( قوله وإن خرج من المسجد بظن الحدث أو جن أو احتلم أو أغمي عليه استقبل ) أما فسادها بالخروج من المسجد لتوهم الحدث ولم يكن موجودا فلوجود المنافي من غير عذر والقياس فسادها بالانحراف عن القبلة مطلقا لما ذكرنا لكن استحسنوا بقاءها عند عدم الخروج ; لأنه انصرف على قصد الإصلاح ; لأنه لو تحقق ما توهمه بنى على صلاته فألحق قصد الإصلاح بحقيقته ما لم يختلف المكان بالخروج ، وقد فهم بعضهم من هذا كما ذكره في التجنيس أن المصلي إذا حول صدره عن القبلة لا تفسد صلاته وأن القول بفسادها أليق بقولهما وليس بشيء ; لأن أبا حنيفة إنما قال بعدم فساد صلاته عند عدم الخروج لأجل أنه معذور بتوهم الحدث ، وأما من حول صدره عن القبلة فهو متمرد عاص لا يستحق التخفيف فالقول بالفساد أليق بقول الكل كما لا يخفى ، قيد بظن الحدث ; لأنه لو ظن أنه افتتح على غير وضوء أو كان ماسحا على الخفين فظن أن مدة مسحه قد انقضت أو كان متيمما فرأى سرابا فظنه ماء أو كان في الظهر فظن أنه لم يصل الفجر أو رأى حمرة في ثوبه فظن أنها نجاسة فانصرف حيث تفسد صلاته ، وإن لم يخرج من المسجد ; لأن الانصراف على سبيل الرفض ، ولهذا لو تحقق ما توهمه يستقبل وهذا هو الأصل والاستخلاف كالخروج من المسجد ; لأنه عمل كثير فيبطلها وإنما عبر بالظن دون التوهم ; لأنه الطرف الراجح والوهم هو الطرف المرجوح وصور مسألة الظن الشمني بأن خرج شيء من أنفه فظن أنه رعف فظاهره أنه لو لم يكن للظن دليل بأن شك في خروج [ ص: 395 ] ريح ونحوه فإنه يستقبل مطلقا بالانحراف عملا بما هو القياس لكني لم أره منقولا وإنما في التجنيس لو شك الإمام في الصلاة فاستخلف فسدت صلاتهم
ولو خاف سبق الحدث فانصرف ، ثم سبقه الحدث فالاستئناف لازم عند أبي حنيفة خلافا لأبي يوسف كذا في المجمع ، والدار ومصلى الجنازة والجبانة كالمسجد إذ له حكم البقعة الواحدة كذا قالوا إلا في المرأة فإنها إن خرجت عن مصلاها فسدت صلاتها وليس البيت لها كالمسجد للرجل ، وقال القاضي الإمام أبو علي النسفي لا تفسد صلاتها والبيت لها كالمسجد للرجل كذا في فتاوى قاضي خان ، وإن كان يصلي في الصحراء فمقدار الصفوف له حكم المسجد إن مشى يمنة أو يسرة أو خلفا ، وإن مشى أمامه وليس بين يديه سترة فالصحيح هو التقدير بموضع السجود ، وإن كان وحده فمسجده موضع سجوده من الجوانب الأربع إلا إذا مشى أمامه وبين يديه سترة فيعطى لداخلها حكم المسجد كذا في البدائع ، وفي فتح القدير والأوجه إذا لم يكن سترة أن يعتبر موضع سجوده ; لأن الإمام منفرد في حق نفسه والمنفرد حكمه ذلك ا هـ .
وهذا البحث هو ما صححه في البدائع فعلم أن ما في الهداية من أن الإمام إذا لم يكن بين يديه سترة فمقدار الصفوف خلفه ضعيف
وأما فسادها بما ذكر من الجنون والإغماء والاحتلام فلأنه يندر وجود هذه العوارض فلم تكن في معنى ما ورد به النص من القيء والرعاف ، وكذلك إذا قهقه ; لأنه بمنزلة الكلام وهو قاطع لقوله عليه الصلاة والسلام { وليبن على صلاته ما لم يتكلم } ، وكذا لو نظر إلى امرأة فأنزل . ومحل الفساد بهذه الأشياء قبل القعود قدر التشهد أما بعده فلا لما سنذكره من أن تعمد الحدث بعده لا يفسدها فهذا أولى ، ولا يخلو الموصوف بها عن اضطراب أو مكث وكيفما كان فالصنع منه موجود على القول باشتراطه للخروج ، أما في الاضطراب فظاهر ، وأما في المكث فلأنه يصير به مؤديا جزءا من الصلاة مع الحدث والأداء صنع منه ، وفي العناية وإنما قال أو نام فاحتلم ; لأن النوم بانفراده ليس بمفسد ، وكذا الاحتلام المنفرد عن النوم وهو البلوغ بالسن فجمع بينهما بيانا للمراد ا هـ .
فعلى هذا الاحتلام هو البلوغ أعم من الإنزال أو السن فالمراد في المختصر هو الأول ، وفي الظهيرية المصلي إذا نعس في صلاته فاضطجع قيل تنتقض طهارته فيتوضأ ويبني وقيل لا تفسد صلاته ولا تنتقض طهارته ا هـ .
ولعل المصنف إنما عبر بالاستقبال في هذه المسائل كغيره دون الفساد لما أن الفساد فيها ليس مقصودا فيثاب على ما فعله منها بخلاف ما إذا أفسدها قصدا فإنه لا ثواب له فيما أداه بل يأثم ; لأن قطعها لغير ضرورة حرام ( قوله ، وإن سبقه حدث بعد التشهد توضأ وسلم ) ; لأن التسليم واجب ولا بد له من الوضوء ليأتي به فالوضوء والسلام واجبان فلو لم يفعل كره تحريما .
والشروط التي [ ص: 396 ] قدمناها لصحة البناء لا بد منها للسلام حتى لو لم يتوضأ فورا أو أتى بمناف بعده فاته السلام ووجب عليه إعادتها لإقامة الواجب ; لأنه حكم كل صلاة أديت مع كراهة التحريم ، وإن كان إماما استخلف من يسلم بالقوم .
( قوله وإن تعمده أو تكلم تمت صلاته ) أي تعمد الحدث لحديث الترمذي عن ابن عمر قال { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أحدث يعني الرجل ، وقد جلس في آخر صلاته قبل أن يسلم فقد جازت صلاته } ومعنى قوله تمت صلاته تمت فرائضها ، ولهذا لم تفسد بفعل المنافي وإلا فمعلوم أنها لم تتم بسائر ما ينسب إليها من الواجبات لعدم خروجه بلفظ السلام وهو واجب بالاتفاق حتى أن هذه الصلاة تكون مؤداة على وجه مكروه فتعاد على وجه غير مكروه كما هو الحكم في كل صلاة أديت مع الكراهة كذا في شرح منية المصلي ، وفيه أنه لا خلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه في أن من سبقه الحدث بعده يتوضأ ويسلم وإنما الخلاف فيما إذا لم يتوضأ حتى أتى بمناف فعند أبي حنيفة بطلت صلاته لعدم الخروج بصنعه وعندهما لا تبطل ; لأنه ليس بفرض عندهما ا هـ .
وفيه نظر بل لا يكاد يصح ; لأنه إذا أتى بمناف بعد سبق الحدث فقد خرج منها بصنعه ، ولهذا قال الشارح الزيلعي ، وكذا إذا سبقه الحدث بعد التشهد ، ثم أحدث متعمدا قبل أن يتوضأ تمت صلاته ولم يحك خلافا وإنما ثمرة الخلاف تظهر فيما إذا خرج منها لا بصنعه كالمسائل الاثني عشرية كما سنقرره إن شاء الله تعالى .
وشمل تعمد الحدث القهقهة عمدا فصلاته تامة وبطل وضوءه لوجودها في أثناء الصلاة فصار كنية الإقامة في هذه الحالة ، وكذا لو قهقه في سجود السهو ، وإن قهقه الإمام أو أحدث متعمدا ثم قهقه القوم فعليه الوضوء دونهم لخروجهم منها بحدث الإمام بخلاف قهقهتهم بعد سلامه ; لأنهم لا يخرجون منها بسلامة فبطلت طهارتهم ، وإن قهقهوا معا أو القوم ثم الإمام فعليهم الوضوء .
والحاصل أن القوم يخرجون من الصلاة بحدث الإمام عمدا اتفاقا ، ولهذا لا يسلمون ولا يخرجون منها بسلامه عندهما خلافا لمحمد ، وأما بكلامه فعن أبي حنيفة روايتان في رواية كالسلام فيسلمون وتنتقض طهارتهم بالقهقهة ، وفي رواية كالحدث العمد فلا سلام ولا نقض بها كذا في المحيط .


