الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله ( مكاتب قتل عمدا وترك وفاء ووارثه سيده فقط أو لم يترك وفاء له وارث يقتص ) أما الأول ، وهو ما إذا ترك وفاء ولا وارث له سوى المال فالمذكور هنا هو قولهما وعن محمد رحمه الله تعالى لا يجب القصاص ; لأن سبب الاستحقاق قد اختلف ; ولأن المولى يستحقه بالولاية بأن مات حرا أو بالملك إن مات عبدا فاشتبه الحال فلا يستحق ; لأن اختلاف السبب كاختلاف المستحق فيسقط أصلا كما إذا كان له وارث غير المولى فصار كما لو قال لغيره بعني هذه الجارية بكذا وقال المولى زوجتها منك لا يحل له وطؤها لاختلاف الحكم ولهما أن المولى هو المستحق للقصاص على التقديرين بيقين ، وهو معلوم فلا يضر مجرد اختلاف السبب ; لأن السبب لا يراد لذاته ، وإنما يراد لحكمه وقد حصل بخلاف المستشهد به لاختلاف حكم السببين ولا يدري بأيهما يحكم فلا يثبت الحل بدون تعيين السبب ، وأما الثاني ، وهو ما إذا لم يترك وفاء له وارث غير المولى فلأنه مات رقيقا لانفساخ الكتابة بموته لا عن وفاء فظهر أنه قتل عبدا عمدا فيكون القصاص للمولى بخلاف معتق البعض إذا قتل ولم يترك وفاء له حيث لا يجب القصاص ; لأن العتق في البعض لا يفسخ بموته عاجزا ; ولأن الاختلاف في أنه يعتق كله أو بعضه ظاهر فأشبه المستحق فأورث ذلك شبهة كالمكاتب إذا قتل عن وفاء أقول : فيه نظر ; لأنه قد مر من قبل أن أصل أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله هو أن اختلاف السبب الذي لا يفضي إلى منازعة ولا إلى الاختلاف ، الحكم لا يبالي به ; ولهذا كان للمولى القصاص عندهما فيما إذا قتل المكاتب عمدا وليس له وارث سوى المال وترك وفاء فكيف يتم تعليل عدم وجوب القصاص عند أبي حنيفة في مسألة معتق البعض إذا مات عاجزا بأن المولى يستحق القصاص في بعضه بالولاية وفي بعضه بالملك فلا يثبت له الاستحقاق بسببين مختلفين ولا إفضاء إلى المنازعة على مقتضى ، هذا التعليل ولا إلى الاختلاف في الحكم فمن أين لا يثبت له الاستحقاق عنده بمجرد اختلاف السبب ثم أقول : لعل المراد بقولهم بخلاف معتق البعض إذا مات ولم يترك وفاء فأما إذا كان له وارث غير المولى يرشد إليه ذكر مخالف هذه المسألة في حيز قوله ، وإن لم يترك وفاء وله ورثة أحرار إلى آخره فحينئذ يصح تتميم ما حمله المصنف في تعليله بقوله ; لأن العتق في البعض لا ينفسخ بالعجز بأن يقال فالمولى يستحق القصاص في البعض المملوك بالملك والوارث يستحقه في البعض المعتق بالإرث فيكون السببان راجعين إلى الشخصين فيبالي باختلافهما للإفضاء إلى المنازعة تأمل تقف .

                                                                                        واشتراط الوارث وقع اتفاقا ، فإنه إذا لم يكن له وارث أيضا الحكم كذلك لموته رقيقا ، وذكر ذلك لينبه على أنه لا فرق بين أن يكون له وارث أو لم يكن بخلاف المسألة الأولى قال رحمه الله ( ، وإن ترك وفاء ووارثا لا ) أي لا يقتص ، وهذا بالإجماع ، وإن اجتمع [ ص: 340 ] المولى والوارث لاشتباه من له الحق ; لأنه إن مات حرا كما قال علي وابن مسعود رضي الله عنهما فالقصاص للوارث ، وإن مات عبدا كما قال زيد بن ثابت رضي الله عنه فالقصاص للمولى قال ابن قاضي زاده على عبارة الهداية أقول : أطلق الوارث هاهنا ولم يقيده بالحر وقيده في الصورة الآتية حيث قال : وإن لم يترك وفاء وله ورثة أحرار ، وكان الأولى أن يعكس الأمر ، فإنه إذا كان الوارث هاهنا رقيقا فالظاهر أنه يجب القصاص للمولى عند أبي حنيفة وأبي يوسف لكون حق الاستيفاء للمولى خاصة إذ لا ولاية للأرقاء على استيفاء القصاص فلم يشتبه من له الحق هاهنا ، وأما إذا كانت الورثة أرقاء في الصورة السابقة فيجب القصاص للمولى وحده في قولهم جميعا كما إذا كانت ورثته أحرارا ; لأنه مات عبدا في تلك الصورة والتقييد بالأحرار يشعر بكون الحكم في الأرقاء خلاف ذلك على أن مفهوم المخالفة معتبر عندنا أيضا في الروايات كما صرحوا به ، فإن قلت : الرقيق لا يكون وارثا ; لأن الرق أحد الأمور الأربعة التي تمنع عن الإرث كما تقرر في علم الفرائض فلا احتياج إلى تقييد الوارث بالحر بل لا وجه له لإشعاره بكون الرقيق أيضا وارثا قلت : المراد بالوارث هنا من كان من شأنه أن يرث والرقيق كذلك ; لأنه يرث عند زوال الرق لا من يرث بالفعل فيحتمل التقييد بالحرية وإلا يلزم أن لا يتم تقييد الورثة بالأحرار في الصورة الآتية أيضا مع أنها قيدت بها في الكتاب بل في أصل الجامع الصغير للإمام الرباني .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية