الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        وإذا أقر القاتل بالخطأ وادعى الولي العمد لم يقتص ولزمه الدية استحسانا وقال زفر : لا يلزمه شيء قياسا ; لأن ما أقر به لم يثبت ; لأنه كذبه المدعي في إقراره بمقتضى دعواه القصاص ، وصار كما لو أقر القاتل بالعمد وادعى الولي الخطأ لا يلزمه شيء فكذا هذا ولنا أنهما تصادقا على القتل إلا أنه تعذر استيفاء القصاص بمعنى من قبل [ ص: 360 ] القاتل ، وهو دعوى الخطأ فتجب الدية صونا لدمه عن الهدر ; ولأن في زعم الولي أن القصاص هو الواجب إلا أنه لما أقر بالخطأ ، فقد أقر بالمال ، وللولي ترك القصاص وأخذ المال ولم يكن به صريحا فيكون له أخذ المال ، ولو أقر بالعمد وادعى الولي الخطأ بطل حقه ; لأن تعذر استيفاء القصاص جاء من قبل من له الحق الزيادات ، ولو ادعى الولي العمد على رجلين ، فقال أحدهما : أنا قطعت يده عمدا ، وهذا الآخر قطع رجله عمدا وأنكر الآخر الجناية قال يقتص من المقر ; لأنهما تصادقا على وجوب القود ولم تتمكن الشبهة فيه حين أنكر الآخر الجناية ; لأنه يمكن الشبهة إنما يكون باختلاط الموجب وغير الموجب في المحل ، وذلك لا يتصور قبل وجوب الجناية من الآخر وإذا ادعى الولي الخطأ فلا شيء على المقر ; لأنه لما أنكر الآخر الجناية صار كالعدم ، فبطل دعواه الخطأ وإقرار القاتل بالعمد في هذا لا يجب شيء .

                                                                                        وإن مات رجل من قطع يده ورجله فقال رجل : قطعت يده عمدا وقال قطع عمرو رجله عمدا فقال الولي : بل أنت قطعتهما يجب القصاص عليه ; لأنهما تصادقا على وجوب القصاص والشركة لم تثبت لعدم دعواه ، فإن قال الولي : لا أدري من قطع رجله فلا شيء على قاطع اليد ; لأن قاطع الرجل مجهول يجوز أن يكون خاطئا أو صبيا أو مجنونا فتعذر إيجاب القصاص وتعذر استيفاء القصاص جاء من قبل من له الحق ، فإن جهل قاطع الرجل جهل قاطع اليد فلا يجب المال ، ولو قال الولي بعد ذلك فلان قطع رجله عمدا وأنكر فلان ليس له أن يقتل المقر قياسا ، وله أن يقتله استحسانا ; لأن الولد لا يعرف قاتل أبيه عند كثرتهم فيعذر في التناقض وعبر المؤلف بمن التي لفظها مفرد ومعناه جمع ; لأنه لا فرق في الحكم بين ما إذا كان الفاعل مفردا أو متعددا .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية