الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله ( لا بنكاح محرم ) أي لا يرث الكافر بنكاح محرم كما إذا تزوج مجوسي بأمه أو غيرها من المحارم لا يرث منها بالنكاح أما عندهما فظاهر ; لأن النكاح لا يصح ، وأما عند أبي حنيفة فإنه ، ولو كان له حكم الصحة لكن لا يقر عليه إذا أسلما فكان كالفاسد وفي المضمرات اعلم بأن الكفار يتوارثون فيما بينهم بالأسباب التي يتوارث بها المسلمون من نسب أو سبب أو نكاح ولا خلاف أنهم لا يرثون بالأنكحة التي لا تصح بين المسلمين بحال نحو نكاح المحارم بسبب أو رضاع ونكاح المطلقة قبل التزوج بزوج آخر واختلفوا في التوريث بحكم النكاح في العدة والنكاح بغير شهود قال زفر : لا يتوارثون وقال أبو حنيفة يتوارثون وقال أبو يوسف : يتوارثون في النكاح بغير شهود ولا يتوارثون بالنكاح في العدة وهذا بناء على اختلافهم في تقريرهم [ ص: 572 ] على هذه الأنكحة إذا أسلموا ، وقد بينا ذلك في النكاح ولا خلاف بين أصحابنا أن الكافر الحربي لا يرث الذمي سواء كان الحربي مستأمنا في دارنا أو في دار الحرب وأهل الذمة يرث بعضهم بعضا ، وإن اختلفت صورة مللهم عند عامة الصحابة ; لأن الكفر كله ملة واحدة فجعلوا اليهود والنصارى ملة وكان أبو حنيفة وأصحابه يورثون أهل الحرب بعضهم من بعض إذا كانوا من أهل دار واحدة .

                                                                                        وإن اختلفت الداران لم يورثوا وتفسير اختلاف الدارين أن يكونا ملكين في موضعين ويرى كل واحد قتل الآخر ، وإن اتفقت الملل وهذا بخلافنا فإن أهل العدل مع أهل البغي يتوارثون فيما بينهم ; لأن دار الإسلام دار الأحكام فباختلاف الملك والمنفعة لا تتغير الدار فيما بين المسلمين ; لأن أحكام الإسلام تجمعهم ، وأما دار الحرب فليست بدار الأحكام بل هي دار قهر وباختلاف الملل تختلف الدار بينهم ، واختلاف الدارين يقطع التوارث وكذلك إذا خرجوا إلينا بأمان يعني أهل الدارين المختلفين بينهم من أهل الحرب ، وإن كانوا مستأمنين فيجعل كل واحد منهم في الحكم كأنه في البقعة التي خرج منها بأمان ، بخلاف ما إذا صاروا ذمة لأهل الإسلام يتوارثون فيما بينهم بعد ذلك كما لو أسلموا فإنه يجري التوارث بعدما مات بينهم ، وإن اختلفت منعتهم في حالة الكفر جئنا إلى المسائل ذمي مات وخلف ورثة في دار الحرب فماله فيء سواء كانت الورثة في دار الحرب أو في دار الإسلام معاهدين ، ولو مات اليهودي وترك ابنا يهوديا في دار الإسلام يؤدي الجزية وابنا له في دار الحرب فالمال كله للابن اليهودي الذي يؤدي الجزية في دار الإسلام ، ولو مات يهودي من أهل الحرب وهو مستأمن في دار الإسلام وترك ابنا مستأمنا في دار الإسلام وابنا ذميا وابنا حربيا وابنا مسلما فالمال على قول أهل العراق بين الابن المعاهد والحربي ; لأن المعاهد بمنزلة الحربي عندهم فيرث منه الحربي ومن هو مثله وهو المعاهد .

                                                                                        ولو مات يهودي من أهل الذمة وخلف ابنا يهوديا وابنا نصرانيا فعلى قول من يورث أهل الذمة بعضهم من بعض ، وإن اختلفت صور مللهم المال بينهما نصفان وعلى قول من يقول بأن اليهود ملة والنصارى ملة المال للابن اليهودي ، وأما ميراث المجوس فيما بينهم يبنى على أصول ثلاثة أحدها أنهم لا يتوارثون بالأنكحة الفاسدة فيما بينهم وإنما يتوارثون بالأنكحة الصحيحة ، والفاصل أن كل نكاح لو أسلما تركا على ذلك فهو نكاح صحيح ، ولو أسلما لم يتركا فهو نكاح فاسد والثاني أن النسب فيما بينهم يثبت بالأنكحة الفاسدة ويتوارثون فيما بينهم بذلك النسب ، وإن كانوا لا يتوارثون بذلك النكاح الثالث أن كل من يدلي إلى الميت بسببين أو ثلاثة فإنه يرث بجميع ذلك إلا إذا كان أحد السببين يحجب الآخر فحينئذ يرث بالحاجب ، وقد قدمنا ، ولو تزوج بأمه أو بابنته أو بأخته فمات أحدهما لا يرث الآخر وهذا الجواب على أصل أبي يوسف ومحمد ظاهر ; لأن نكاح المحارم فيما بينهم فاسد عندنا ، وإن كانوا يدينون جوازه ; ولهذا قالا : إذا طلبت النفقة من القاضي فالقاضي لا يفرض النفقة وإذا دخل بها سقط إحصانه حتى لا يحد قاذفه لو قذفه إنسان بعدما أسلم ، ولو طلب أحدهما التفريق فالقاضي يفرق وذلك لا يشكل على قول أبي حنيفة على ما هو مختار مشايخ العراق ، وإن كان نكاح المحارم فاسدا عند أبي حنيفة فاستدلوا لذلك بفصل عدم حرمان الإرث بينهما .

                                                                                        وإنما يشكل على قول مشايخ ما وراء النهر فإنهم يقولون بأن نكاح المحارم فيما بينهم جائز على قول أبي حنيفة ويقولون : لو لم يكن النكاح جائزا عنده لما فرض لها النفقة ويستدلون أيضا بما لو دخل بها بعد النكاح أنه لا يسقط إحصانه عنده والعذر لمشايخ العراق في فصل النفقة أن النفقة كما تحجب بسبب النكاح فتحجب بسبب الاحتباس فإن ثمة لم يكن نكاح ، وإن كان نكاح فاسدا يؤخذ النفقة بسبب الاحتباس لا بسبب النكاح وبقاء الاحتباس بعد الدخول لا يدل على صحة النكاح عند أبي حنيفة لا محالة ، ألا ترى أن من تزوج امرأة ودخل بها وكان نظر إلى فرج أمها أو ابنتها بشهوة أن إحصانه لا يسقط ، وإن كان نكاحا فاسدا عند أبي حنيفة والعذر لمشايخنا رحمهم الله عن فصل الإرث فإنه لا يجري الإرث فيما بينهم ، وإن كانوا يدينون جواز النكاح واعتبر ديانتهم في حق جواز النكاح في حق الإرث فيما بين المحارم أن يقول : إن ديانتهم إنما تعتبر بجواز النكاح ; لأن جواز نكاح المحارم قد كان في شريعة آدم عليه السلام وفي الذخيرة ، ثم فرقوا بين نكاح المحارم فيما بينهم وبين النسب الثابت في هذا النكاح فقالوا : إذا تزوج المجوسي [ ص: 573 ] بمحارمه ، ثم مات أحدهما لا يرثه الباقي .

                                                                                        فأما إذا حدث بينهما ولد فإنه يثبت النسب ويتوارثون بذلك النسب فيما بينهم تزوج مجوسي بابنة له فولدت منه ابنا وبنتا ، ثم مات المجوسي فقد مات عن ابن وبنت وزوجة فيقسم المال بينهم { للذكر مثل حظ الأنثيين } يورثون بالنسب ويسقط اعتبار النكاح ; لأنه فاسد يثبت به النسب فيما بينهم ولا يتوارثون به ، فلهذا قال يسقط اعتبار النكاح ويرثون بالنسب ، ولو مات الابن بعد ذلك فقد مات عن أخت لأب وأم وعن أخت لأب هي أمة فللأخت لأب السدس بحكم الأمومة والسدس بحكم الأختية والنصف للأخت لأب وأم والباقي للعصبة إن كانت وإلا فيرد عليهما وعلى سهامهما ، ولو لم يمت الابن بعد موت المجوسي ولكن ماتت البنت التي هي زوجته فقد ماتت عن ابن هو أخوها لأبيها وعن بنت هي أختها لأبيها ويرثون بالبنوة والبنتية ويقسم المال بينهم { للذكر مثل حظ الأنثيين } ، ولو لم تمت الابنة التي هي زوج المجوسي ولكن ماتت الابنة الأخرى فقد ماتت عن أخ لأب وأم وعن أخت لأب وأم وعن أخت لأب هي أمها فيكون للأم السدس والباقي لأخ للأب وأم فيسقط اعتبار الأختية ; لأن قرابة الأخت لأب ساقطة الاعتبار لقرابة الأخ لأب وأم وإنما كان للأم السدس في هذه الصورة ; لأن للميت أخا وأختا والأخت من أهل الاستحقاق إلا أنها صارت محجوبة بهذا السبب العارض ولهذا سقط فرض الأم عن الثلث إلى السدس وفي الذخيرة مجوسي تزوج بأمة فولدت بنتا وابنا ، ثم فارقها وتزوج ابنته فولدت له ابنة ، ثم مات المجوسي فقط مات عن أم وابن وابنة بنت ابن فيكون للأم السدس باعتبار الأمومة والباقي بين الابن والبنت { للذكر مثل حظ الأنثيين } ولا شيء لبنت الابن .

                                                                                        فإن مات الابن بعد فإنما مات عن زوجة هي جدته أم أبيه وهي أمه وعن أخت لأمه وأبيه فلا شيء للأم بالزوجية ولا بكونها جدة ; لأن الجدة لا ترث مع الأم ولكن لها السدس بالأمومة والابنة النصف بالبنتية ولا شيء لها بالأختية لأم فإن لم يمت الابن ولكن ماتت الابنة الكبرى فقد ماتت عن أم هي جدتها أم أبيها وعن أخ لأب وأم وعن ابنة هي أختها لأمها فللأم السدس بالأمومة ; لأن معها أخا لأم وأختا وهما يردان الأم من الثلث إلى السدس وللابنه السدس بالأختية لأم والباقي للأخ لأب وأم بالعصوبة ، فإن كانت الابنة التي ماتت هي الصغرى فقد ماتت عن أم وعن جدتها لأبيها وعن أبيها وعن عمة هي أختها لأبيها وعن ابن هو أخوها لأمها فللأم السدس والباقي للأب ; لأن الإخوة والأخوات لا يرثون مع الأب شيئا ، ولو لم تمت الابنة ولكن ماتت الأم فإنما ماتت عمن هو زوجها وهو ابن ابنها وعن ابنة ابن هي أختها فلا شيء للابن بالزوجية ولكن المال بين الابن والأنثى { للذكر مثل حظ الأنثيين } فلا شيء للذكر باعتبار أنه ابن ابن ولا الأنثى باعتبار أنها ابنة الابن مجوسي تزوج أمه فولدت له ابنتين فتزوج ابنته فولدت له ابنة ، ثم مات المجوسي فقد مات عن أم هي زوجة وثلاث بنات إحداهن زوجة وبنتان أختان لأم وإحداهن ابنة ابن فلا شيء للزوجة منهن بالزوجية منهن بالزوجية ولا للأختين لأم بالأختية ولا للثالثة بكونها ابنة ابن ولكن الباقي للعصبة إن كانت .

                                                                                        وإن لم تكن فهو رد على أم ، والبنات على مقدار حقهن فإن ماتت بعدها الابنة التي هي زوجته فقد مات عن ابنة هي أخت لأب وأم فللابنة النصف والباقي للعصبة ، وإن لم تمت هذه لكن ماتت الابنة السفلى فإن ماتت عن أمها وهي أختها لأبيها وعن أخت لأب أيضا فيكون للأم السدس بالأمية وللأختين الثلثان بالأختية والباقي للعصبة رجل مجوسي تزوج بابنته فولدت ابنتين فمات المجوسي ، ثم ماتت إحدى البنتين فإنما ماتت عن أم هي أخت لأب وعن أخت لأب وأم أيضا فقد ذكر بعض المشايخ أن للأم السدس بالآية وللأخت لأب وأم النصف وللأم السدس بالأختية والأول أصح وفي السراجية حكم الأسير كحكم سائر المسلمين في الميراث ما لم يفارق دينه فإن فارق دينه فحكمه حكم المفقود مسلم ونصراني استأجرا ظئرا واحدا لولديهما فكبرا ولا يعرف ولد النصراني من ولد المسلم فالولدان مسلمان ترجيحا للأم ولكن لا يرثان من أبويهما ; لأن المال لا يستحق بالشك ، وكذا لو كان للرجل ابن ولمملوكه ابن أيضا فدفعاهما إلى ظئر واحدة فكبرا ولم يعرف ابن المولى من الرقيق فالولدان حران ويسعى كل واحد منهما في نصف قيمته ولا يرثان شيئا قال الفقيه أبو الليث هذا إذا لم يصطلحا أما إذا اصطلحا فيما بينهما فلهما أن يأخذا الميراث فكذا الجواب في ولد المسلم مع ولد النصراني وبه يفتى .

                                                                                        وفي المضمرات مات وترك [ ص: 574 ] أبوين وامرأتين أحدهما مسلمة والأخرى يهودية فللمرأة التي هي مسلمة الربع وللأم ثلثا الباقي والباقي للأب .

                                                                                        وإذا تحاكما إلينا أهل الكفر في قسمة المال قسمنا ذلك فيما بينهم على حكمنا دون حكمهم ، وإن قدم الحربي إلينا بأمان فمات بعث ماله إلى وارثه في دار الحرب .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية