( كتاب الرهن ) .
وجه مناسبة كتاب الرهن لكتاب الصيد من حيث إن كل واحد من الرهن والصيد سبب لتحصيل المال والكلام في الرهن يقع في مواضع : الأول في معناه لغة . والثاني في دليله . والثالث في ركنه . والرابع في شرط لزومه . والخامس في شرط جوازه . والسادس في حكمه . والسابع في سببه . والثامن في صفته . والتاسع في معناه عند الفقهاء . والعاشر في محاسنه . أما معناه لغة فهو عبارة عن الحبس بأي شيء كان ، قال الله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=38كل نفس بما كسبت رهينة } أي محبوسة بما كسبت من المعاصي يقال رهنت الشيء وارتهنته والجمع رهن ورهون ورهان والرهن المرهون تسمية بالمصدر ، وأما
nindex.php?page=treesubj&link=5568_5570دليله فقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=283فرهان مقبوضة } أمر بأخذ الرهن وقبضه حال المداينة . وأما
nindex.php?page=treesubj&link=5574ركنه فهو الإيجاب وهو قول الراهن رهنت عندك هذا الشيء بما لك علي من الدين أو خذه والقبول شرط له ; لأن الرهن عقد تبرع ; لأنه لم يستوجب الرهن بذاته شيئا والتبرع يتم بالإيجاب من غير قبول حتى لو
nindex.php?page=treesubj&link=23984_5574حلف لا يرهن فرهن ، ولم يقبل الآخر يحنث . وأما الرابع وهو
nindex.php?page=treesubj&link=5589شرط اللزوم وهو القبض . وأما الخامس وهو
nindex.php?page=treesubj&link=5644_5607_5606شرط الجواز فكونه مقسوما مفرزا فارغا عن الشغل بحق الغير ، وأن يكون الرهن بحيث الاستيفاء منه كالدين حتى لا يصح
nindex.php?page=treesubj&link=5645_5646_5611الرهن بما ليس بمال كالحدود والقصاص والعتق . وأما
nindex.php?page=treesubj&link=5672حكمه فملك المرتهن المرهون في حق الحبس حتى يكون أحق بإمساكه إلى وقت إيفاء الدين في حال الحياة . وأما إذا مات الراهن فهو أحق به من سائر الغرماء فيستوفي منه دينه وما فضل فهو للغرماء . وأما
nindex.php?page=treesubj&link=5570سببه فهو الحاجة إليه ; لأن الإنسان قد لا يجد من لا يقرضه مجانا من غير رهن أو يصبر عليه بغير رهن . وأما
nindex.php?page=treesubj&link=25480صفته قال عامة العلماء بأن الرهن مضمون على المرتهن كما سيأتي بيانه . وأما التاسع وهو تفسيره شرعا فسيتكلم عليه
المؤلف . وأما العاشر وهو
nindex.php?page=treesubj&link=5570محاسنه فهو فك عسرة الطلب عن الراهن ووثوق قلب المرتهن بما يحصل ماله ، ولو ارتهن على أنه ضاع بغير شيء وأجاز الراهن جاز الرهن وبطل الشرط ; لأنه تغيير لعقد موضوع بحكم مشروع وتبديل المشروع لا يجوز ، والمقبوض بحكم الرهن الفاسد مضمون ، وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=13234ابن سماعة عن
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف رحمهما الله تعالى
[ ص: 264 ] لو
nindex.php?page=treesubj&link=5678رهن نصف دار وسلم الدار إلى المرتهن وهلكت لم يذهب من الدين شيء ، وهكذا ذكر في نوادر
هشام عن
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد رحمهما الله تعالى أنه في الرهن الفاسد لا يذهب بهلاكه الدين ، وفي الجامع الكبير لو
nindex.php?page=treesubj&link=25482_16761اشترى مسلم خمرا ورهن بثمنه رهنا فضاع الرهن عنده لا يضمن ; لأنه رهن باطل في الأول ينعقد فاسدا ، والله أعلم وسيأتي له مزيد بيان عند قوله مضمون بأقل من قيمته ، وفي الكبرى لو
nindex.php?page=treesubj&link=5569_27287_5628_5644شرط عليه أن يضمن الفضل عن الدين فالشرط باطل قال رحمه الله ( هو حبس شيء بحق يمكن استيفاؤه منه كالدين ) ، وهذا حده في الشرع ، كذا قال الشارح ، وقال قوله كالدين إشارة إلى أن الرهن لا يجوز إلا بالدين ; لأنه هو حق أمكن استيفاؤه من الدين لعدم تعيينه . وأما العين فلا يمكن استيفاؤها من الرهن ولا يجوز الرهن بها إلا إذا كانت مضمونة بنفسها كالمغصوب والمهر وبدل الخلع وبدل الصلح عن دم العمد ; لأن الموجب الأصلي فيها المثل أو القيمة ورد العين لا مخلص على ما عليه الجمهور ولهذا تصح الكفالة به والإبراء عن قيمته ويمتنع وجوب الذكاة عمن هو في يده وماله بقدر القيمة ، ولو كان الواجب هو العين لما ثبتت هذه الأحكام ، وعند البعض ، وإن كان الموجب الأصلي رد العين ورد القيمة مخلص فلا يجب الضمان إلا بعد الهلاك بالقبض السابق ولهذا تعتبر قيمته بالقبض فيكون رهنا لوجود سبب وجوبه فيصح كما هو في الكفالة بخلاف الأعيان الأمانة ا هـ .
فإن قيل هذا التعريف للرهن التام أو اللازم وإلا ففي انعقاد الرهن لا يلزم الحبس بل ذلك بالقبض أجيب بأن المراد أنه يتحقق بانعقاد معنى الرهن معنى جعل الشيء محبوسا بحق إلا أن الشارع جعل للعاقد الرجوع عنه ما لم يقبض المرتهن الرهن فقبل القبض يوجد معنى الحبس ولكن لا يلزم ذلك إلا بالقبض والمأخوذ في التعريف المذكور في الكتاب للمرتهن إنما هو نفس الحبس لا لزومه فيصدق هذا التعريف على الرهن قبل تمامه ولزومه أيضا ، ولو قال هو عقد يرد على معنى حبس العين بحق يمكن استيفاؤه منه لكان أولى ، وقولنا على معنى حبس إلى آخره ; لأن العقد لا يوجب حقيقة الحبس ; لأنها بالقبض بل يوجب نفس الحبس ، وقول الإمام
الزيلعي أن قوله كالدين إشارة إلى أن
nindex.php?page=treesubj&link=5630_5629الرهن لا يجوز إلا بالدين ; لأنه هو الحق الممكن استيفاؤه من الرهن لعدم تعيينه قلنا المتبادر إليه من الكافي أنه يجوز الرهن بغير الدين أيضا كما ذكرت أمثاله ، وقوله شيء صادق على ما لو عين ذلك أولا وعلى ما إذا كان على كل الدين أو بعضه وعلى ما إذا قبض الدين أولا قال
قاضي خان رجل دفع إلى رجل ثوبين ، وقال خذ أيهما شئت بالمائة التي علي فأخذهما ونحلت في يده قال الثالث لا يذهب من الدين شيء وجعله بمنزلة رجل عليه عشرون درهما يدفع المديون إلى الطالب مائة ، وقال خذ منها عشرين بدينك فضاعت المائة قبل أن يأخذ منها عشرين ضاعت من مال المديون والدين على حاله ، ولو قال خذ أحدهما رهنا بدينك فأخذهما ونحلت في يده وقيمتهما سواء قال الثالث يذهب نصف قيمة كل واحد منهما بالدين إن كان مثل الدين
nindex.php?page=treesubj&link=5675رجل عليه مائة فأعطى الدائن ثوبا ، وقال خذ هذا ببعض حقك فقبضه وهلك يهلك بقيمته قال
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف لما شاء المرتهن أخذ الرهن ، ولم يدفع شيئا فضاع في يده قال
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف عليه قيمة الرهن أقرض آخر خمسين درهما ، فقال المقرض لا يكفيك هذا القدر ولكن أبعث لك ما يكفيك فبعث فدفع إليه فضاع في يده فعلى المرتهن الأقل من قيمة الرهن ومن الخمسين واشتراط خيار الشرط ثلاثة أيام في الرهن غير جائز في المرتهن ; لأنه يملك فسخه من غير خيار الشرط فلا فائدة في اشتراطه وللراهن جائز ; لأنه يحتاج إلى الخيار فيه وهو في معنى البيع فيصح إثبات الخيار له فيه كذا في الأصل .
( كِتَابُ الرَّهْنِ ) .
وَجْهُ مُنَاسَبَةِ كِتَابِ الرَّهْنِ لِكِتَابِ الصَّيْدِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الرَّهْنِ وَالصَّيْدِ سَبَبٌ لِتَحْصِيلِ الْمَالِ وَالْكَلَامُ فِي الرَّهْنِ يَقَعُ فِي مَوَاضِعَ : الْأَوَّلُ فِي مَعْنَاهُ لُغَةً . وَالثَّانِي فِي دَلِيلِهِ . وَالثَّالِثُ فِي رُكْنِهِ . وَالرَّابِعُ فِي شَرْطِ لُزُومِهِ . وَالْخَامِسُ فِي شَرْطِ جَوَازِهِ . وَالسَّادِسُ فِي حُكْمِهِ . وَالسَّابِعُ فِي سَبَبِهِ . وَالثَّامِنُ فِي صِفَتِهِ . وَالتَّاسِعُ فِي مَعْنَاهُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ . وَالْعَاشِرُ فِي مَحَاسِنِهِ . أَمَّا مَعْنَاهُ لُغَةً فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْحَبْسِ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=38كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ } أَيْ مَحْبُوسَةٌ بِمَا كَسَبَتْ مِنْ الْمَعَاصِي يُقَالُ رَهَنْت الشَّيْءَ وَارْتَهَنْته وَالْجَمْعُ رُهُنٌ وَرُهُونٌ وَرِهَانٌ وَالرَّهْنُ الْمَرْهُونُ تَسْمِيَةً بِالْمَصْدَرِ ، وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=5568_5570دَلِيلُهُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=283فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ } أَمْرٌ بِأَخْذِ الرَّهْنِ وَقَبْضِهِ حَالَ الْمُدَايَنَةِ . وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=5574رُكْنُهُ فَهُوَ الْإِيجَابُ وَهُوَ قَوْلُ الرَّاهِنِ رَهَنْت عِنْدَك هَذَا الشَّيْءَ بِمَا لَك عَلَيَّ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ خُذْهُ وَالْقَبُولُ شَرْطٌ لَهُ ; لِأَنَّ الرَّهْنَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْجِبْ الرَّهْنَ بِذَاتِهِ شَيْئًا وَالتَّبَرُّعُ يَتِمُّ بِالْإِيجَابِ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ حَتَّى لَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=23984_5574حَلَفَ لَا يَرْهَنُ فَرَهَنَ ، وَلَمْ يَقْبَلْ الْآخَرُ يَحْنَثُ . وَأَمَّا الرَّابِعُ وَهُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=5589شَرْطُ اللُّزُومِ وَهُوَ الْقَبْضُ . وَأَمَّا الْخَامِسُ وَهُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=5644_5607_5606شَرْطُ الْجَوَازِ فَكَوْنُهُ مَقْسُومًا مُفْرَزًا فَارِغًا عَنْ الشُّغْلِ بِحَقِّ الْغَيْرِ ، وَأَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ بِحَيْثُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهُ كَالدَّيْنِ حَتَّى لَا يَصِحَّ
nindex.php?page=treesubj&link=5645_5646_5611الرَّهْنُ بِمَا لَيْسَ بِمَالٍ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَالْعِتْقِ . وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=5672حُكْمُهُ فَمَلَك الْمُرْتَهِنُ الْمَرْهُونَ فِي حَقِّ الْحَبْسِ حَتَّى يَكُونَ أَحَقَّ بِإِمْسَاكِهِ إلَى وَقْتِ إيفَاءِ الدَّيْنِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ . وَأَمَّا إذَا مَاتَ الرَّاهِنُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ فَيَسْتَوْفِي مِنْهُ دَيْنَهُ وَمَا فَضُلَ فَهُوَ لِلْغُرَمَاءِ . وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=5570سَبَبُهُ فَهُوَ الْحَاجَةُ إلَيْهِ ; لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ لَا يَجِدُ مَنْ لَا يُقْرِضُهُ مَجَّانًا مِنْ غَيْرِ رَهْنٍ أَوْ يَصْبِرُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ رَهْنٍ . وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=25480صِفَتُهُ قَالَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُرْتَهِنِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ . وَأَمَّا التَّاسِعُ وَهُوَ تَفْسِيرُهُ شَرْعًا فَسَيَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ
الْمُؤَلِّفُ . وَأَمَّا الْعَاشِرُ وَهُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=5570مَحَاسِنُهُ فَهُوَ فَكُّ عُسْرَةِ الطَّلَبِ عَنْ الرَّاهِنِ وَوُثُوقُ قَلْبِ الْمُرْتَهِنِ بِمَا يُحَصِّلُ مَالَهُ ، وَلَوْ ارْتَهَنَ عَلَى أَنَّهُ ضَاعَ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَأَجَازَ الرَّاهِنُ جَازَ الرَّهْنُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ ; لِأَنَّهُ تَغْيِيرٌ لِعَقْدٍ مَوْضُوعٍ بِحُكْمٍ مَشْرُوعٍ وَتَبْدِيلُ الْمَشْرُوعِ لَا يَجُوزُ ، وَالْمَقْبُوضُ بِحُكْمِ الرَّهْنِ الْفَاسِدِ مَضْمُونٌ ، وَذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=13234ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=14954أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى
[ ص: 264 ] لَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=5678رَهَنَ نِصْفَ دَارٍ وَسَلَّمَ الدَّارَ إلَى الْمُرْتَهِنِ وَهَلَكَتْ لَمْ يَذْهَبْ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ ، وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي نَوَادِرِ
هِشَامٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16908مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ فِي الرَّهْنِ الْفَاسِدِ لَا يَذْهَبُ بِهَلَاكِهِ الدَّيْنُ ، وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=25482_16761اشْتَرَى مُسْلِمٌ خَمْرًا وَرَهَنَ بِثَمَنِهِ رَهْنًا فَضَاعَ الرَّهْنُ عِنْدَهُ لَا يُضْمَنُ ; لِأَنَّهُ رَهْنٌ بَاطِلٌ فِي الْأَوَّلِ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَسَيَأْتِي لَهُ مَزِيدُ بَيَانٍ عِنْدَ قَوْلِهِ مَضْمُونٌ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ ، وَفِي الْكُبْرَى لَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=5569_27287_5628_5644شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَضْمَنَ الْفَضْلَ عَنْ الدَّيْنِ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( هُوَ حَبْسُ شَيْءٍ بِحَقٍّ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْهُ كَالدَّيْنِ ) ، وَهَذَا حَدُّهُ فِي الشَّرْعِ ، كَذَا قَالَ الشَّارِحُ ، وَقَالَ قَوْلُهُ كَالدَّيْنِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الرَّهْنَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالدَّيْنِ ; لِأَنَّهُ هُوَ حَقٌّ أَمْكَنَ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الدَّيْنِ لِعَدَمِ تَعْيِينِهِ . وَأَمَّا الْعَيْنُ فَلَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهَا مِنْ الرَّهْنِ وَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ بِهَا إلَّا إذَا كَانَتْ مَضْمُونَةً بِنَفْسِهَا كَالْمَغْصُوبِ وَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ ; لِأَنَّ الْمُوجِبَ الْأَصْلِيَّ فِيهَا الْمِثْلُ أَوْ الْقِيمَةُ وَرَدُّ الْعَيْنِ لَا مَخْلَصَ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَلِهَذَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ وَالْإِبْرَاءُ عَنْ قِيمَتِهِ وَيَمْتَنِعُ وُجُوبُ الذَّكَاةِ عَمَّنْ هُوَ فِي يَدِهِ وَمَالُهُ بِقَدْرِ الْقِيمَةِ ، وَلَوْ كَانَ الْوَاجِبُ هُوَ الْعَيْنُ لَمَا ثَبَتَتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ ، وَعِنْدَ الْبَعْضِ ، وَإِنْ كَانَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ رَدَّ الْعَيْنِ وَرَدَّ الْقِيمَةِ مَخْلَصٌ فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ إلَّا بَعْدَ الْهَلَاكِ بِالْقَبْضِ السَّابِقِ وَلِهَذَا تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ بِالْقَبْضِ فَيَكُونُ رَهْنًا لِوُجُودِ سَبَبِ وُجُوبِهِ فَيَصِحُّ كَمَا هُوَ فِي الْكَفَالَةِ بِخِلَافِ الْأَعْيَانِ الْأَمَانَةِ ا هـ .
فَإِنْ قِيلَ هَذَا التَّعْرِيفُ لِلرَّهْنِ التَّامِّ أَوْ اللَّازِمِ وَإِلَّا فَفِي انْعِقَادِ الرَّهْنِ لَا يَلْزَمُ الْحَبْسُ بَلْ ذَلِكَ بِالْقَبْضِ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَتَحَقَّقُ بِانْعِقَادِ مَعْنَى الرَّهْنِ مَعْنَى جَعْلِ الشَّيْءِ مَحْبُوسًا بِحَقٍّ إلَّا أَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ لِلْعَاقِدِ الرُّجُوعَ عَنْهُ مَا لَمْ يَقْبِضْ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ فَقَبْلَ الْقَبْضِ يُوجَدُ مَعْنَى الْحَبْسِ وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ إلَّا بِالْقَبْضِ وَالْمَأْخُوذُ فِي التَّعْرِيف الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ لِلْمُرْتَهِنِ إنَّمَا هُوَ نَفْسُ الْحَبْسِ لَا لُزُومُهُ فَيَصْدُقُ هَذَا التَّعْرِيفُ عَلَى الرَّهْنِ قَبْلَ تَمَامِهِ وَلُزُومِهِ أَيْضًا ، وَلَوْ قَالَ هُوَ عَقْدٌ يَرِدُ عَلَى مَعْنَى حَبْسِ الْعَيْنِ بِحَقٍّ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْهُ لَكَانَ أَوْلَى ، وَقَوْلُنَا عَلَى مَعْنَى حَبْسٍ إلَى آخِرِهِ ; لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يُوجِبُ حَقِيقَةَ الْحَبْسِ ; لِأَنَّهَا بِالْقَبْضِ بَلْ يُوجِبُ نَفْسَ الْحَبْسِ ، وَقَوْلُ الْإِمَامِ
الزَّيْلَعِيِّ أَنَّ قَوْلَهُ كَالدَّيْنِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=5630_5629الرَّهْنَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالدَّيْنِ ; لِأَنَّهُ هُوَ الْحَقُّ الْمُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الرَّهْنِ لِعَدَمِ تَعْيِينِهِ قُلْنَا الْمُتَبَادِرُ إلَيْهِ مِنْ الْكَافِي أَنَّهُ يَجُوزُ الرَّهْنُ بِغَيْرِ الدَّيْنِ أَيْضًا كَمَا ذَكَرْت أَمْثَالَهُ ، وَقَوْلُهُ شَيْءٌ صَادِقٌ عَلَى مَا لَوْ عُيِّنَ ذَلِكَ أَوَّلًا وَعَلَى مَا إذَا كَانَ عَلَى كُلِّ الدَّيْنِ أَوْ بَعْضِهِ وَعَلَى مَا إذَا قَبَضَ الدَّيْنَ أَوَّلًا قَالَ
قَاضِي خَانْ رَجُلٌ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ ثَوْبَيْنِ ، وَقَالَ خُذْ أَيَّهُمَا شِئْت بِالْمِائَةِ الَّتِي عَلَيَّ فَأَخَذَهُمَا وَنَحَلَتْ فِي يَدِهِ قَالَ الثَّالِثُ لَا يَذْهَبُ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ وَجَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ عَلَيْهِ عِشْرُونَ دِرْهَمًا يَدْفَعُ الْمَدْيُونُ إلَى الطَّالِبِ مِائَةً ، وَقَالَ خُذْ مِنْهَا عِشْرِينَ بِدَيْنِك فَضَاعَتْ الْمِائَةُ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا عِشْرِينَ ضَاعَتْ مِنْ مَالِ الْمَدْيُونِ وَالدَّيْنُ عَلَى حَالِهِ ، وَلَوْ قَالَ خُذْ أَحَدَهُمَا رَهْنًا بِدَيْنِك فَأَخَذَهُمَا وَنَحَلَتْ فِي يَدِهِ وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ قَالَ الثَّالِثُ يَذْهَبُ نِصْفُ قِيمَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالدَّيْنِ إنْ كَانَ مِثْلَ الدَّيْنِ
nindex.php?page=treesubj&link=5675رَجُلٌ عَلَيْهِ مِائَةٌ فَأَعْطَى الدَّائِنَ ثَوْبًا ، وَقَالَ خُذْ هَذَا بِبَعْضِ حَقِّك فَقَبَضَهُ وَهَلَكَ يَهْلِكُ بِقِيمَتِهِ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14954أَبُو يُوسُفَ لَمَّا شَاءَ الْمُرْتَهِنُ أَخَذَ الرَّهْنَ ، وَلَمْ يَدْفَعْ شَيْئًا فَضَاعَ فِي يَدِهِ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14954أَبُو يُوسُفَ عَلَيْهِ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَقْرَضَ آخَرَ خَمْسِينَ دِرْهَمًا ، فَقَالَ الْمُقْرِضُ لَا يَكْفِيَك هَذَا الْقَدْرُ وَلَكِنْ أَبْعَثُ لَك مَا يَكْفِيَك فَبَعَثَ فَدَفَعَ إلَيْهِ فَضَاعَ فِي يَدِهِ فَعَلَى الْمُرْتَهِنِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ وَمِنْ الْخَمْسِينَ وَاشْتِرَاطُ خِيَارِ الشَّرْطِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الرَّهْنِ غَيْرُ جَائِزٍ فِي الْمُرْتَهِنِ ; لِأَنَّهُ يَمْلِكُ فَسْخَهُ مِنْ غَيْرِ خِيَارِ الشَّرْطِ فَلَا فَائِدَةَ فِي اشْتِرَاطِهِ وَلِلرَّاهِنِ جَائِزٌ ; لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْخِيَارِ فِيهِ وَهُوَ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ فَيَصِحُّ إثْبَاتُ الْخِيَارِ لَهُ فِيهِ كَذَا فِي الْأَصْلِ .