الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال : رحمه الله ( وإن لم يذكه حتى مات أو خنقه الكلب ولم يجرحه أو شاركه كلب غير معلم أو كلب مجوسي أو كلب لم يذكر اسم الله عليه عمدا حرم ) أما إذا لم يذكه فلأنه لما أدركه حيا صار ذكاته ذكاة الاختيار لما روينا وبينا من المعنى فبتركه يصير ميتة وهذا إذا تمكن من ذبحه أما إذا وقع في يده ولم يتمكن من ذبحه وفيه من الحياة قدر ما يكون في المذبوح بأن يقد بطنه ونحو ذلك ولم يبق إلا مضطربا اضطراب المذبوح فحلال ; لأن هذا القدر من الحياة لا يعتبر فكان ميتا حكما ألا ترى أنه لو وقع في الماء وهو بهذه الحالة لا يحرم كما إذا وقع بعد موته ; لأن موته لا يضاف إليه ، والميت ليس محلا للذكاة ، وذكر الصدر الشهيد أن هذا بالإجماع وقيل هذا قولهما وعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا يحل إلا إذا ذكاه بناء على أن الحياة الخفية معتبرة عنده وعندهما غير معتبرة حتى حلت المتردية والنطيحة والموقوذة ونحوها بالذكاة إذا كان فيها حياة وإن كانت خفية عنده وعندهما لا تحل إلا إذا كانت حياتها بينة وذلك بأن تبقى فوق ما يبقى المذبوح عند محمد .

                                                                                        وعند أبي يوسف رحمه الله تعالى أن تكون بحال يعيش مثلها فيكون موتها مضافا إلى الذكاة ، والسهم مثله وإن كان فيه من الحياة فوق ما يكون في المذبوح فكذلك في رواية عن أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى وهو قول الشافعي رحمه الله تعالى ; لأنه لم يقدر على الأصل فصار كالمتيمم إذا رأى الماء [ ص: 255 ] ولم يقدر على استعماله ولا يؤكل في ظاهر الرواية ; لأنه قادر حكما لثبوت يده عليه وهو قائم مقام التمكن من الذبح ، إذ لا يمكن اعتبار الذبح بعينه حقيقة لأن الناس يختلفون فيه على حسب تفاوتهم في الكياسة والهداية في أمر الذبح ولا يمكن ضبطه فأدير الحكم على ثبوت اليد ; لأنه هو المشاهد المعاين فلا يحل الأكل إلا بالذكاة سواء كانت حياته خفية أو بينة لجرح المعلم أو غيره من السباع وعليه الفتوى لقوله تعالى { وما أكل السبع إلا ما ذكيتم } استثناه مطلقا من غير تفصيل فيتناول كل حي مطلقا وكذا { قوله : عليه الصلاة والسلام لعدي فإذا أمسك عليك فأدركته حيا فاذبحه } مطلق فيتناول كل حي مطلقا والحديث صحيح رواه البخاري ومسلم ، وأحمد ، وفصل الشافعي رحمه الله تعالى تفصيلا آخر غير ما ذكرنا فقال : إن لم يتمكن من الذبح لفقد الآلة لم يؤكل لأن التقصير من جهته وإن كان لضيق الوقت أكل لعدم التقصير والحجة عليه ما تلونا وما روينا وأما إذا خنقه الكلب .

                                                                                        ولم يجرحه فلما بينا عند قوله لا بد من التعليم والتسمية والجرح وذكرنا اختلاف الرواية ، والكسر كالخنق حتى لا يعتد به ; لأنه لا يفضي إلى خروج الدم وأما إذا شاركه كلب غير معلم أو كلب مجوسي أو كلب لم يذكر اسم الله تعالى عليه عمدا فلما روينا عن { عدي بن حاتم رضي الله عنه أنه قال قلت يا رسول الله إني أرسل كلبي فأسمي قال إذا أرسلت كلبك وسميت فأخذ فقتل فكل فإن أكل منه فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه قلت : إني أرسل كلبي فأجد معه كلبا آخر غيره لا أدري أيهما أخذ فقال لا تأكل فإنما سميت على كلبك فإن وجدت مع كلبك كلبا غيره وقد قتل فلا تأكل ; لأنك لا تدري أيهما قتله } رواهما البخاري ومسلم ، وأحمد رحمهم الله تعالى وهذا صحيح فيكون حجة على مالك والشافعي في قوله القديم لأنه لا يحرم بأكل الكلب الصيد وعلى الشافعي في متروك التسمية عمدا أيضا ولأنه اجتمع فيه المبيح والمحرم فيغلب فيه جهة الحرمة لقوله عليه الصلاة والسلام { ما اجتمع الحلال والحرام إلا وقد غلب الحرام الحلال } وإن الحرام واجب الترك ، والحلال جائز الترك فكان الاحتياط في الترك ولو رده عليه الكلب ولم يجرحه معه ومات بجرحه الأول يكره أكله لوجود المعاونة في الأخذ وفقدها في الجرح ثم قيل الكراهة كراهة تنزيه لأن الأول لما انفرد بالجرح والأخذ غلب جانب الحل فصار حلالا ، وأوجب إعانة غير المعلم الكراهة دون الحرمة وقيل كراهة تحريم وهو اختيار الحلواني لوجود المشاركة من وجه بخلاف ما إذا رده عليه المجوسي نفسه حيث لا يحرم ولا يكره ; لأن فعل المجوسي ليس من جنس فعل الكلب فلم تتحقق المشاركة من وجه ولو لم يرد الكلب الثاني عليه لكن اشتد على الأول فاشتد الأول على الصيد بسببه فأخذه فقتله فلا بأس بأكله ; لأن فعل الثاني أثر في الكلب الأول حتى ازداد طلبا ولم يؤثر في الصيد فكان تبعا لفعله ; لأنه بناه عليه فلا يضاف الحكم إلى التبع بخلاف ما إذا رده عليه ; لأنه لم يصر تبعا فيضاف إليهما ولو رده سبع أو ذو مخلب من الطير مما يجوز أن يعلم فيصاد به فهو كما لو رده عليه الكلب فيما ذكرنا لوجود المجانسة في الفعل بخلاف ما إذا رده عليه ما لا يجوز الاصطياد به كالجمل والبقر .

                                                                                        والبازي في ذلك كالكلب في جميع ما ذكرنا من الأحكام وفي الفتاوى العتابية حلال رمى صيدا فأصابه في الحل ومات في الحرم أو رماه في الحرم ، وأصابه في الحل ومات في الحل لا يحل وعليه الجزاء في الوجه الثاني دون الأول وكذا إذا أرسل كلبه في الحرم وقتله خارج الحرم لا يحل وعليه الجزاء ، وفي الذخيرة : يجب أن يعلم من رمى سهما إلى صيد أن العبرة في حق الملك لوقت الإصابة وفي حق الأكل لوقت الرمي هذا هو المذكور في عامة الكتب ولهذا قلنا : المسلم إذا رمى سهما إلى صيد ثم ارتد - والعياذ بالله تعالى - ثم أصابه السهم حل تناوله والمرتد إذا رمى إلى صيد ثم أسلم ثم أصابه لا يحل تناوله .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية