الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : ولو أقر عبد بسرقة قطع وترد السرقة إلى المسروق منه ) ; لأن إقرار العبد على نفسه بالحدود ، والقصاص صحيح من حيث إنه آدمي ثم يتعدى إلى المالية فيصح من حيث إنه مال ولأنه لا تهمة في هذا الإقرار لما يشتمل عليه من الأضرار ومثله مقبول على الغير فيقطع العبد ، وإذا صح الإقرار بالقطع صح بالمال بناء عليه ; لأن الإقرار يلاقي حالة البقاء ، والمال في حالة البقاء تابع فقط حتى تسقط عصمة المال باعتباره ويستوفى القطع بعد استهلاكه أطلق العبد فشمل المأذون ، والمحجور عليه وخالف محمد في المحجور فقال لا يقطع وخالفه أبو يوسف واتفقا على أن المال للمولى وأطلق في القطع فشمل ما إذا صدقه المولى وكذبه ، والخلاف فيه فقط وأطلق في السرقة فشمل القائمة ، والمستهلكة وأشار بالرد المقيد لبقائها إلى أنها لو كانت مستهلكة فلا ضمان ويقطع اتفاقا وأشار بالقطع إلى أن العبد كبير إذ لا قطع إلا على مكلف ، فإذا أقر عبد صغير بسرقة فلا قطع غير أنه إذا كان مأذونا برد المال إلى المسروق منه إن كان قائما ، وإن كان هالكا يضمن ، وإن كان محجورا ، فإن صدقه المولى يرد المال إلى المسروق منه إن كان قائما ولا ضمان عليه إن كان هالكا ولا بعد العتق كذا في فتح القدير وقيد بالإقرار ليفيد أن السرقة لو ثبتت عليه بالبينة ، فإنه يقطع بالأولى ويرد المال إلى المسروق منه كما في الذخيرة لكن يشترط حضرة المولى عند إقامة البينة عند أبي حنيفة ومحمد .

                                                                                        وقال أبو يوسف ليست بشرط ، وأما حضرته عند الإقرار بالحدود فليست بشرط اتفاقا كذا في شرح الطحاوي ( قوله لا يجتمع قطع وضمان وترد العين لو قائمة ) لقوله عليه السلام { لا غرم على السارق بعدما قطعت يمينه } ولأن وجوب الضمان ينافي القطع ; لأنه يتملكه بأداء الضمان مسندا إلى وقت الأخذ فتبين أنه ورد على ملكه فينتفي القطع وما يؤدي إلى انتفائه فهو المنتفي ، أو لأن المحل لا يبقى معصوما حقا للعبد إذ لو بقي كان مباحا في نفسه فينتفي القطع للشبهة فيصير محرما حقا للشرع كالميتة ولا ضمان فيه أطلقه فشمل ما إذا هلكت العين أو استهلكها وهو ظاهر الرواية وسواء كان الاستهلاك قبل القطع أو بعده كما في المجتبى وفرق في رواية الحسن بين الهلاك ، والاستهلاك ; لأن العصمة لا يظهر سقوطها في حق الاستهلاك ; لأنه فعل آخر غير السرقة ولا ضرورة في حقه وكذا الشبهة تعتبر فيما هو السبب دون [ ص: 71 ] غيره ووجه المشهور أن الاستهلاك إتمام المقصود فتعتبر الشبهة فيه وكذا يظهر سقوط العصمة في حق الضمان ; لأنه من ضرورة سقوطها في حق الهلاك لانتفاء المماثلة .

                                                                                        وفي التبيين عن محمد أن السارق يفتى بأداء القيمة ، وإن لم يقض به كقطع الطريق ، والباغي يفتيان بأداء الضمان ، والأموال ، والدية في النفوس وفي الكافي هذا إذا كان بعد القطع ، وإن كان قبله ، فإن قال المالك : أنا أضمنه لم يقطع عندنا ، وإن قال أنا أختار القطع يقطع ولا يضمن . ا هـ .

                                                                                        لأنه في الأولى تضمن رجوعه عن دعوى السرقة إلى دعوى المال وأطلق في قيام العين فشمل ما إذا كان السارق لم يتصرف فيها أو باعها أو وهبها ، فإنها تؤخذ من المشتري ، والموهوب له بلا خلاف لبقائها على ملك مالكها وفي الإيضاح قال أبو حنيفة لا يحل للسارق الانتفاع به بوجه من الوجوه ; لأنه على ملك المسروق منه وكذا لو خاطه قميصا لا يحل له الانتفاع به وفي المجتبى لو قطع السارق ثم استهلك السرقة غيره لم يضمن لأحد ، وكذا لو هلك في يد المشتري منه أو الموهوب له ولو استهلكه فللمالك تضمينه ا هـ .

                                                                                        ( قوله : ولو قطع لبعض السرقات لا يضمن شيئا ) يعني عند الإمام وقالا يضمن كلها إلا التي قطع فيها ; لأن الحاضر ليس بنائب عن الغائب ولا بد من الخصومة لتظهر السرقة فلما لم تظهر السرقة من الغائبين فلم يقع القطع لهم فبقيت أموالهم معصومة وله أن الواجب بالكل قطع واحد حقا لله تعالى ; لأن مبنى الحدود على التداخل ، والخصومة شرط للظهور عند القاضي أما الوجوب بالجناية ، وإذا استوفى فالمستوفى كل الواجب ألا ترى أنه يرجع نفعه إلى الكل فيقع عن الكل وعلى هذا الخلاف إذا كانت العين كلها لواحد وسرقها منه مرارا فخاصم في البعض ولذا أطلق المصنف فشمل ما إذا كان الكل لواحد كما شمل ما إذا كان لمتعدد وحضر الكل وقطع بالبعض أو حضر البعض فقط

                                                                                        [ ص: 71 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 71 ] ( قوله : وكذا لو هلك في يد المشترى منه إلخ ) قال في التتارخانية ولو أودعه عند غيره فهلك في يد الأصل فيه أن كل موضع لو ضمنه صاحب المال كان له أن يرجع على السارق فليس له أن يضمنه وفي كل موضع لو ضمنه لا يرجع على السارق فله أن يضمنه والذي يرجع عليه المودع والمستأجر والمرتهن ( قوله : ولو استهلكه فللمالك تضمينه ) أي لو استهلكه المشتري أو الموهوب له وفيه أن مقتضى ما قبله عدم التضمين ثم رأيت في النهر قال بعد نقله عبارة المجتبى فيحتاج إلى الفرق بين الأجنبي والمشتري وفي السراج لو استهلكها غيره بعد لقطه كان للمسروق منه أن يضمن المستهلك قيمته . ا هـ .

                                                                                        وهذا بالقواعد أليق وعليه فلا يحتاج إلى الفرق ا هـ .

                                                                                        ولكن عبارة السراج ليست صريحة في التسوية بل ظاهرها ذلك وفي التتارخانية عن المنتقى قطع السارق والعين قائمة في يده ، وقد غيبه ثم استهلكه رجل آخر فلا ضمان على المستهلك وفيها عن المحيط ، وإن كان المشتري أو الموهوب له فللمالك أن يضمنه ثم يرجع المشتري على السارق بالثمن لا بالقيمة وفيها عن شرح الطحاوي ولو قطع ثم استهلكه غيره كان للمسروق منه أن يضمنه قيمته ( قوله : وعلى هذا إذا كان العين كلها لواحد ) كذا في بعض النسخ وفي بعضها النصب بدل العين وهي الصواب لعدم جريان القول بضمان العين مرارا على قولهما إلا أن يحمل على العين المتعددة .




                                                                                        الخدمات العلمية