الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله ( ولا يضرب الموصى له بأكثر من الثلث إلا في المحاباة والسعاية والدراهم المرسلة ) عنده وعندهما الثلث بينهما أرباعا بينهم سهم لصاحب الثلث وثلاثة أسهم لصاحب الجميع ، وقد بيناه فيضرب الموصى له بما زاد على الثلث لأن الموصي قصد شيئين الاستحقاق والتفصيل وامتنع الاستحقاق لحق الورثة ولا مانع من التفصيل فيثبت كما في السعاية ، وأختيها ولأبي حنيفة أن الوصية بما زاد على الثلث وقعت بغير مشروع عند عدم الإجازة من الورثة إذ لا يتصور نفاذها بحال فتبطل أصلا ولا يعتبر الباطل .

                                                                                        والتفصيل ثبت في ضمن الاستحقاق فيبطل ببطلان الاستحقاق كالمحاباة الثابتة في ضمن البيع فتبطل ببطلان البيع بخلاف الوصية بالدراهم المرسلة ، وأختيها لأن لها نفاذا في الجملة بدون إجازة الورثة بأن كان في المال سعة فيعتبر فيها التفاضل فيضرب كل واحد منهم بجميع حقه لكونه مشروعا ، ولاحتمال أن يصل كل واحد منهم إلى جميع حقه بأن يظهر له مال فيخرج الكل من الثلث ، وقال في الهداية ، وهذا بخلاف ما إذا أوصى بعين من تركته قيمتها تزيد على الثلث فإنه يضرب بالثلث ، وإن احتمل أن يزيد المال فيخرج من الثلث لأن هناك [ ص: 468 ] الحق يتعلق بعين التركة بدليل أنها لو هلكت التركة ، واستفاد مالا آخر تبطل الوصية ، وفي الدراهم المرسلة لو هلكت الدراهم تنعقد فيما يستفاد فلم يكن متعلقا بعين ما تعلق به حق الورثة ، وهذا ينتقض بالمحاباة فإنها تعلقت بالعين مثله ، ومع هذا يضرب بما زاد على الثلث ، وقول المؤلف إلا في المحاباة أي في ثلاث مسائل أحدها المحاباة والثانية السعاية والثالثة الدراهم المرسلة أي المطلقة ، وعندهما الثلث بينهما أرباعا سهم لصاحب الثلث وثلاثة أسهم لصاحب الجميع فيضرب الموصى له بما زاد على الثلث لأن الوصية أخت الميراث ، والوارث يضرب بكل حقه في التركة فكذا هذا ، وبه قالت الثلاثة ، وله أن الموصى له يضرب بما يستحقه ، وهو لا يستحق ما وراء الثلاث إلا بإجازة الورثة ، ولم توجد بخلاف الدراهم المرسلة ، وأختيها لأن لها نفاذا في الجملة بدون إجازة الورثة بأن كان في المال سعة فيعتبر فيها التفاضل فيضرب كل واحد منهم بجميع حقه لكونه مشروعا

                                                                                        صورة المحاباة أن يكون عبدان قيمة أحدهما ألف ومائة ، وقيمة الآخر ستمائة ، وأوصى بأن يباع واحد منهما بمائة درهم لفلان ، ولآخر بمائة لفلان آخر فقد حصلت المحاباة لأحدهما بألف درهم والآخر بخمسمائة فإن خرج ذلك من ثلث المال أو أجازت الورثة جاز ذلك ، وإن لم يكن له مال غيرهما أو لم تجز الورثة جاز محاباتهما بقدر الثلث فيكون الثلث بينهما أثلاثا يضرب الموصى له بالألف بحسب وصيته ، وهي الألف ، والموصى له الآخر بحسب وصيته ، وهي خمسمائة فلو كان هذا كسائر الوصايا وجب أن لا يضرب الموصى له بألف على قياس قوله بأكثر من خمسمائة وستة وستين وثلثي درهم لأن عنده الموصى له بأكثر من الثلث لا يضرب إلا بالثلث ، وهذا ثلث ماله صورة السعاية أن يوصي بعتق هذين العبدين قيمة أحدهما ألف ، وقيمة الآخر ألفان ولا مال له غيرهما فإن أجازت الورثة يعتقان معا ، وإن لم تجز الورثة يعتقان من ثلث المال وثلث ماله ألف الثلث الذي قيمته ألف فيعتق منه هذا القدر مجانا ، وهو ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون ، والثلث الذي قيمته ألفان في ألف ، وخمسمائة ثلاثة أرباع قيمته لأنه حينئذ لا يضرب الذي قيمته ألفان إلا بألف فوجب أن يكون بينهما نصفان صورة الدراهم المرسلة أن يوصي لأحدهما بألف ، ولآخر بألفين وثلث ماله ألف ، ولم تجز الورثة يكون الثلث بينهما أثلاثا يضرب كل واحد منهما بقدر حصته فللموصى له بالألف ثلثه ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث درهم ، وللموصى له بألفين صفقة ستمائة وستة وستون وثلثا درهم .

