الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله ( وإن أقر كل واحد منهم أنه قتله وقال الولي قتلاه جميعا له قتلهما ، ولو كان مكان الإقرار شهادة لغت ) يعني لو أقر رجلان كل واحد منهما أنه قتل زيدا منفردا فقال الولي قتلاه جميعا له قتلهما ، وإن شهد اثنان على رجل أنه قتله وشهد آخران على آخر أنه قتله بطلت الشهادة والفرق بينهما أن كل واحد من الإقرار والشهادة يثبت أن كل القتل وجد من المقر والمشهود عليه ومقتضاه أن يجب القصاص عليه وحده ; لأن معنى قوله أنا قتلته انفردت بقتله وكذا قول الشهود قتله فلان يوجب انفراده بالقتل وقول الولي قتلهما تكذيب له حيث ادعى اشتراكهما في القتل .

                                                                                        فكأنه قال لم يفرد أحدكما بقتله بل شاركه الآخر ، وهذا القدر من التكذيب يمنع صحة قبول الشهادة لادعائه فسقهم به دون الإقرار ; لأن فسق المقر لا يمنع صحة الإقرار ، ولو قال في الإقرار صدقتما ليس له أن يقتل واحدا منهما ; لأن تصديق كل واحد منهما تكذيب للآخر ; لأن كل واحد منهما يدعي الانفراد بالقتل بتصديقه فوجب ذلك فصار كأنه قال لكل واحد منهما قتلت وحدك ولم يشاركك فيه أحد فيكون مقرا بأن الآخر لم يقتله بخلاف الأول ، وهو ما إذا قال قتلتماه تصديق لهما قلنا هو تصديق ضمني والضمني يتسامح فيه ما لا يتسامح في القصدي ، وهو قوله صدقتما ، ولو أقر رجل أنه قتله وقامت البينة على الآخر أنه قتله وقال الولي : قتله كلاكما كان له أن يقتل المقر دون المشهود عليه ; لأن فيه تكذيبا لبعض موجبه على ما مر وعلى هذا لو قال لأحد المقرين صدقت أنت قتلت وحدك كان له أن يقتله ; لأنهما تصادقا على وجوب القتل عليه وحده وكذا إذا قال لأحد المشهود عليهما أنت قتلته كان له أن يقتله لعدم تكذيب المشهود له ، وإنما كذب الآخرين وكذلك الحكم في الخطأ في جميع ما ذكرنا وفي الأصل ادعى الولي العمد أو الخطأ وصدق المدعى عليه أو كذب ويدخل فيه اختلاف الشاهدين الأصل إن تعذر استيفاء القصاص بعد ظهور القتل إن كان لمعنى من جهة الولي لا تجب الدية .

                                                                                        وإن كان لمعنى من جهة القاتل تجب الدية استحسانا ، فإنه يخرج على الأصل الذي قلنا فرع على ما إذا ادعى الولي الخطأ وأقر القاتل بالعمد فقال لو صدق الولي بعد ذلك القاتل وقال إنك قتلته عمدا فله الدية على القاتل بالعمد وعن أبي يوسف في نوادر ابن سماعة إذا ادعى الولي الخطأ وأقر القاتل بالعمد فعلى القاتل الدية وقال محمد رحمهما الله في الزيادات : ادعى رجل على رجلين أنهما قتلا وليه عمدا بحديدة فله عليهما القصاص فقال أحدهما : صدقت وقال الآخر ضربته أنا خطأ بالعصا ، فإنه يقضى لولي القتل عليهما بالدية في مالهما في ثلاثة سنين ، وهذا الذي ذكرناه استحسان والقياس أن لا يقضى عليهما بشيء ، ولو ادعى الولي العمد عليهما وصدقه أحدهما في ذلك وأنكر الآخر القتل فلا شيء على المقر وفي الخانية ، ولو ادعى الخطأ عليهما وأقر أحدهما بالعمد وجحد الآخر فلم يقض بشيء ، ولو ادعى العمد عليهما فأقر أحدهما وجحد الآخر القتل قتل المقر ، ولو أقر أحدهما بالعمد والآخر بالخطأ وأنكر شركة الخاطئ قتل العامد ، ولو قال رجل لرجل قتلت أنا وفلان وليك عمدا وقال فلان قتلناه خطأ وقال [ ص: 371 ] الولي للمقر بالعمد أنت قتلته وحدك عمدا ، فإن للولي أن يقتل المقر ، وإن ادعى الولي الخطأ في هذه الصورة لا يجب شيء .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية