الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وتطال أولى الفجر فقط ) بيان للسنة وهذا أعني إطالة الركعة الأولى من الفجر متفق عليه للتوارث على ذلك من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا كما في النهاية ولأنه وقت نوم وغفلة فيعين الإمام الجماعة بتطويلها رجاء أن يدركوها ; لأنه لا تفريط منهم بالنوم ولم يبين المختصر حد التطويل وبينه في الكافي بأن يكون التفاوت بقدر الثلث والثلثين ، الثلثان في الأولى والثلث في الثانية قال وهذا بيان الاستحباب أما بيان الحكم فالتفاوت ، وإن كان فاحشا لا بأس به لورود الأثر . ا هـ .

                                                                                        واختار في الخلاصة قدر النصف فإنه قال : وحد الإطالة في الفجر أن يقرأ في الركعة الثانية من عشرين إلى ثلاثين ، وفي الأولى من ثلاثين إلى ستين آية ، وفي قوله دلالة على أنه لا يسن التطويل في غير الفجر ، وهو قولهما خلافا لمحمد لحديث البخاري عن أبي قتادة أنه عليه الصلاة والسلام { كان يطول الركعة الأولى من الظهر ويقصر الثانية وهكذا في العصر وهكذا في الصبح } واستدل للمذهب بحديث أبي سعيد الخدري أنه عليه الصلاة والسلام { كان يقرأ في صلاة الظهر في الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية ، وفي العصر في الأوليين في كل ركعة خمس عشر آية } فإنه نص ظاهر في [ ص: 362 ] المساواة في القراءة بخلاف حديث أبي قتادة فإنه يحتمل أن يكون التطويل فيه ناشئا من جملة الثناء والتعوذ والتسمية وقراءة ما دون الثلاث فيحمل عليه جمعا بين المتعارضين بقدر الإمكان وبحث فيه المحقق في فتح القدير بأن الحمل لا يتأتى في قوله وهكذا الصبح ، وإن حمل على التشبيه في أصل الإطالة لا في قدرها فهو غير المتبادر ولذا قال في الخلاصة في قول محمد إنه أحب ا هـ .

                                                                                        وتعقبه تلميذه الحلبي بأنه لا يتوقف قولهما باستنان تطويل الأولى على الثانية في الفجر من حيث القدر على الاحتجاج بهذا الحديث فإن لهما أن يثبتاه بدليل آخر فالأحب قولهما لا قوله وحيث ظهر قوة دليلهما كان الفتوى على قولهما فما في معراج الدراية من أن الفتوى على قول محمد ضعيف

                                                                                        وفي المحيط معزيا إلى الفتاوى الإمام إذا طول القراءة في الركعة الأولى لكي يدركها الناس لا بأس إذا كان تطويلا لا يثقل على القوم ا هـ .

                                                                                        فأفاد أن التطويل في سائر الصلوات إن كان لقصد الخير فليس بمكروه وإلا ففيه بأس ، وهو بمعنى كراهة التنزيه وظاهر إطلاقهم أن الجمعة والعيدين على الخلاف ، وهو كذلك في جامع المحبوبي ، وفي نظم الزندوستي تستوي الركعتان في القراءة في الجمعة والعيدين بالاتفاق وقيد بالأولى ; لأن إطالة الثانية على الأولى تكره إجماعا ، وإنما يكره التفاوت بثلاث آيات ، فإن كان آية أو آيتين لا يكره ; لأنه صلى الله عليه وسلم { قرأ في المغرب بالمعوذتين } وإحداهما أطول من الأخرى بآية كذا في الكافي ويشكل على هذا الحكم ما ثبت في الصحيحين من { قراءته صلى الله عليه وسلم في الجمعة والعيدين في الأولى بسبح اسم ربك الأعلى ، وفي الثانية بهل أتاك حديث الغاشية } مع أن الثانية أطول من الأولى بأكثر من ثلاث آيات فإن الأولى تسع عشرة آية والثانية ست وعشرون آية ، وقد يجاب : بأن هذه الكراهة في غير ما وردت به السنة

                                                                                        وأما ما ورد عنه عليه الصلاة والسلام في شيء من الصلوات فلا أو الكراهة تنزيهية وفعله عليه الصلاة والسلام تعليما للجواز لا يوصف بها والأول أولى ; لأنهم صرحوا باستنان قراءة هاتين السورتين في الجمعة والعيدين وقيد بالفرض ; لأنه يسوى في السنن والنوافل بين ركعاتها في القراءة إلا فيما وردت به السنة أو الأثر كذا في منية المصلي وصرح في المحيط بكراهة تطويل ركعة من التطوع ونقص أخرى وأطلق في جامع المحبوبي عدم كراهة إطالة الأولى على الثانية في السنن والنوافل ; لأن أمرها سهل اختاره أبو اليسر ومشى عليه في خزانة الفتاوى كما ذكره في شرح منية المصلي فكان الظاهر عدم الكراهة .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله بيان للسنة ) وأما ما ذكره البهنسي في شرح الملتقى من أن ذلك واجب فغريب ولذا قال تلميذه الباقاني في شرحه ، وفي الكافي وغيره من كتب المذهب أن إطالة الركعة الأولى على الثانية مسنونة ولم أر في الكتب المشهورة في المذهب من قال بالوجوب فليراجع ا هـ .

                                                                                        أقول : بل نقل الحلبي في شرح المنية الإجماع على سنيتها . ( قوله واختار في الخلاصة قدر النصف ) اعترضه بعض الفضلاء بما حاصله : أن كلام الخلاصة لا يفيد ذلك وأنه لا فرق بينه وبين كلام الكافي إذ لو قرأ في الأولى ستين ، وفي الثانية ثلاثين كان التفاوت بقدر الثلث والثلثين ، ولو فرضنا أنه صرح في الخلاصة بقدر النصف لم يناف ذلك أيضا لأن ما في الثانية نصف ما في الأولى فليس قولا آخر مغايرا لما في الكافي كما يشعر به مقابلته له ، تدبر [ ص: 362 ] ( قوله ولذا قال في الخلاصة إلخ ) قال الشيخ إبراهيم في شرح المنية عبارة الخلاصة هكذا : وقال محمد يطيل الركعة الأولى على الثانية في الصلوات كلها وهذا أحب كما في الفجر ا هـ .

                                                                                        وهذا لا يفيد أن لفظ " هذا أحب " من كلام صاحب الخلاصة بل يحتمل أنه من تتمة قول محمد كما صرح به المصنف ا هـ .

                                                                                        أي صاحب المنية حيث قال : وقال محمد : أحب إلي أن يطيل الأولى على الثانية في الصلاة كلها ( قوله ويشكل على هذا الحكم إلخ ) قال الخير الرملي أقول : في شرح منية المصلي للحلبي ، وفي القنية إن قرأ في الأولى والعصر ، وفي الثانية الهمزة يكره لأن الأولى ثلاث آيات والثانية تسع آيات وتكره الزيادة الكثيرة ، وأما ما روي أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في الأولى من الجمعة سبح اسم ربك الأعلى ، وفي الثانية هل أتاك حديث الغاشية فزاد الثانية على الأولى بسبع لكن السبع في السور الطوال يسير دون القصار لأن الست هنا ضعف الأصل والسبع ثمة أقل من نصفه ا هـ فعلم منه أن الإطالة المذكورة فاحشة الطول من غير نظر إلى عدد الآيات ا هـ . كلامه في الشرح .

                                                                                        وأقول : قوله لأن الست هنا أي في الهمزة ضعف الأصل أي العصر وقوله والسبع ثمة أي في هل أتى أقل من نصفه أي الأصل الذي هو سبح والله تعالى أعلم ا هـ كلام الرملي

                                                                                        أقول : في عبارة الشيخ إبراهيم الحلبي في شرحه الكبير زيادة ينبغي ذكرها وذلك حيث قال بعد كلام القنية وعلم منه أن الثلاث آيات إنما تكره في السور القصار لظهور الطول فيها بذلك القدر ظهورا بينا ، وهو حسن إلا أنه ربما يتوهم منه أنه متى كانت الزيادة بما دون النصف لا تكره وليس كذلك ، والذي ينبغي أن الزيادة إذا كانت ظاهرة ظهورا تاما تكره وإلا فلا للزوم الحرج في التحرز عن الحقيقة ، ولورود مثل هذا في الحديث ولا تغفل عما تقدم أن التقدير بالآيات إنما يعتبر عند تقاربها ، وأما عند تفاوتها فالمعتبر التقدير بالكلمات والحروف وإلا فألم نشرح لك ثمان آيات ولم يكن ثمان آيات ولا شك أنه لو قرأ الأولى في الأولى والثانية في الثانية أنه يكره لما قلنا من ظهور الزيادة والطول ، وإن لم يكن من حيث الآي لكنه من حيث الكلم والحروف وقس على هذا ا هـ .

                                                                                        وبهذا المذكور من أن المعتبر التقدير بالكلمات عند التفاوت بطول الآي وقصرها اندفع الإشكال أيضا كما ذكره في الشرنبلالية قال إذ التفاوت [ ص: 363 ] بين السورتين من حيث الكلمات لتفاوت آياتهما في الطول والقصر من غير تقارب وتفاوتهما في الكلمات يسير




                                                                                        الخدمات العلمية