الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وفي الحضر طوال المفصل لو فجرا أو ظهرا وأوساطه لو عصرا أو عشاء وقصاره لو مغربا ) والأصل فيه كتاب عمر إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن اقرأ في الفجر والظهر بطوال المفصل ، وفي العصر والعشاء بأوساط المفصل ، وفي المغرب قصار المفصل ولأن مبنى المغرب على العجلة والتخفيف أليق بها والعصر والعشاء يستحب فيهما التأخير ، وقد يقعان في التطويل في وقت غير مستحب فيؤقت فيهما بالأوساط ، والطوال والقصار بكسر الأول فيهما جمع طويلة وقصيرة ككرام وكريمة ، وأما الطوال بالضم فهو الرجل الطويل والأوساط جمع وسط بفتح السين ما بين القصار والطوال ولم يبين المصنف المفصل للاختلاف فيه ، والذي عليه أصحابنا أنه من الحجرات إلى والسماء ذات البروج طوال ، ومنها إلى لم يكن أوساط ، ومنها آخر القرآن قصار وبه صرح في النقاية وسمي مفصلا لكثرة الفصول فيه ، وقيل لقلة النسوخ فيه وأطلق فشمل الإمام والمنفرد كما صرح به في المجتبى من أنه يسن في حق المنفرد ما يسن في حق الإمام من القراءة ، وأفاد أن القراءة في الصلاة من غير المفصل خلاف السنة ، ولهذا قال في المحيط ، وفي الفتاوى قراءة القرآن على التأليف في الصلاة لا بأس بها ; لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقرءون القرآن على التأليف في الصلاة ، ومشايخنا استحسنوا قراءة المفصل ليستمع القوم ويتعلموا ا هـ .

                                                                                        ولم يذكر المصنف عدد الآيات التي تقرأ في كل صلاة [ ص: 361 ] لاختلاف الآثار والمشايخ والمنقول في الجامع الصغير أنه يقرأ في الفجر في الركعتين سوى الفاتحة أربعين أو خمسين أو ستين آية واقتصر في الأصل على الأربعين وروى الحسن في المجرد ما بين ستين إلى مائة ووردت الأخبار بذلك عنه صلى الله عليه وسلم ثم قالوا يعمل بالروايات كلها بقدر الإمكان ، واختلفوا في كيفية العمل به ، فقيل : ما في المجرد من المائة محمل الراغبين وما في الأصل محمل الكسالى أو الضعفاء وما في الجامع الصغير من الستين محمل الأوساط ، وقيل : ينظر إلى طول الليالي وقصرها وإلى كثرة الأشغال ، وقلتها قال في فتح القدير الأولى أن يجعل هذا محمل اختلاف فعله عليه الصلاة والسلام بخلاف القول الأول فإنه لا يجوز فعله عليه ; لأنهم لم يكونوا كسالى ، فيجعل قاعدة لفعل الأئمة في زماننا ويعلم منه أنه لا ينقص في الحضر عن الأربعين وإن كانوا كسالى ; لأن الكسالى محملها ا هـ .

                                                                                        فالحاصل أنه لا ينقص عن الأربعين في الركعتين في الفجر على كل حال على جميع الأقوال ، وقال فخر الإسلام قال مشايخنا إذا كانت الآيات قصارا فمن الستين إلى مائة وإذا كانت أوساطا فخمسين وإذا كانت طوالا فأربعين وجعل المصنف الظهر كالفجر ، والأكثرون على أنه يقرأ في الظهر بالطوال وذكر في منية المصلي معزيا إلى القدوري أن الظهر كالعصر يقرأ فيه بالأوساط

                                                                                        وأما في عدد الآيات ففي الجامع الصغير أن الظهر كالفجر في العدد لاستوائهما في سعة الوقت ، وقال في الأصل أو دونه ; لأنه وقت الاشتغال فينقص عنه تحرزا عن الملال وعينه في الحاوي بأنه دون أربعين إلى ستين ، وأما عدد الآي في العصر والعشاء فعشرون آية في الركعتين الأوليين منهما كما في المحيط وغيره أو خمسة عشر آية فيهما كما في الخلاصة وذكر قاضي خان في شرح الجامع الصغير أنه ظاهر الرواية ، وأما قدر ما في المغرب ففي التحفة والبدائع سورة قصيرة خمس آيات أو ست آيات سوى الفاتحة وعزاه صاحب البدائع إلى الأصل وذكر في الحاوي أن حد التطويل في المغرب في كل ركعة خمس آيات أو سورة قصيرة وحد الوسط والاختصار سورة من قصار المفصل واختار في البدائع أنه ليس في القراءة تقدير معين بل يختلف باختلاف الوقت وحال الإمام والقوم والجملة فيه أنه ينبغي للإمام أن يقرأ مقدار ما يخف على القوم ولا يثقل عليهم بعد أن يكون على التمام وهكذا في الخلاصة .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله والذي عليه أصحابنا أنه من الحجرات إلخ ) قال في الفتح اختلف في أول المفصل فقيل سورة القتال ، وقال الحلواني وغيره من أصحابنا الحجرات فهو السبع الأخير وقيل من " ق " وحكى القاضي عياض أنه الجاثية ، وهو غريب فالطوال من أوله على الخلاف إلى البروج والأوساط منها إلى لم يكن والقصار الباقي ، وقيل الطوال من أوله إلى عبس والأوساط منها إلى والضحى والباقي القصار ا هـ .

                                                                                        وقيل غيرها قال الرملي ونظم ابن أبي شريف الأقوال في المفصل في بيتين فقال

                                                                                        مفصل قرآن بأوله أتى خلاف فصافات وقاف وسبح وجاثية ملك وصف قتالها
                                                                                        وفتح ضحى حجراتها ذا المصحح

                                                                                        زاد السيوطي في الإتقان قولين فأوصلها إلى اثني عشر قولا : الرحمن قال حكاه ابن السيد في أماليه على الموطإ والإنسان ا هـ .

                                                                                        ( تنبيه ) الغاية ليست مما قبلها فالبروج من الأوساط لا الطوال لما قال في الكافي ، وفي العصر والعشاء يقرأ في الركعتين بأوساط المفصل لأنه عليه الصلاة والسلام { قرأ في العصر في الأولى البروج ، وفي الثانية سورة الطارق } ا هـ .

                                                                                        كذا في الشرنبلالية أقول : وهو مخالف لما في النهر حيث قال ولا يخفى دخول الغاية في المغيا هنا ا هـ .

                                                                                        ونقل مثله الشيخ إسماعيل عن البرجندي ، ثم قال والذي يظهر خروجها فيما عدا الآخر لما صرح به الزيلعي من أن آخر المفصل قل أعوذ برب الناس بلا خلاف ويمكن إرجاع كلام النهر والبرجندي إليه ، وإن احتملت الإشارة بهنا إلى جميع حدود المفصل ولا محذور في التوزيع بهذا الطريق إذا أوصل إلى التوفيق فليتأمل . ا هـ .

                                                                                        وقد حمل الرملي كلام النهر على ذلك أيضا . أقول : لكن كلام النهر فيما مر صريح في أنها من الطوال ، وهو ظاهر كلام الهداية أيضا على ما قرره في عبارتها حيث رد على أخيه ( قوله ولم يذكر المصنف عدد الآيات التي تقرأ في كل صلاة إلخ ) لم يبين أن العدد المذكور هل هو سنة أو مستحب وتقدم عن النهر أن القراءة من المفصل سنة ومقدار الخاص سنة أخرى لكن في السراج عن المحيط ما يدل على أن المقدار المذكور مستحب فإنه ذكر أن القراءة في الصلاة على خمسة أوجه : فرض وواجب وسنة ومستحب ومكروه . والفرض آية ، الواجب الفاتحة وسورة ، والمسنون طوال المفصل في الفجر و الظهر وأوساطه في العصر والعشاء وقصاره في المغرب ، والمستحب أن يقرأ في الفجر إذا كان مقيما في الركعة الأولى قدر ثلاثين آية أو أربعين سوى الفاتحة ، وفي الثانية قدر عشرين إلى ثلاثين سوى الفاتحة ، والمكروه أن يقرأ الفاتحة وحدها أو الفاتحة ومعها آية أو آيتان .

                                                                                        [ ص: 361 ] ( قوله وقيل ينظر إلخ ) أي فيقرأ في الشتاء مائة ، وفي الصيف أربعين ، وفي الخريف والربيع خمسين إلى ستين كذا في الفتح ( قوله بخلاف القول الأول إلخ ) قال في النهر أقول : يجوز أن يراد بالكسالى الضعفاء ولا ينكر أنه عليه الصلاة والسلام كان في أصحابه في بعض الأحيان الضعفاء فجاز أنه كان يراعي حالهم إذا صلوا معه ( قوله واختار في البدائع إلخ ) قال الرملي وعمل الناس اليوم على ما اختاره في البدائع .




                                                                                        الخدمات العلمية