الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( فصل ) لما فرغ من بيان كيفية ما يوجب الملك للغاصب بالضمان شرع في ذكر مسائل تتصل بمسائل الغصب قال رحمه الله ( غيب المغصوب وضمن قيمته ملكه ) وقال الإمام الشافعي رحمه الله لا يملكه ; لأن الغصب محظور فلا يكون سببا للملك كما في المدبر وهذا ; لأن الملك مرغوب فيه فلا ينال بالمحرم ; لأنه منهي عنه ؟ لقوله تعالى { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } والغصب ليس فيه تراض ولنا أن المالك ملك بدل المغصوب رقبة ويدا فوجب أن يزول ملكه عن المبدل إن كان يقبله دفعا للضرر عن الغاصب وتحقيقا للعدل حتى لا يجتمع البدل والمبدل في ملك رجل واحد ولأن الفائت بفعل الغاصب هو اليد دون الملك إذ ملكه قائم في العين فلا يكون بدلا عن العين ولهذا قلنا لو كسر قلب غيره وقضى القاضي عليه بالقيمة وأخذ القلب ثم افترقا قبل القبض لا يبطل القضاء ولو كان بدلا عن العين لبطل كونه صرفا ولا تقول لو كان بدلا عما فات من اليد مع بقاء العين في ملكه لكان إجحافا بالغاصب بإزالة ملكه وإثبات الملك فيه للمغصوب منه بمقابلة عين في ملكه مع إمكان تحقيق العدل بينهما وهذا خلف ; لأن هذا من ضرورة القضاء بقيمة العين وزوال ملكه عنها والجواب عن الآية أن الرضا قد وجد منه لما طلب القيمة ولا يقال لو غصب مدبرا وغيبه لا يملكه ; لأنا نقول المدبر لا يقبل النقل من ملك إلى آخر .

                                                                                        ولم يتعرض المؤلف لما إذا غاب المغصوب بغير صنع من الغاصب بأن كان عبدا فأبق عنده ، فإنه إذا ضمن قيمته ملكه كما ذكر فلو قال غاب مكان غيب لكان أولى ; لأنه إذا ملكه فيما إذا غاب بغير صنعه علم الحكم فيما إذا كان بصنعه بطريق الأولى ولم يتعرض لما إذا غاب المغصوب منه وترك العين روى ابن سماعة عن محمد للقاضي أن يأخذ المال من الغاصب والسارق إذا كان المالك غائبا ويحفظ عليه ، فإن ضاع ثم خاصم صاحب المال فله أن يضمن الغاصب ولا يبرأ بأخذ القاضي . ا هـ .

                                                                                        وفي الخانية غاب المغصوب منه فطلب الغاصب من القاضي أن يأذن له بالإنفاق ليرجع بذلك على المالك لا يجيبه القاضي إلى ذلك والنفقة تكون على الغاصب ولو قضى القاضي بالإنفاق على المغصوب منه لا يجب عليه [ ص: 136 ] منه شيء ، وإن رأى القاضي أن يبيع العبد أو الدابة ويمسك الثمن فلو فعل ذلك صح . ا هـ .

                                                                                        غصب جارية قيمتها ألف فغصبها منه آخر فأبقت الجارية يضمن الغاصب الثاني للغاصب الأول ; لأن للأول أخذها لو كانت قائمة ليتمكن من ردها إلى المالك فيبرأ عن الضمان ، فإن أخذ القيمة فلا سبيل للمالك على الغاصب الثاني ; لأنه خرج عن عهدة الضمان برد القيمة ; لأن رد القيمة حال عجزه عن رد العين كرد العين ، فإن كانت القيمة قائمة عنده فللمالك أخذها ; لأنها نزلت منزلة العين .

                                                                                        فإن كانت هالكة يلزمه الضمان لولي الجارية ; لأنه بمنزلة ما لو استرد الجارية وهلكت عنده ; لأنه لا يخرج عن عهدة الضمان ما لم يردها إلى المالك ، وإن كانت قيمتها ألفا عند الأول فقبضها الثاني وقيمتها ألفان فأبقت من يد الثاني وأخذ الأول من الثاني ألفي درهم وهلكت من يد الأول لم يكن للمالك أن يضمن الأول ألفي درهم ، وإنما يضمنه قيمتها يوم الغصب ألف درهم ; لأن الألف الثانية أمانة في يده ; لأنها حدثت بعد الغصب الأول والزيادة الحادثة في يد الغاصب أمانة كالزيادة في عين المغصوب ، فإن ظهرت الجارية والقيمة في الأول فالمولى بالخيار إن شاء أخذ الجارية ، وإن شاء أخذ القيمة ، وإن شاء ضمن الأول قيمتها يوم غصبها منه أراد بالتضمين أن يأخذ القيمة من الأول برضاه فيكون بمنزلة المبيع منه ; لأن الجارية لما عادت من الإباق فقد قدر الأول على رد المغصوب والغاصب ما دام قادرا على رد المغصوب ليس للمالك أن يضمنه قيمته إلا برضاه والغاصب الأول لما ضمن الثاني القيمة فقد ملك الجارية منه حكما فصار كما لو غصب الجارية من الثاني بغير أمر المولى فيتوقف البيع على إجازته إن شاء رده وأخذ الجارية ، وإن شاء أجازه وأخذ بدلها ، فإذا أخذ المولى الجارية رجع الثاني على الأول بالقيمة ; لأنه بدل لم يسلم له كذا في المحيط

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية