الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله ( والمسابقة بالفرس والإبل والأرجل والرمي جائزة ) لقوله صلى الله عليه وسلم { لا سبق إلا في خف أو نعل أو حافر وأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لسلمة بن الأكوع أن يسابق رجلا كان لا يسابق أبدا فسبقه سلمة بن الأكوع } وقال الزهري كانت المسابقة بين أصحاب رسول صلى الله عليه وسلم بالخيل والركاب والأرجل ولأن الغزاة يحتاجون إلى رياضة خيلهم وأنفسهم والتعلم للكلب والقدد مباح قال رحمه الله ( وحرم شرط الجعل من الجانبين لا من أحد الجانبين ) لما روى ابن عمر رضي الله عنهما { أن النبي صلى الله عليه وسلم سبق بالخيل وراهن } ومعنى شرط الجعل من الجانبين أن يقول إن سبق فرسك فلك علي كذا ، وإن سبق فرسي فلي عليك كذا وهو قمار فلا يجوز ; لأن القمار من القمر الذي يزاد تارة وينقص أخرى وسمي القمار قمارا ; لأن كل واحد من القمارين ممن يجوز أن يذهب ماله إلى صاحبه ويجوز أن يستفيد مال صاحبه فيجوز الازدياد والنقصان في كل واحدة منهما فصار ذلك قمارا وهو حرام بالنص ولا كذلك إذا شرط من جانب واحد بأن يقول إن سبقتني فلك علي كذا ، وإن سبقتك فلا شيء لي عليك ; لأن النقصان والزيادة لا يمكن فيهما وإنما في أحدهما يمكن الزيادة وفي الأخرى النقصان فلا يكون مقامرة ; لأن المقامرة مفاعلة منه فيقتضي أن يكون من الجانبين وإذا لم يكن في معناه جاز استحسانا لما روينا والقياس أنه لا يجوز لما فيه من تعليق الملك على الخطر ولهذا لا تجوز فيما عدا الأربعة المذكورة في الكتاب كالبغل ، وإن كان الجعل مشروطا من أحد الجانبين وفي الحديث إشارة إليه ; لأنه خصص هؤلاء والمراد به الاستباق بلا جعل يجوز في كل شيء ولا يمكن إلحاق ما شرط فيه الجعل ; لأنه ليس في معناه ; لأن المانع فيه من وجهين القمار والتعليق بالخطر ، وفي الآخر من وجه واحد هو التعليق بالخطر لا غير فليس بمثل له حتى يقاس عليه وشرطه أن تكون الغاية مما تتحملها الفرس ، وكذا شرطه أن يكون في كل واحد من الفرسين احتمال السبق .

                                                                                        أما إذا علم أن أحدهما يسبق لا محالة فلا يجوز ; لأنه إنما جاز لحاجة الرياضة على خلاف القياس وليس في هذا إيجاب المال للغير على نفسه بشرط لا منفعة فيه فلا يجوز ولو شرط الجعل من الجانبين وأدخلا ثالثا محللا جاز إذا كان فرس المحلل كفؤا لفرسيهما يجوز أن يسبق أو سبق فلا محالة وإلا فلا يجوز لقوله صلى الله عليه وسلم { من أدخل فرسا بين الفرسين وهو لا يأمن أن يسبق فلا بأس } رواه أحمد وأبو داود وغيرهما وصورة إدخال المحلل أن يقول للثالث إن سبقتنا فالمالان لك ، وإن سبقناك فلا شيء لنا عليك ولكن الشرط الذي شرطناه بينهما وهو أن أيهما سبق كان له الجعل على صاحبه [ ص: 555 ] باق على حاله ويأخذ أيهما غلب المال المشروط له من صاحبه وإنما جاز هذا ; لأن الثالث لا يغرم على التقادير كلها قطعا ويقينا ، وإنما يحتمل أن يأخذ أولا يأخذ فخرج بذلك من أن يكون قمارا فصار كما إذا شرط من جانب واحد ; لأن القمار هو الذي يستوفى فيه من الجانبين في احتمال الغرامة على ما بيناه ، ولو قال واحد من الناس لجماعة من الفرسان أو للاثنين فمن سبق فله كذا من مال نفسه أو قال للرماة من أصاب الهدف فله كذا جاز ; لأنه من باب التنفيل فإذا كان للتنفيل من بيت المال كالسلب ونحوه يجوز فما ظنك بخالص ماله .

                                                                                        فصار أنواع السبق أربعة : ثلاثة منها جائزة وواحدة منها لا تجوز ، وقد ذكرنا الجميع ويعرف ذلك بالتأمل وعلى هذا الفقهاء إذا تنازعوا في المسائل وشرط للمصيب منهم جعلا جاز ذلك إذا لم يكن من الجانبين على ما ذكرنا في الخيل ; لأن المعنى يجمع الكل إذ التعليم في البابين يرجع إلى قوة الدين أو إعلاء كلمات الله تعالى والمراد بالجواز المذكور في باب المسابقة الحل لا الاستحقاق حتى لو امتنع المغلوب من الدفع لا يجبره القاضي فلا يقضي عليه به ، وقد قدمنا ذلك فيما تقدم .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية