإرث ثم ادعاه عند الحاكم مطلقا إن ادعى الشراء من معروف لا تقبل وإن ادعاه من مجهول ثم المطلق عند الحاكم تقبل دلت المسألة أنه لا يشترط في التناقض كون المتدافعين في مجلس الحكم بل يكتفي بكون الثاني في مجلس الحكم . ا هـ .

                                                                                        وقدمنا أنه المعتمد ثم اعلم أن المتناقضين إذا قال تركت الكلام الأول واستقر على الثاني يقبل منه قال في البزازية في الذخيرة ادعاه مطلقا فدفعه المدعى عليه بأنك كنت ادعيته قبل هذا مقيدا وبرهن عليه فقال المدعي أدعيه الآن بهذا السبب وتركت المطلق يقبل ويبطل الدفع ا هـ .

                                                                                        ثم اعلم أن التناقض المانع إما أن يسمع الحاكم الكلامين أو يسمع الثاني فيدفع المدعى عليه أنه قال أولا كذا يريد دفعه فينكر فيبرهن المدعى عليه على قوله الأول فيثبت التناقض وهذا هو طريق دفع الدعوى وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى في المخمسة من الدعوى وفي الظهيرية ادعى عليه أن أباك أوصى لي بثلث ماله فأنكر المدعى عليه الوصية فبرهن المدعي فقال المدعى عليه إن أبي رجع عن هذه الوصية قيل لا يصح هذا الدفع والصحيح أنه صحيح وكذا لو برهن على جحود أبيه بناء على أن الجحود رجوع ا هـ .

                                                                                        وفيها ادعت امرأة على ورثة زوجها المهر فأنكروا نكاحها فبرهنت فدفعوا بأنها كانت أبرأت أبانا في حياته إن قالوا أبرأته عن المهر لا يصح للتناقض وإن قالوا أبرأته عن دعوى المهر صح ا هـ .

                                                                                        وفي البزازية ادعى عليه ألف درهم ثمن جارية بشرائط وعجز عن إثباتها فقال كانت الألف وديعة عنده لا تقبل ولو ادعى كونها وديعة فعجز فادعى كونها قرضا تقبل . ا هـ .

                                                                                        [ ص: 41 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 41 ] ( قوله من العدة ) لفظ العدة رمز كتاب وما بعده نقل عنه ( قوله وقد أجبنا عنه في حاشيتنا عليه ) قال الرملي وعليك أن تتأمل في هذا الجواب ا هـ .

                                                                                        أي فإن القضاء بالشراء قضاء بالبيع فما معنى قوله لم يقض القاضي بالبيع وأقول : الجواب النافع إن شاء الله ما يستفاد من كتاب نور العين في غير هذا المحل وفي غير هذه المسألة وهو أن الكفيل لما التحق زعمه بالعدم وثبت خلافه وهو كونه كفيلا لم يسع في إعادة زعمه ولم يرد نقض البينة بل رضي بموجبها حتى جعله مبنى لدعواه الرجوع على الأصيل ، وأما البائع في مسألتنا فقد سعى في إعادة ما آل زعمه وهو براءة ذمته بعد التحاقه بالعدم بثبوت خلافه وأراد نقض ما أثبته البينة وهو عدم براءة ذمته فهذا فرق واضح حق وكذا يقال في دعوى الإقالة ; لأنها فسخ للعقد الذي أثبته الخصم بالبينة ففيه تقرير لموجبها ومثله يقال في مسألة البزازية الأخيرة فاحفظه فإنه ينفعك في كثير من أمثال هذه المسائل [ ص: 42 ] ( قوله لا بد أن يكون عند القاضي ) قدمنا الكلام عليه عند قوله ادعى دارا في يد رجل فراجعه ( قوله ثم اعلم أن المتناقض إذا قال تركت الكلام الأول إلخ ) قدم المسألة في شرح قوله ادعى دارا في يد رجل إلخ والأولى ما عبر به في فصل الاستحقاق حيث قال ثم اعلم أن المتناقض الذي لا تسمع دعواه إذا قال تركت أحد الكلامين فإنه يقبل منه ا هـ .

                                                                                        لأن قوله هنا إذا قال تركت الكلام الأول إلخ لا يوافقه كلام البزازية ثم إن كلام البزازية لا يدل على أن هذا قاعدة كلية كما يقتضيه كلام المؤلف بل في هذه الصورة الجزئية وفي الحقيقة رجوعه عن الإطلاق إلى التقييد من قبيل التوفيق يدل عليه قول الخانية حتى لو قال أردت بهذا الملك المطلق الملك بذلك السبب تسمع دعواه وتقبل بينته فليتأمل




                                                                                        الخدمات العلمية