                                                                                        وكان قياس أصل أبي حنيفة أن يكون الألف بينهما نصفين كذا في العيني قال في المبسوط فصل في البيع في الثلث ، وهو على نوعين بيع لا محاباة ، والثاني بيع فيه محاباة ، وإذا ترك عبدا لا غير ، وقيمته ألف ، وقد أوصى أن يباع من فلان بألف ثم أوصى به فهو على ثلاثة أوجه أما إن أوصى بالعين أو بالمال أو بالثلث فإن أوصى به بعينه بعد ذلك أو قبله لآخر فلم تجز الورثة أو أجازت ، ولم يجز صاحبه فللموصى له بالرقبة سدس العبد ، ويباع ما بقي من الآخر بخمسة أسداس الألف فيكون للورثة قيل هذا قولهما ، وعند أبي حنيفة نصف سدس العبد للموصى له بالرقبة ، ويباع خمسة أسداسه ، ونصف سدسه من الآخر بقيمته فيكون للورثة فتخريجهما أن حقهما في الثلث قد استويا في حق الوصايا عندهما لأنه أوصى لكل واحد منهما بكل العبد لأحدهما بالبيع ، وللآخر بالرقبة فيجعل الثلث بينهما نصفين ، وإذا صار الثلث على سهمين صار الكل على ستة أسهم يسلم للموصى له بالرقبة نصف الثلث ، وذلك سدس الكل ، ويباع الباقي من الموصى له بالبيع ، ويكون الثمن كله للورثة لا حق لصاحب الرقبة فيه لأن الوصية بالرقبة وصية بالعين ألا ترى أنه لو هلكت العين بعد موت الموصي بطلت الوصية والتخريج لأبي حنيفة أن للموصى له بالرقبة جزءا من اثني عشر جزءا من الرقبة لأن وصية صاحب الرقبة فيما زاد على الثلث تبطل ضربا ، واستحقاقا عنده فيضرب هو في الثلث بقدر الثلث .

                                                                                        وللموصى له بالبيع يضرب بجميع الرقبة ، وذلك ثلاثة لأن شيئا من وصيته لا يبطل بعد إجازة الورثة فصار الثلث على أربعة ، والعبد كله على اثني عشر سهما يسلم لصاحب الرقبة سهم من ثلاثة ، وذلك جزء من اثني عشر جزءا ، ويباع الباقي بأحد عشر جزءا من الألف ، وقيل المذكور في الكتاب قول الكل ، وإن أجازوا ، ورضي بذلك صاحب البيع يضرب كل واحد بكمال وصيته فيقسم نصفين نصفه لصاحب الرقبة ، ونصفه يباع من الآخر فيكون ثمنه بين الورثة لأن حقيهما قد استويا عند إجازة الورثة فتساويا [ ص: 469 ] ضربا واستحقاقا ، وقيل عند أبي حنيفة على أربعة أوجه ، والوجه الثاني لو أوصى أن يباع العبد من رجل بألف ، وأوصى بجميع ماله لآخر فهذا كالمسألة الأولى في قول أبي حنيفة إلا أن صاحب الجميع يأخذ سدس الألف من الورثة من جملة الثمن مع أخذه من سدس الرقبة ، وفي المسألة الأولى ليس له من الثمن شيء لأنه أوصى له بالمال هنا ، والثمن لمالك الرقبة فيجوز تنفيذ ثمنه في الثمن ، وهناك أوصى له بالعين ، وهي الرقبة والثمن غير فلا يمكن تكميل وصيته من الثمن ، وإن أجازوا بيع نصف العبد ثم أخذ صاحب الجميع ثمنه فلا شيء للورثة ، وقيل عند أبي حنيفة إن لم يجيزوا فمن اثني عشر كما في المسألة الأولى فهما مرا على أصلهما ، وعلى قول أبي يوسف ينبغي أن يباع العبد كله من الموصى له بالبيع بألف ثم يعطى الموصى له بالمال ثلث الثمن لأن هذا أمكن تنفيذ الوصيتين لاختلاف محل حقهما لأن حق أحدهما في الرقبة ، وحق الآخر في مطلق المال .

                                                                                        والثمن مال كالرقبة فتنفذ كلاهما لهما لما مات الموصي جاء أولا تنفيذ الوصية ، ومحل ذلك ماله ، والرقبة ماله فتنفذ فيها ولا يجوز التأخير إذ في التأخير توهم الإبطال بهلاك الموصى به ، والوجه الثالث لو أوصى أن يباع من فلان بألف ، وأوصى بثلث ماله لآخر فقول محمد كقول أبي حنيفة في هذا يأخذ صاحب الثلث جزءا من اثني عشر جزءا من الرقبة ، ويباع الباقي من الموصى له بالبيع يأخذ أحد عشر جزءا من الألف إلا أن صاحب الثلث يأخذ من الثمن تمام الثلث ثم موصى له بثلث ماله ، والثمن ماله ، وعند أبي يوسف يباع الكل من الموصى له بالبيع ، ويعطى من الثلث الثمن إلى صاحبه ، ولو أوصى بالعبد إلى رجل ، وقيمته ألف ، وأوصى أن يباع من آخر بمائة درهم فعند أبي حنيفة نصف السدس من العبد للموصى له به ، ويباع الباقي من صاحب البيع من ثلثي قيمة العبد فيسلم للورثة لأن عنده يصير الثلث على أربعة أسهم لصاحب الرقبة ربع السدس ، وهو جزء من اثني عشر جزءا ، ويباع الباقي من صاحب البيع بثلثي قيمة العبد بثلث قيمته ، وذلك ستمائة وستة وستون وثلثان فيسلم ذلك للورثة لأنهما وصيتان وصية بالبيع ، ووصية بالمحاباة في الثمن لأن الوصية بالمحاباة إنما تنفذ من الثلث فينظر إلى ما بقي من الثلث بعدما أخذ صاحب الرقبة ، وذلك ثلاثة أجزاء فيسلم ذلك المقدار له وما بقي ، وهو ثلث المال حق الورثة ، وعنده الوصية بالمحاباة مقدمة على سائر الوصايا ، ولكن محاباة منفذة تثبت في ضمن عقد لازم لا يملك الموصي الرجوع عنها .

                                                                                        وهذا وصية بمحاباة غير منفذة ، وعند محمد لصاحب الرقبة سدس العبد ، ويباع الباقي بثلثي الألف لأن حقهما في الثلث على السواء فيضرب كل واحد منهما بجميع حقه فيكون الثلث بينهما نصفين نصفه لصاحب الرقبة ، ونصفه يباع من صاحب البيع بثلثي القيمة فإن كان أوصى بجميع ماله لرجل ، وأن يباع من آخر بمائة ، ولم تجز الورثة فقياس قول أبي حنيفة أن يكون للموصى له جميع المال ثلث العبد ، ويباع ما بقي ، وهو أحد عشر جزءا من اثني عشر جزءا بمائتي سهم وثلث ، وبمائتي سهم وربع من أربعمائة أو سبعة عشر سهما من قيمة العبد يأخذ الموصى له بالمال خمسة أسهم ، وربع سهم من الثمن تمام وصيته ومائتان وثمانية وسبعون للورثة ، وعند محمد سدس العبد للموصى له بالمال ، ويباع خمسة أسداسه من الآخر سبعة وعشرين من اثنين وأربعين من قيمة العبد سهم للموصى له بالمال تمام وصيته وثمانية وعشرون للورثة ، وهذه المسألة ملقبة بالعروس لحسن تخريجها ووضوح طريقها أما تخريجها لمحمد أن حق الموصي في الثلث على السواء فيسلم للموصى له بالمال نصف الثلث ، وهو سدس العبد ، ويباع خمسة أسداسه من الآخر بسبعة وعشرين من اثنين وأربعين من قيمة العبد إذ هذان وصيتان وصية بجميع المال ، ووصية بالمحاباة لصاحب البيع بسبعمائة إلا أنه قد بطل من وصيته سدسه ، وذلك مائة وخمسون من تسعمائة لأن سدس الرقبة صار مستحقا للموصى له بالمال بوصيته فبطلت فيه الوصية بالبيع .

                                                                                        والوصية بالمحاباة في ضمن الوصية بالبيع فتبطل ببطلانها ألا ترى أن الموصى له بالبيع لو قال لا أريد الشراء ، وأريد المحاباة لا يكون له ذلك فبقيت الوصية في سبعمائة وخمسين ، وهو يضرب بالثلث بهذا القدر في الآخر يضرب بجميع المال ، وذلك القدر لأنه ، وإن أخذ سدس المال وكفى ، ولكن يضرب بجميع المال لتيقن مقدار حقه فيحسب عليه ما أخذه من الرقبة ، وهو السدس ويعطى له ما بقي فصار حقه في أربعة أسهم ، وحق الموصى له بالبيع في ثلاثة أسهم [ ص: 470 ] كل سهم مائتان وخمسون فتكون جملته سبعة فصار الثلث على سبعة صار الكل أحدا وعشرين فحق صاحب المال أربعة ، وقد سلم له ثلاثة ونصف ، وهو سدس العبد بقي له نصف سهم إلى تمام حقه ، وحق الورثة في أربعة عشر فظهر أن خمسة أسداس العبد تباع من صاحب البيع بأربعة عشر سهما سهم تمام حقه فقد نفذنا وصية المحاباة في ثلاثة فتكون الجملة على سبعة ، والباقي للورثة ، وهو أربعة فاستقام الثلث والثلثان ومحمد أخرجه على ضعف ذلك تحرزا ، وأما تخريج أبي يوسف أنه يباع جميع العبد من الموصى له بالبيع بثمانية وأربعين سهما من سبعة وخمسين سهما من قيمة العبد لأنه اجتمع هاهنا وصيتان وصية بالألف ، ووصية بالمحاباة بتسعمائة فاجعل كل مائة سهما فيصير حق أحدهما عشرة .

                                                                                        وحق الآخر تسعة فتكون جملته تسعة عشر سهما فهذا سهام الثلث فتكون الجملة سبعة وخمسين لصاحب المحاباة تسعة أسهم فيباع العبد بما بقي ، وذلك ثمانية وأربعون فيعطي لصاحب المال عشرة ، وللورثة ثمانية وثلاثين فاستقام الثلث والثلثان ، وأما تخريج أبي حنيفة ، وهو أن هنا وصيتين وصية بالألف ، ووصية بالمحاباة تسعمائة إلا أن وصية الألف فيما زاد على الثلث تبطل ضربا ، واستحقاقا عند عدم إجازة الورثة فبقي حقه في ثلث الألف ، ويبطل من وصية المحاباة سهم ، وذلك خمسة وسبعون لأنه بطل الوصية بالبيع في نصف سدس الرقبة لاستحقاق الموصي بالمال لما بينا في حقه في ثمانمائة وخمسة وعشرين فخمسة وعشرون ربع ماله ، وقد انكسر ذلك بالأرباع ، وحق صاحب المال في ثلث الألف ، وذلك ثلثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث فقد انكسر بالأثلاث فاضرب ثلاثة في أربعة فيكون اثني عشر ثم اجعل كل مائة على اثني عشر كل سهم ثمانية دراهم وثلث درهم فصار حق صاحب المال أربعين سهما ، وحق صاحب البيع تسعة ، وتسعين سهما فيكون الثلث مائة وتسعة وثلاثين سهما فيكون كل المال أربعمائة وسبعة عشر سهما فحق صاحب المال أربعون سهما ، وصل إليه من ذلك أربعة وثلاثون وثلاثة أرباع سهم لأنه ، وصل إليه من العبد نصف سدسه ، وذلك جزء من اثني عشر جزءا فصار العبد على أربعمائة وأربعة عشر سهما جزءا من اثني عشر جزءا منه يكون أربعة وثلاثين وثلاثة أرباع سهم بقي إلى تمام حقه خمسة أسهم وربع سهم ، وحق الورثة مائتان وثمانية وسبعون .

                                                                                        وإذا أوصى أن يباع من الرجل بألف ، وهي قيمته ، ولآخر بثلث ماله قال أبو يوسف لا شيء لصاحب الثلث من الرقبة ، ويباع العبد فيكون له ثلث ثمنه ، وقد ذكرنا هذا فيما أوصى لرجل بجميع ماله ، وقولهما في هذا معروف .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية