الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله ( قال أحدكما حر فشجا فبين في أحدهما فأرشهما للسيد ) يعني إذا قال لعبديه أحدكما حر ثم شجا فبين في أحدهما العتق بعد الشج فأرشهما للمولى لأن العتق غير نازل في المعين فالشجة تصادف المعين فبقيا مملوكين في حق الشجة .

                                                                                        ولو قتلهما رجل واحد في وقت واحد معا تجب دية حر وقيمة عبد والفرق أن البيان إنشاء من وجه وإظهار من وجه على ما عرف وبعد الشجة بقي محلا للبيان فاعتبر إنشاء في حق المحل وبعد الموت لم يبق محلا للبيان فاعتبر إظهارا محضا فإذا قتلهما رجل واحد معا فأحدهما حر يجب عليه دية حر وقيمة عبد فيكون الكل نصفين بين المولى والورثة لعدم الأولوية وإن اختلفت قيمتهما يجب نصف قيمة كل واحد منهما ودية حر فيقسم مثل الأول بخلاف ما إذا قتلهما على [ ص: 439 ] التعاقب حيث تجب عليه قيمة الأول لمولاه ودية الثاني للورثة وبخلاف ما إذا قتل كل واحد منهما رجلا معا تجب قيمة المملوكين لأنا لم نتيقن بقتل كل واحد منهما حرا وكل منهما ينكر ذلك ولأن القياس يأبى ثبوت العتق في المجهول لأنه لا يفيد فائدته وإنما صححناه ضرورة صحة التصرف وأثبتنا له ولاية النقل من المجهول إلى المعلوم فيقدر بقدر الضرورة وهي النفس دون الأطراف والدية فبقي مملوكا في حقهما فتجب القيمة فيهما فيكون نصفين بين المولى والورثة فيأخذ هو نصف كل واحد منهما ويترك النصف لورثته لأن موجب العتق ثابت في أحدهما في حق المولى فلا بدل له فوزع ذلك عليهما نصفين .

                                                                                        وإن قتلاهما على التعاقب فعلى قاتل الأول قيمته للمولى لتعينه للرق وعلى قاتل الثاني ديته لورثته لتعينه للعتق بعد موت الأول وإن كان لا يدري أيهما قتل أولا فعلى كل واحد منهما قيمته وللمولى من كل واحد منهما نصف القيمة كالأول لعدم أولوية أحدهما بالتقدم وفي الجامع الصغير وإذا قال الرجل لعبدين له في صحته أحدكما حر ثم إن أحدهما قتل رجلا خطأ فالقاضي يجبر المولى على البيان فإن أوقع العتق على غير الجاني خير في الثاني بين الدفع والفداء وإن أوقع العتق على الجاني صار مختارا للفداء في الجاني فرق بين هذا وبين ما إذا باع عبدا على أنه بالخيار ثلاثة أيام فجنى العبد في يد البائع جناية موجبة للمولى في مدة الخيار بأن قتل رجلا خطأ فأجاز البائع البيع فيه مع العلم بالجناية لم يصر مختارا للفداء وإن أعجز نفسه عن الدفع مع العلم بالجناية وكذا إذا كان الخيار للمشتري فجنى العبد في مدة الخيار ثم رد المشتري العبد لا يكون مختارا للفداء وإن عجز نفسه عن الدفع بسبب الرد بالجناية ولو كان كل واحد من العبدين قتل رجلا خطأ بعد العتق المبهم ثم أوقع المولى العتق على أحدهما بعينه يخير بين الدفع والفداء في العبد الأخير وعليه قيمة العبد الذي أوقع فيه العتق لولي الجناية يريد إذا كانت قيمته أقل من الدية ولم يصر مختارا للفداء بصرف العتق إلى الجاني فرق بين هذا وبين ما لو طلق إحدى امرأتيه في صحته ثلاثا ثم مرض مرض الموت فأجبر على البيان فأوقع ذلك على أحدهما فإنه يصير فارا وإن كان مضطرا إلى البيان .

                                                                                        وكذلك لو كانت جناية أحد العبدين قطع يد وجناية الآخر قتل نفس خطأ كان الجواب كما قلنا ولو قال في صحته لعبدين قيمة كل واحد منهما ألف أحدكما حر ثم قتل أحدهما رجلا خطأ ثم مات المولى قبل البيان عتق من كل واحد منهما نصفه وسعى كل واحد منهما في نصف قيمته وللمجني عليه في مال المولى قيمة الجاني يريد به إذا كانت قيمته أقل من الأرش ويصير من جميع ماله ولا يصير المولى مختارا للفداء ولو كان كل واحد من العبدين قتل رجلا خطأ والمسألة بحالها سعى كل واحد من العبدين في نصف قيمته ولكل واحد من المجني عليهما في مال المولى قيمة العبد الذي جنى عليه ولم يصر المولى مختارا للفداء هذا الذي ذكرناه كله إذا أوقع المولى العتق المبهم على أحد عبديه قبل الجناية أما إذا كان إيقاع العتق المبهم بعد الجناية فقال رجل له عبدان قيمة كل واحد منهما ألف فقتل أحدهما قتيلا خطأ ثم قال المولى في صحته أحدكما حر وهو عالم بالجناية ثم مات المولى قبل البيان عتق من كل واحد منهما نصفه وسعى كل واحد منهما في نصف قيمته ويصير المولى مختارا للفداء في الجاني ثم إذا صار مختارا للفداء فمقدار القيمة معتبر من جميع المال وإذا جنى كل واحد من العبدين جناية والمسألة بحالها سعيا على الوجه الذي وصفناه وصار مختارا للفداء في الجنايتين ولكن تجب دية واحدة في مال المولى وقيمة العبدين .

                                                                                        ويكون ذلك من جميع المال وما زاد على القيمة إلى تمام الدية يعتبر من ثلث المال وتكون الجنايتان نصفين إذ ليس أحدهما أولى من الآخر قال في الجامع الصغير رجل له عبدان سالم ورابع فقتل سالم رجلا خطأ في صحة المولى فقال المولى أحدكما حر ثم قتل رابع رجلا آخر في صحة المولى ثم مات المولى قبل البيان عتق من كل واحد منهما نصفه وسعى كل واحد منهما في نصف قيمته ولزم المولى الفداء في قتل سالم وهذا منه اختيار للفداء إلا أن فداء سالم في الدية يعتبر من جميع المال وما زاد على ذلك إلى تمام الدية يعتبر من الثلث ولا يلزمه الفداء في قتل رابع ولو أن المولى لم يقل ما ذكر ولكن المولى أوقع العتق على سالم صار مختارا للفداء في قتل سالم وإن أوقع المولى العتق على رابع لم يصر مختارا .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية