الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        وفي الينابيع ، ولو ضرب سن إنسان فتحركت سنه الأخرى فجاء للقاضي ليظهر أثر فعله ، فإن أجله القاضي حولا وقد سقطت سنه فاختلفا قبل السنة فقال المضروب من ضربك وقال الضارب لا بل من ضرب رجل آخر فالقول للمضروب ، وإن جاء بعد السنة واختلفا القول للضارب ، ولو لم تسقط لا شيء على الضارب وعن أبي يوسف أنه تجب حكومة عدل في الألم وفي شرح الطحاوي ، ومن ضرب رجلا حتى سقط أسنانه كلها ، وهي اثنان وثلاثون سنا منها عشرون أضراس وأربعة أنياب وأربع ثنايا وأربع ضواحك ، فإن عليه دية وثلاثة أخماس الدية ، وهي من الدراهم ستة عشر ألفا في السنة الأولى ثلثا الدية ثلث من الدية الكاملة وثلث من ثلاثة أخماس الدية وفي السنة الثانية ثلث الدية وفي السنة الثالثة ، وهي ما بقي من الدية والثلاثة أخماس ، وإذا قلع الرجل سن رجل خطأ ثم نبتت فلا شيء على القالع عند علمائنا وروي عنهما في النوادر أنه يجب الأرش والصحيح ما قلنا ; لأن القياس يأبى وجوب الأرش بالقلع ، وإن لم تنبت ; لأن المتلف ليس بمال ولكنا تركنا القياس بالنص ، وإنما أوجب النص الأرش إذا لم تنبت مكانه أخرى فإذا نبتت مكانه أخرى يقع على أصل القياس فإذا نبتت أخرى سوداء بقي الأرش على حاله وإذا نزع سن رجل عمدا أو انتزع المنزوع سنه سن النازع ثم نبتت سن الأول فعلى الأول أرش سن الثاني ، ولو نبت معوجا يجب حكومة عدل .

                                                                                        وإن نبتت سوداء جعل كأنها لم تنبت وفي الكافي ، ولو قلع سن غيره فردها صاحبها إلى مكانها ونبت عليها اللحم فعلى القالع كمال الأرش وقال الشافعي في قول : عليه الضمان بخلاف ما لو قطع شجرة رجل فنبتت مكانها أخرى حيث لا يسقط الضمان السغناقي ذكر في المبسوط ، ولو قلع سن رجل فنبتت كما كانت فلا شيء عليه في ظاهر الرواية ويرجع على الجاني بقدر ما يحتاج إليه من ثمن الدواء وأجرة الأطباء وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول لا يجب شيء ، وفي الينابيع وقال أبو يوسف : لو نبتت سن البالغ بعد القلع لا يسقط الأرش بل تلزمه الدية كاملة بخلاف سن الصبي وقال أبو حنيفة : لا شيء في سن الصبي وقال أبو يوسف : فيها حكومة عدل ، وإذا لم تنبت يجب فيها الأرش كاملا ، وإذا قلع الرجل ثنية رجل عمدا واقتص له من ثنية القالع ثم نبتت ثنيته لم يكن للمقتص له أن يقلع تلك الثنية التي نبتت ثانيا ، ومثله لو نبتت ثنية المقتص له ، ولم تنبت ثنية المقتص منه غرم المقتص للمقتص منه أرش ثنيته قال في الأصل : إذا قلع الرجل سن رجل فأخذ المقلوع سنه وأثبتها في مكانها فثبتت فقد كان القلع خطأ فعلى القالع أرش السن كاملا قال شيخ الإسلام : وهذا إذا لم يعد إلى حالته الأولى بعد الثبات في المنفعة والجمال ، والغالب أن لا يعود إلى تلك الحالة ، وإذا تصور عود الجمال والمنفعة بالإثبات لم يكن على القالع شيء كما لو نبتت السن المقلوعة .

                                                                                        قال في الأصل إذا نزع ثنية رجل وثنية الجاني سوداء فالمجني عليه بالخيار ، وعلى نحو ما ذكرنا في مسألة العين وتفريع هذه المسألة على نحو تفريع مسألة العين ، وفي السغناقي عن أبي يوسف فيما إذا قلع سن رجل بالغ ثم نبت مكانها أخرى يجب حكومة العدل لمكان الألم فيقوم ، وبه هذا الألم فيجب ما انتقص منه بسبب الألم من القيمة ، ولو نزع ثنية رجل وثنية النازع سوداء ، فلم [ ص: 348 ] يتخير المجني عليه شيئا حتى سقطت السن السوداء ، ونبتت مكانها أخرى صحيحة فقد بطل حق المجني عليه ، وفي الكافي وكذا إذا لم يكن للقالع ثنية حين قلع ثم نبتت ، فلا قصاص له وله الأرش ، ولو قلع رجل ثنية رجل وثنية القالع مقلوعة فنبتت ثنيته بعد القلع ، فلا قصاص فيه وللمقلوع ثنيته أرشها ، وفي المجرد عن أبي حنيفة إذا نزع سن إنسان ينبغي للقاضي أن يأخذ ضمينا من النازع ثم يؤجله سنة من النزع فإذا مضت سنة ، ولم تنبت اقتص منه ، وعلى هذا إذا ضرب إنسان إنسانا واسود السن فقال الضارب : إنما اسودت من ضربة حدثت فيها بعد ضربتي فالقول للمضروب استحسانا هكذا ذكر المسألة في الأصل وهكذا روى ابن سماعة عن أبي يوسف ، وفي المنتقى في الباب الأول من الجنايات رواية الحسن عن أبي حنيفة في عين هذه الصورة أن القول قول الضارب ، وليس هذا في شيء من الجنايات إلا في السن للأثر .

                                                                                        وفي النوازل سئل عن رجل ضرب على وجه رجل فتناثرت أسنانه كلها قال يجب لكل سن دية خمسمائة قال الفقيه إن كانت جملتها اثنين وثلاثين ، ويجب عليه ستة عشر ألفا ، وإن كانت أسنانه ثلاثين فعليه خمسة عشر ألفا ، ولو كانت ثمانية وعشرين ، فعليه أربعة عشر ألفا ، وفي السراجية في سن الرجل خمسمائة وفي سن المرأة نصف ذلك وفي الفتاوى أمره بنزع سنه ثم اختلفا فقال الآمر : أمرتك بغير هذا ، فإنه قال القول قول الآمر مع يمينه ، فإذا حلف فأرش السن على عاقلة المأمور أو في ماله لا رواية في هذا وفي المنتقى قالوا وليس في نفس الآدمي شيء من الأعضاء ديته زائدة على دية النفس إلا الأسنان رجلان قاما في اللعب ليتضاربا بالوكز يعني ( مسه درن حابرل ) فركب أحدهما الآخر وكسر سنه فعلى الضارب القصاص ولكن بالشرائط التي قلنا ; لأن هذا عمد والمسألة كانت واقعة الفتوى على هذا وفي الظهيرية ، ولو قال كل واحد منهما ( درن ) فوكز أحدهما صاحبه لا شيء عليه ، وهو الصحيح بمنزلة قوله اقطع يدي فقطعها ، وإذا قلع سن صبي آخر حولا فمات الصبي قبل تمام الحول فلا شيء على الجاني في قول أبي حنيفة ، وقال أبو يوسف : فيه حكومة عدل وفي الكبرى قال فيه حكومة عدل ، وإذا ضرب سن رجل فاسود سن الرجل ثم جاء آخر فنزعها فعلى الأول تمام أرشها ، وفي الخانية خمسمائة وعلى الثاني حكومة عدل وإذا نزع سن رجل وسن الثاني سوداء أو صفراء أو حمراء أو خضراء والنزع كان عمدا يخير المجني عليه إن شاء اقتص منه .

                                                                                        وإن شاء ضمنه أرش سنه خمسمائة ، وإن كان المعيوب سن المجني عليه فله حكومة عدل ولا يقتص سنه لسنه وفي الخانية ، ولو ضرب سن إنسان فاسودت وسن الجاني سوداء أو حمراء أو خضراء أو صفراء كان المجني عليه بالخيار إن شاء ضمنه ، وإن شاء استوفى القصاص ناقصا وفي الكبرى ، ولو نزع سن رجل فنبت نصفها فعليه نصف أرشها ، وإن نبتت صفراء ففيها حكومة عدل .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية