الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وإن شهد رجلان عليه أو عليها بنكاح بقدر مهر مثلها ورجعا لم يضمنا ) لأنهما أتلفا شيئا بعوض يقابله والإتلاف بعوض كلا إتلاف ( قوله وإن زاد عليه ضمناها ) أي الزيادة للزوج لأنهما أتلفاها بلا عوض وسكت المؤلف عما إذا شهد بأصل النكاح بأقل من مهر مثلها للإشارة إلى أنهما لا يضمنان ما نقص لأن منافع البضع غير متقومة عند الإتلاف فلا يضمن المتقوم إذ التضمين يستدعي المماثلة أو للاختلاف ففي المنظومة وشرحها أنهما يضمنان ما نقص عندهما خلافا لأبي يوسف وفي الهداية وشروحها أنهما لا يضمنان وهو المعتمد في المذهب قيد بكونهما شهدا بالنكاح لأنهما لو شهدا عليها بقبض المهر أو بعضه ثم رجعا بعد القضاء ضمنا لها لأنهما أتلفا عليها مالا وهو المهر قليلا كان أو كثيرا دون البضع وأشار بمهر المثل إلى أن الكلام فيما إذا لم يطلقها أو طلقها بعد الدخول للاحتراز عما إذا طلقها قبل الدخول وحكمه ما ذكره في المحيط شهدا أنه تزوجها على ألف وهو مهر مثلها وقال الزوج بغير التسمية فقضي بها ثم طلقها ثم رجعا فعليهما فضل ما بين المتعة إلى خمسمائة فلو شهد آخران على الدخول ثم رجعوا فعلى شاهدي الدخول خمسمائة خاصة وعليهما وشاهدي التسمية فضل ما بين المتعة والخمسمائة نصفان ولو شهد آخران على الطلاق وقضي ثم رجعوا فعلى شاهدي الدخول خمسمائة وعليهما وشاهدي التسمية ما بين المتعة إلى نصف المهر وعلى الفرق الثلاث قدر المتعة أثلاثا ا هـ .

                                                                                        ولو شهدا عليها أنه تزوجها على ألف ومهر مثلها خمسمائة وأنها قبضت الألف وهي تنكر فقضي بشهادتهما ثم رجعا ضمنا لها مهر المثل لا المسمى لأن حق الاستيفاء لم يثبت لها فيه إذ لم يقض بوجوبه لأن القضاء بالنكاح مع قبض المهر قضاء بإزالة ملكها عن المعقود عليه لا قضاء بالمسمى لأنه إذا كان مقبوضا لا يحتاج إلى القضاء به فلم تقع الشهادة بالقبض إتلافا للمسمى لعدم وجوبه أصلا بل وقعت إتلافا للبضع فيضمنان قيمته هكذا ذكره [ ص: 134 ] في التحرير وهو وارد على ما ذكرنا من قبل من المذهب من حيث إنه أوجب على الشهود قيمة البضع مع عدم وجوبه بالقضاء ومقتضى المذهب أن لا يجب شيء على ما بينا وهو أن منافع البضع غير متقومة عند الإتلاف وإنما يتقوم على الزوج عند تملكه إياه هكذا ذكر الشارح رحمه الله وقلت : التضمين هنا ليس باعتبار إتلاف منافع بضعها بل باعتبار إتلاف المهر لأنهما كما شهدا بأصله شهدا بقبضها له وقد ذكر هو أنهما لو شهدا عليها بقبضه ثم رجعا ضمنا وإنما ضمنا بقدر مهر المثل باعتبار أنها لم تدع المسمى لإنكار الكل فترجع بمهر المثل ولهذا لو لم يشهدا بالقبض وإنما شهدا بالنكاح بألف وقضي به ثم شهدا بقبضها ثم رجعا عن الشهادتين فإنهما يضمنان الألف لأنهما أتلفا عليها ذلك .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله وسكت المؤلف عما إذا شهدا بأصل النكاح بأقل من مهر مثلها إلخ ) اعلم أن الصور ست لأنه إما أن يشهدا بمهر المثل أو بأقل أو بأكثر وعلى كل فإما أن يشهدا عليه بأن كانت هي المدعية أو عليها بأن كان هو المدعي فصرح المصنف منها بثلاثة وهي ما إذا شهدا بمهر المثل عليه أو عليها وما إذا شهدا عليه بالأكثر وصرح بالضمان في الثالثة ويفهم منه أنه لو شهدا عليها بالأكثر لا ضمان وصرح بعدم الضمان في الأوليين ويفهم منه عدمه أيضا لو شهدا عليه أو عليها بالأقل بطريق أولى فالحاصل أنه لا ضمان إلا في صورة واحدة وهي ما لو شهدا عليه بالأكثر فيضمنان الزائد على مهر المثل وفي الخمسة الباقية لا ضمان أصلا وهذا موافق لما في التتارخانية حيث قال : وفي الزائد وإن شهد شاهدان على امرأة بالنكاح بمقدار مهر مثلها ثم رجعا فلا ضمان عليهما وكذا لو شهدا بأقل من مهر مثلها وإن شهدا بأكثر من مهر مثلها ثم رجعا ضمنا الزيادة وفي المحيط وإن ادعى رجل على امرأة النكاح وأقام على ذلك بينة والمرأة جاحدة فقضى القاضي عليها بالنكاح ثم رجعا عن شهادتهما لا يضمنان للمرأة شيئا سواء كان المسمى مهر المثل أو أكثر أو أقل . ا هـ .

                                                                                        ثم قال : وإذا ادعى رجل على امرأته أنه تزوجها بمائة درهم وقالت المرأة : لا بل تزوجني بألف درهم ومهر مثلها ألف درهم فشهد شاهدان أنه تزوجها على مائة درهم فقضي ثم رجعا حال قيام النكاح ذكر أنهما يضمنان للمرأة تسعمائة عندهما ولا يضمنان شيئا عند أبي يوسف هذا إذا رجعا قبل الطلاق فإن رجعا بعده فهذا على وجهين أما إن رجعا قبل الدخول أو بعده فإن كان بعد الدخول بها فالجواب فيه كالجواب حال قيام النكاح فأما إذا كان الطلاق قبل الدخول بها فإنهما لا يضمنان للمرأة شيئا عندهم جميعا ا هـ .

                                                                                        فأفاد أن الكلام الأول فيما إذا كان أصل النكاح مجحودا وفي كلام المصنف إشارة إلى ذلك أما إذا كانا مقرين به واختلفا في المهر ثم رجع الشاهدان ففيه هذا التفصيل والحكم فيه ما علمت فتنبه لذلك ( قوله قيد بكونهما شهدا بالنكاح لأنهما لو شهدا بقبض المهر إلخ ) لم يصرح بكون المضمون مهر المثل أو المسمى ولا أن الشهادة وقعت بعد الشهادة بالنكاح أو معها وفي التتارخانية شهدا على امرأة أن فلانا تزوجها على ألف درهم وقبضت ذلك وهي تنكر ومهر مثلها خمسمائة فقضى القاضي بذلك ثم رجعا عن شهادتهما ضمنا مهر المثل دون المسمى ولو وقعت الشهادة بالعقد بالألف أولا فقضى القاضي به ثم شهدا بقبض الألف وقضى القاضي به ثم رجعا عن الشهادتين ضمن للمرأة المسمى .

                                                                                        [ ص: 134 ] ( قوله ومقتضى المذهب أن لا يجب شيء إلخ ) تأمل هذا الكلام .




                                                                                        الخدمات العلمية