الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله ( وإنما يصح بدين ، ولو موعودا ) ولا يصح بغيره ، وقد بينا المعنى فيه وهو أن الرهن استيفاء والاستيفاء يتحقق في الواجب وهو الدين ، ثم وجوب الدين ظاهرا يكفي لصحة الرهن ولا يشترط وجوبه حقيقة لما ذكرنا قال في الهداية ، فإذا هلك الرهن بالموعود هلك بما يسمى من المال قال في غاية البيان فيه تسامح ; لأنه يهلك بالأقل من قيمته ومما سمي له من القرض ، ألا ترى إلى ما قال الإمام الإسبيجابي في شرح الطحاوي ، ولو أخذ الرهن بشرط أن يقرضه كذا فهلك في يده قبل أن يقرضه هلك بالأقل من قيمته ومما سمي له القرض ا هـ .

                                                                                        قال تاج الشريعة في شرح قول المصنف حيث قال هلك بما يسمي من المال بمقابلته هذا إذا ساوى الرهن الدين قيمة وإنما أطلق جريا على العادة إذ الظاهر أن يساوي الرهن الدين ا هـ .

                                                                                        واقتفى أثره صاحب العناية أقول : فيه قصور بين ، فإن ما ذكر في الكتاب كما يتمشى فيما إذا ساوى قيمة الرهن أكثر من ذلك الدين فلا حاجة لتخصيصه بصورة المساواة فالحق أن يقال في البيان هذا إذا ساوى قيمة الرهن ما سمي له من القرض أو كانت قيمته أكثر من ذلك . وأما إذا كانت قيمة الرهن أقل من ذلك فيهلك بقيمة الرهن إذا فسد تقرر فيما مر أن الرهن مضمون بالأقل من قيمته ومن الدين ولكن المصنف ذكر هنا قوله حيث يهلك بما سمى له من الدين في صورة الإطلاق جريا على ما هو الظاهر الغالب من كون قيمة الرهن مساوية للدين أو أكثر من ذلك قال الفقيه أبو الليث في الفتاوى رجل دخل المدينة ونزل خانا ، فقال صاحب الخان لا ينزل هنا أحد ما لم يعط شيئا فدفع إليه ثيابه فهلكت عنده إن رهنها من قبل الأجرة فالرهن بما فيه ، وإن أخذها منه ; لأنه ظنه سارقا فخشي منه يضمن صاحب الخان ، كذا قال عصام بن يوسف قال الفقيه أبو الليث وعندي أنه لا يضمن ; لأنه لم يكن مكرها بالدفع إليه ، ولو رهن ثوبا ، فقال أمسكه بعشرين درهما فهلك الثوب عند المرتهن قبل أن يعطيه شيئا فعليه قيمة الثوب إلا أن يجاوز قيمته عشرين ; لأن الرهن مضمون بالأقل من قيمته ومن الرهن رهن دابتين على أن يقرضه مائة ، وقيمة إحداهما [ ص: 279 ] خمسون والأخرى ثلاثون فقبض ما قيمتها خمسون فهلكت يرد خمسين ; لأنه مضمون بالقيمة لا بالمسمى كالمقبوض بجهة البيع .

                                                                                        فإن بدا له أن يأخذ الأخرى له ذلك ولا يجبر على القرض ; لأن الرهن لازم في جانب الراهن فما شرط على الراهن في الرهن يكون لازما ، وفي حق المرتهن فيه لا يكون لازما والقرض مشروط على المرتهن فلا يكون لازما في حقه ، ولو نفقت الأخرى عند الرهن واختلف في قيمة التي هلكت عند المرتهن فالقول للمرتهن ; لأن الراهن يدعي على المرتهن زيادة ضمان وهو ينكر ، وإن نفقت إحداهما ينظر إلى قيمة الباقي فتظهر قيمة الهالك فلا يلتفت إلى اختلافهما ; لأنه أمكن معرفة ما وقع التنازع فيه لا من جهتهما ابن رستم عن محمد رحمهما الله تعالى رجل رهن رجلا ثوبا ، فقال له إن لم أعطك إلى كذا ، وكذا فهو بيع لك بما لك علي قال لا يجوز . وقوله عليه الصلاة والسلام { لا يعلق الرهن } هو هذا ، ولو رهن الغاصب بالمغصوب رهنا والمغصوب منه ضمن الأقل من قيمة المغصوب وقيمة الرهن ; لأنه أخذه على جهة الضمان ، وليس يكون المغصوب دينا يدفع به رهنا ولكنه لما رهنه صار رهنا ، وإن لم يكن صحيحا .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية