الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله ( مرت دابة عليها قتيل بين قريتين فعلى أقربهما ) لما روي أنه صلى الله عليه وسلم { أمر في قتيل وجد بين قريتين بأن يذرع فوجد أحدهما أقرب بشبر فقضى عليهم بالقسامة } قيل هذا محمول على ما إذا كانوا بحيث يسمع منهم الصوت وأما إذا كانوا بحيث لا يسمع منهم الصوت فلا شيء عليهم لأنهم إذا كانوا بحيث لا يسمع منهم الصوت لا يمكنهم الغوث وهذا قول الكرخي رحمه الله تعالى وعبارة الماتن ظاهرها الإطلاق وأما إذا وجد في فلاة في أرض فإن كانت ملكا لإنسان فهما على المالك وإن لم تكن ملكا لأحد فإن كانت يسمع منها الصوت [ ص: 449 ] من مصر من الأمصار فعليهم القسامة وإن كان لا يسمع فإن كان للمسلمين فيها منفعة للاحتطاب والكلأ فالدية في بيت المال وإن انقطعت عنها منفعة المسلمين فدمه هدر فظهر أن قوله على أقربها إذا لم تكن الأرض ملكا لأحدكما قال إذا كان يسمع منها الصوت من المصر وهو أحد القولين في القريتين إذا وجد قتيل بينهما وقوله بين قريتين مثال وكذا لو وجد بين قبيلتين أو بين محلتين قال في المحيط أما إذا وجد في فلاة مباح فإن وجد في خيمة أو فسطاط فالقسامة على مالكها والدية على من يسكنها لأنها في يده كما في الدار وإن كان خارجا عنها فعلى القبيلة التي وجد فيها القتيل لأنهم لما نزلوا قبائل في أماكن مختلفة صارت الأمكنة بمنزلة المحال المختلفة في المقر ألا ترى أنه ليس لغيرهم إزعاجهم عن هذا المكان .

                                                                                        ولو وجد بين القبيلتين فعلى أقربهما فإن استويا فعليهما كما لو وجد بين المحلتين وبين القريتين هذا إذا نزلوا بين قبائل متفرقين فإن نزلوا جملة مختلطين ووجد القتيل خارج الخيام فعلى أهل العسكر كلهم لأنهم لما نزلوا جملة صارت الأمكنة كلها بمنزلة محلة واحدة لأن الأمكنة كلها منسوبة إلى جميع العسكر لا إلى البعض وإن كان العسكر في أرض رجل فالقسامة والدية عليه لأن العسكر في هذا المكان بمنزلة السكان والقسامة والدية على الملاك دون السكان بالإجماع وهما سويا بين هذه وبين الدار وأبو يوسف رحمه الله تعالى فرق فإن عنده في الدار تجب على السكان دون الملاك والفرق أن العسكر نزلوا في هذا المكان للانتقال والارتحال لا للقرار وما لا قرار له وجوده وعدمه بمنزلة فأما السكان في الدار للقرار لا للانتقال والفرار فلا بد من اعتباره وإن كان أهل العسكر قد لقوا عدوهم فلا قسامة ولا دية لأن الظاهر أنه قتل العدو ولو جرح في محلة أو قبيلة فحمل مجروحا ومات في محلة أخرى من تلك الجراحة فالقسامة والدية على أهل المحلة التي جرح فيها لأن القتل حقيقة وجد في المحلة الأولى دون الأخرى رجل جرح وحمله إنسان من أهله فمكث يوما أو يومين ثم مات لم يضمن الحامل عند أبي يوسف .

                                                                                        وفي قياس أبي حنيفة يضمن وهذا بناء على ما إذا جرح في قبيلة ثم مات في أهل قبيلة أخرى لأن يده بمنزلة المحلة فصار وجوده مجروحا في يده كوجوده في محلته .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية