الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وسنتها في السفر الفاتحة وأي سورة شاء ) لحديث أبي داود وغيره { أنه صلى الله عليه وسلم قرأ بالمعوذتين في صلاة الفجر في السفر } ولأن السفر أثر في إسقاط شطر الصلاة فلأن يؤثر في تخفيف القراءة أولى أطلقه فشمل حالة الضرورة والاختيار وحالة العجلة والقرار ، وهكذا وقع الإطلاق في الجامع الصغير وما في الهداية وغيرها من أنه محمول على حالة العجلة في السير ، وأما إن كان في أمن وقرار فإنه يقرأ في الفجر نحو سورة البروج وانشقت ; لأنه يمكن مراعاة السنة مع التخفيف ، وفي منية المصلي والظهر كالفجر ، وفي العصر والعشاء دون ذلك ، وفي المغرب بالقصار جدا ، فليس له أصل يعتمد عليه من جهة الرواية ولا من جهة الدراية ، أما الأول فما علمته من إطلاق الجامع وعليه أصحاب المتون ، وأما الثاني فلأن المسافر إذا كان على أمن [ ص: 360 ] وقرار صار كالمقيم سواء ، فكان ينبغي أن يراعي السنة والسفر ، وإن كان مؤثرا في التخفيف لكن التحديد بقدر سورة البروج في الفجر والظهر لا بد له من دليل ولم ينقلوه وكونه صلى الله عليه وسلم قرأ في السفر شيئا لا يدل على سنيته إلا لو واظب عليه ولم يوجد فالظاهر الإطلاق وشمل سورة الكوثر فما في الحاوي من تعيينه بمقدار المعوذتين فصاعدا مشيرا بذلك إلى إخراج سورة الكوثر فضعيف ; لأن تعليل التعميم والتفويض إلى مشيئته بدفع الحرج عنه الحاصل من التقييد بسورة دون سورة يدل على الشمول .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قول المصنف الفاتحة وأي سورة شاء ) قال في النهر لو قال بعد الفاتحة أي سورة شاء لكان أولى إذ كلامه بظاهره يفيد أن قراءة الفاتحة سنة وليس بالواقع ا هـ .

                                                                                        والجواب : أن المراد أن قراءة ما ذكره هي السنة ولا ينافي ذلك أن يكون بعض المقروء واجبا إذ الشيء مع غيره غيره في نفسه ، ألا ترى إلى عدهم التثليث في الغسل والوضوء من السنن مع أن أصل الغسل فرض ( قوله فليس له أصل يعتمد عليه إلخ ) قال في النهر أقول : القراءة في المفصل سنة والمقدار الخاص منه أخرى ، وقد أمكن مراعاة الأولى فأي مانع من الإتيان بها ، وهكذا ينبغي أن يفهم قول الهداية لإمكان مراعاة السنة مع التخفيف ويدل على ذلك قول شراحها كالنهاية وغيرها ، فإن قلت : إذا كان في أمنة وقرار كان هو والمقيم سواء في أنه لا مشقة عليه في مراعاة سنية القراءة بالتطويل والمقيم يقرأ في الفجر بأربعين إلى ستين ؟ قلت : قيام السفر أوجب التخفيف والحكم يدور مع العلة لا مع الحكم ، ألا ترى أنه يجوز له الفطر وإن كان في أمنة وقرار ؟ وبهذا علم أن ذكر نحو سورة البروج والانشقاق ليس لعدد آياتهما بل لأنهما من طوال المفصل فاندفع به قول أن التحديد بسورة البروج لا دليل عليه ودعوى أن السنة لا تثبت إلا بالمواظبة إن أريد مطلقها منعناه أو المؤكدة فبعد تسليمه ليس مما الكلام فيه وإقرار شراح الهداية على ما فيها وجزم الشارح به وغيره دليل على تقييد ذلك الإطلاق ا هـ .

                                                                                        أقول : قوله القراءة من المفصل سنة إن أراد مطلق المفصل فممنوع لأن الكلام في الفجر والسنة فيه طوال المفصل ، وإن أراد الطوال منه ، وهو الظاهر ويدل عليه قوله آخرا بل لأنهما من طوال المفصل يرد عليه أن البروج من الأوساط كما سيأتي عن الكافي فالظاهر ما في شرح المنية للحلبي من حمله التخفيف على أن الوسط في الحضر يجعل طويلا في السفر ولكن تعبيره بالوسط والطويل محتمل لمعنيين : الأول أن المراد الوسط من المفصل يجعل كالطوال منه كما حمله عليه في الشرنبلالية وتكلف إلى الجواب عن الانشقاق [ ص: 360 ] المذكورة في الهداية فإنها من الطوال فحمله على ما قيل إنها من الأوساط . الثاني : أن المراد من الأوسط من حيث المقدار يجعل طويلا للتخفيف ، وهو الأظهر وعلى هذا فمعنى قول الهداية لإمكان مراعاة السنة مع التخفيف أن نحو البروج وانشقت فيه مراعاة السنة في المقدار في الجملة لأنهما أكثر من أربعين آية مع التخفيف عن طلب ستين آية فأكثر




                                                                                        الخدمات العلمية