الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله ( ولا يقطع يد رجلين بيد ) معناه إذا قطع رجلان يد رجل فلا قصاص على واحد منهما وقال الإمام الشافعي تقطع أيديهما ومحل الخلاف فيما أخذ سكينا واحدا من جانب وأمراها على يده حتى انقطعت هو يعتبرها بالأنفس ; لأن الأطراف تابعة لها ، وملحقة بها فأخذت حكمها بخلاف ما إذا أمر أحدهما السكين من جانب ، والآخر من جانب حتى التقت السكينان في الوسط وبانت اليد حيث لا يجب القصاص فيه على واحد منهما ; لأنه لم يوجد من كل واحد منهما إمرار السلاح على بعض العضو ولنا أن كل واحد منهما قاطع للبعض ; لأن ما انقطع بقوة أحدهما أن يقطع بقوة الآخر فلا يجوز أن يقطع الكل بالبعض والاثنين بالواحد لانعدام المساواة فصار كما إذا أمرها كل واحد من جانب الآخر بخلاف النفس ، فإن شرط فيه المساواة في العصمة لا غير وفي الطرف يعتبر المساواة في النفع والقيمة ; ولهذا لا تقطع [ ص: 356 ] الصحيحة بالشلاء والنفس السالمة من العيوب تقتل بالمفلوج والمسلول ، وكذا الاثنان بالواحد فلا يصح القياس على النفس ; ولأن زهوق الروح لا يتجزأ فأضيف إلى كل واحد كلا وقطع العضو يتجزأ ألا ترى أنه يمكن أن يقطع البعض ويترك الباقي وفي القتل لا يمكن ذلك ; ولهذا لو أمر أحدهما السكين على قفاه والآخر على حلقه حتى التقتا في الوسط ومات منهما يجب القصاص وفي اليد لا يجب ; ولأن القتل بطريق الإجماع غالب مخالفة الغوث لا في القطع ; لأنه يحتاج إلى مقدمات بطيئة فيلحقه الغوث بسببها كالنداء ، ويقول ثبت وجوب القصاص في النفس والاجتماع على خلاف القياس والطرف ليس مثلها ، فلا يلحق بها وقوله رجلان مثال وليس بقيد قال في التجريد إذا قطع رجلان يدي رجل فلا قصاص عليهما وعليهما الدية وكذا ما زاد على هذا العدد في هذا الحكم سواء .

                                                                                        وقال محمد : رحمه الله في الزيادات رجل قطع المفصل الأعلى من أصبع رجل وبرئ منه ثم عاد وقطع الثاني أيضا ثم اختصما إلى القاضي فالقاضي يقضي على القاطع بالقصاص في المفصل الثاني هذا الذي ذكرنا إذا قطع المفصل الأعلى ، وبرئ ثم عاد وقطع المفصل الثاني ، فإنه يقطع أصبع القاطع من المفصل الأسفل ، ويجعل كأنه قطع المفصلين بدفعة واحدة فمن مشايخنا من قال ما ذكر هاهنا قولهما أما على قول أبي حنيفة رحمه الله للمقطوع مفصلاه أن يقطع المفصل الأعلى ثم الأسفل ومنهم من قال هذا قول الكل ، ولو قطع المفصل الأعلى واقتص من القاطع ثم عاد وقطع المفصل الثاني وبرئ يجب لوجود المساواة فرق بين هذا وبين رجلين مقطوعي الأصابع قطع أحدهما كف صاحبه لا يقطع كف القاطع أقول : فيه نظر ; لأن المساواة ممكنة فينبغي أن يقطع لإمكانها فتدبره وكذا إذا كان مقطوع الكف قطع أحدهما زند صاحبه لا يقطع زند القاطع ، ولو قطع من أصبع رجل نصف مفصل وكسر وبرئ ثم قطع ما بقي من المفصل وبرئ فلا قصاص عليه في شيء من ذلك أما في النصف الأول فلحلول الجناية في العظم ، وأما في النصف الثاني فلعدم المساواة ; لأن أصبع القاطع حال ما قطع الثاني من المفصل صحيحة والأصبع المقطوعة من نصف المفصل ناقصة .

                                                                                        ولو لم يحل بينهما برء يجب القصاص في المفصل وجعل كأنه قطع المفصل بدفعة واحدة وكذلك لو قطع الأصابع من رجل وعاد وقطع الكف إن لم يحل بينهما يجب القصاص في يد كأنه قطع الكل دفعة واحدة ، وإن حال بينهما برء يجب القصاص في الأصابع وحكومة عدل في الكف وكذا إذا قطع حشفة إنسان خطأ ثم عاد وقطع باقي الذكر إن كان قبل تخلل البرء تجب دية واحدة ، وإن كان تخلل بينهما برء يجب كمال الدية في الحشفة وحكومة عدل في الباقي ، ولو قطع المفصل الأعلى من أصبع رجل فقبل البرء قطع النصف من المفصل الثاني ثم برئ القصاص وجعل كأنه من الابتداء قطع النصف من المفصل الثاني وهناك لا يجب القصاص بل يجب الأرش فهذا ذلك ، ولو برئ من القطع الأول ثم قطع النصف من المفصل الثاني يجب القصاص في المفصل الأعلى لوجود الشرط ويجب نصف الأرش في الثاني .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية