الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وراكبا خارج المصر موميا إلى أي جهة توجهت دابته ) أي يتنفل راكبا لحديث الصحيحين عن ابن عمر { رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي النوافل على راحلته في كل وجه يومئ إيماء ولكنه يخفض السجدة من الركعتين } أطلقه فشمل ما إذا كان مسافرا أو مقيما خرج إلى بعض النواحي لحاجة و صححه في النهاية وما إذا قدر على النزول أو لا وقيد بخارج المصر لأنه لا يجوز التنفل عليها في المصر وقال أبو يوسف لا بأس به وقال محمد يجوز ويكره كذا في الخلاصة واختلفوا في حد خارج المصر والأصح أنها تجوز في كل موضع يجوز للمسافر أن يقصر فيه كما ذكره في الظهيرية وغيرها وأشار بقوله توجهت دابته دون أن يقول وجه دابته إليه إلى أن محل جوازها عليها ما إذا كانت واقفة أو سارت بنفسها

                                                                                        أما إذا كانت تسير بتسيير صاحبها فلا تجوز الصلاة عليها لا فرضا ولا نفلا كما في الخلاصة وإلى أنه لا يشترط استقبال القبلة في الابتداء لأنه لما جاز الصلاة إلى غير جهة الكعبة جاز الافتتاح إلى غير جهتها كذا في غاية البيان وإلى أنه إذا صلى إلى غير ما توجهت به دابته لا يجوز لعدم الضرورة إلى ذلك كذا في السراج الوهاج ولم يشترط المصنف طهارة الدابة لأنها ليست بشرط على قول الأكثر سواء كانت على السرج أو على الركابين أو الدابة لأن فيها ضرورة فيسقط اعتبارها وصرح في المحيط والكافي بأنه الأصح وفي الخلاصة بأنه ظاهر المذهب من غير تفصيل وعلله في البدائع بأنه لما سقط اعتبار الأركان الأصلية فلأن يسقط شرط طهارة المكان أولى وقيد بالنفل لأن الفرض والواجب بأنواعه لا يجوز على الدابة من غير عذر من الوتر والمنذور وما لزمه بالشروع والإفساد وصلاة الجنازة والسجدة التي تليت على الأرض لعدم لزوم الحرج في النزول ولا يلزمه الإعادة إذا استطاع النزول كما في الظهيرية وغيرها ومن الأعذار أن يخاف اللص أو السبع على نفسه أو ماله ولم يقف له رفقاؤه وكذا إذا كانت الدابة جموحا لا يقدر على ركوبها إلا بمعين أو هو شيخ كبير لا يجد من يركبه ومن الأعذار الطين والمطر بشرط أن يكون بحال يغيب وجهه في الطين أما إذا لم يكن كذلك والأرض ندية فإنه يصلي هناك كما في الخلاصة والظاهر أن اعتبار المعين هنا إنما هو على قولهما لما عرف أن أبا حنيفة لا يعتبر قدرة الغير

                                                                                        وفي فتاوى قاضي خان والظهيرية الرجل إذا حمل امرأته من القرية إلى المصر كان لها أن تصلي على الدابة في الطريق إذا كانت لا تقدر على الركوب والنزول انتهى والظاهر منه أنها [ ص: 70 ] لا تقدر بنفسها من غير معين حتى إذا قدرت على الركوب والنزول بمحرمها أو زوجها فإنه لا يجب عليها ذلك ويجوز لها صلاة الفرض على الدابة لأن أبا حنيفة لا يجعل قدرة الإنسان بغيره كقدرته بنفسه لكن ذكر في منية المصلي أنه إذا لم يكن معها محرم فإنه تجوز صلاتها على الدابة إذا لم تقدر على النزول

                                                                                        والظاهر أن اشتراط عدم المحرم معها مفرع على قولهما فقط ولم أر حكم ما إذا كان راكبا مع امرأته أو أمه كما وقع للفقير مع أمه في سفر الحج ولم تقدر المرأة على النزول والركوب أيجوز للرجل المعادل لها أن يصلي الفرض على الدابة كما يجوز للمرأة إذا كان لا يتمكن من النزول وحده لميل المحمل بنزوله وحده وينبغي أن يكون له ذلك كما لا يخفى وأطلق في الدابة فشمل جميع الدواب وقيد به لأنه لا تجوز صلاة الماشي بالإجماع كذا في المجتبى وأطلق في النفل فشمل السنن المؤكدة قال في الهداية والسنن الرواتب نوافل وعن أبي حنيفة أنه ينزل لسنة الفجر لأنها آكد من سائرها انتهى بل روي عنه أنها واجبة وعلى هذا أداؤها قاعدا كما أسلفناه وقد قدمنا أنه ينزل للوتر اتفاقا بينه وبينهما وأطلق في الركوب خارج المصر فشمل ما إذا كان خارجه ابتداء وانتهاء إلى سلامه أو ابتداء فقط لما في الخلاصة ولو افتتحها خارج المصر ثم دخل المصر أتم على الدابة وقال كثير من أصحابنا ينزل ويتمها على الأرض انتهى

                                                                                        وفي الظهيرية وإذا صلى على الدابة في محمل وهو يقدر على النزول لا يجوز له أن يصلي على الدابة إذا كانت الدابة واقفة إلا أن يكون المحمل على عيدان على الأرض أما الصلاة على العجلة إن كان طرف العجلة على الدابة وهي تسير أو لا تسير فهي صلاة على الدابة تجوز في حالة العذر ولا تجوز في غير حالة العذر وإن لم يكن طرف العجلة على الدابة جاز وهو بمنزلة الصلاة على السرير انتهى وهذا كله في الفرض أما في النفل فيجوز على المحمل والعجلة مطلقا كما لا يخفى وفي الخلاصة وكيفية الصلاة على الدابة أن يصلي بالإيماء ويجعل السجود أخفض من الركوع من غير أن يضع رأسه على شيء سائرة أو واقفة دابته ويصلون فرادى فإن صلوا بجماعة فصلاة الإمام تامة وصلاة القوم فاسدة وعن محمد يجوز إذا كان البعض بجنب البعض انتهى وفي الظهيرية رجلان في محمل واحد فاقتدى أحدهما بالآخر في التطوع أجزأهما وهذا لا يشكل إذا كانا في شق واحد وإذا كانا في شقين اختلف المشايخ قال بعضهم إذا كان أحد الشقين مربوطا بالآخر يجوز وإذا لم يكن مربوطا لا يجوز

                                                                                        وقال بعضهم يجوز كيفما كان إذا كانا على دابة واحدة كما لو كانا على الأرض ا هـ .

                                                                                        وفي منية المصلي ولو سجد على شيء وضع عنده أو على سرجه لا يجوز لأن الصلاة على الدابة شرعت بالإيماء ا هـ .

                                                                                        وينبغي حمله على ما إذا لم يكن بحيث يخفض رأسه وإلا فقد صرحوا في صلاة المريض أنه لا يرفع إلى وجهه شيئا يسجد عليه فإن فعل وهو يخفض رأسه أجزأه لوجود الإيماء وإن وضع ذلك على جبهته لا يجزئه لانعدامه كذا في الهداية وغيرها

                                                                                        [ ص: 69 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 69 ] ( قوله أما إذا كانت تسير بتسيير صاحبها إلخ ) قال في النهر ينبغي أن يقيد بما إذا كان بعمل كبير لقولهم إذا حرك رجله أو ضرب دابته فلا بأس به إذا لم يكن كثيرا ا هـ .

                                                                                        قلت : ويفهم ذلك أيضا من قول البزازية في تعليل المسألة بأنه عمل كثير وفي الذخيرة عن شرح السير إذا كانت لا تنساق بنفسها فساقها هل تفسد صلاته قال إن كان معه سوط فهيبها به ونخسها لا تفسد صلاته لأنه عمل قليل ا هـ .

                                                                                        وهو نص في المراد ( قوله وعلله في البدائع بأنه لما سقط إلخ ) أقول : يفهم من تخصيص السقوط لطهارة المكان أنه يجب عليه خلع النعلين لو كان فيهما نجاسة مانعة ولم أره صريحا فليراجع ثم رأيت في النهر قال وقياس هذا ولو على المصلي أيضا مع أن ظاهر كلامهم المنع في هذا والفرق قد يعسر فتدبر ا هـ .

                                                                                        قلت : الظاهر أنه غير عسير لأن الدابة وما يتبعها من السرج ونحوه مظنة النجاسة لنومها على عذرتها وتمرغها بها فلو اشترط طهارتها لربما أدى إلى الحرج بخلاف المصلي إذ يمكنه خلع ثوبه المتنجس على أنه يندر بالنسبة إليها تأمل ثم رأيت بعض الفضلاء تعقب النهر بقوله الفرق أظهر من نار على علم وهو أنه لا ضرورة فيها على المصلي بخلاف ما في موضع الجلوس أو الركابين ا هـ .

                                                                                        ( قوله من الوتر إلخ ) بيان لأنواع الواجب ( قوله ولا يلزمه الإعادة إذا استطاع النزول ) قال الرملي الظاهر أن هنا أي قبل قوله ولا يلزمه كلاما محذوفا وهو ويجوز من عذر تأمل ا هـ .

                                                                                        ( قوله والظاهر أن اعتبار المعين هنا إلخ ) أي في قوله وكذا إذا كانت الدابة جموحا إلخ لكن فيه أنه لم يعتبر المعين إذ لو اعتبر لزمه النزول إذا وجد المعين نعم قوله أو شيخ كبير لا يجد من يركبه يدل بمفهومه على أنه لو وجد من يركبه يلزمه النزول فبدل على اعتبار المعين فالمسألة الأولى دلت على عدم اعتبار المعين والثانية دلت على اعتباره [ ص: 70 ] ( قوله وينبغي أن يكون له ذلك ) قد يقال بخلافه لأن الرجل في هذه الصورة قادر على النزول والعجز من المرأة ليس عذرا قائما فيه بل هو قائم فيها إلا أن يقال إن الكلام هو عند عدم إمكان ركوب المرأة إذا نزل الرجل وإذا كان كذلك يلزم من نزوله سقوط المحمل على الأرض أو عقر الجمل أو هلاك المرأة أو نحو ذلك فيكون عذرا قائما فيه راجعا إليه كخوفه على نفسه أو ماله تأمل ( قوله وإذا صلى على الدابة إلخ ) قال الرملي أي الفرض تأمل قلت لا حاجة للتأمل لأن الكلام في الفرض بدليل بقية عبارة الظهيرية من التفرقة بين حالة العذر وغيرها على أن المؤلف سيصرح قريبا بعد تمام العبارة بذلك ( قوله أما الصلاة على العجلة إلخ ) لينظر الفرق بينها في حالة عدم السير وبين المحمل إذا كان على عيدان على الأرض فإن العجلة التي طرف منها على الدابة مثل المحمل إذا كان على الدابة وتحته عيدان على الأرض فليتأمل ولعل المراد بالعجلة غير معناها المشهور فإن المشهور فيها ما في المغرب من أنها شيء مثل المحفة يحمل عليها الأثقال ولا يخفى أن هذه يكون قرارها على الأرض ولكنها تربط بحبل ونحوه وتجرها به البقر أو الإبل ولكن يراد بها هنا ما يسمى في عرفنا تختا وهو محفة لها أعواد أربعة من طرفيها مثل النعش تحمل على جملين أو بغلين ( قوله وينبغي إلخ ) قال في النهر لا حاجة إليه إذ المنتفى إنما هو كونه سجودا ا هـ . فليتأمل .




                                                                                        الخدمات العلمية