( قوله ولو تلاها خارج الصلاة فسجد وأعادها فيها ) أي أعاد تلاوتها في الصلاة ( سجد أخرى ) ; لأن الصلاتية أقوى فلا تكون تبعا للأضعف ( قوله : وإن لم يسجد أولا كفته واحدة ) وهي صلاتية تنوب عنها وعن الخارجية ; لأن المجلس متحد والصلاتية أقوى فصارت الأولى تبعا لها فلو لم يسجد في الصلاة سقطتا ; لأن الخارجية أخذت حكم الصلاتية فسقطت تبعا لها أراد بالاكتفاء أن يكون بشرط اتحاد المجلس ، فإن تبدل مجلس التلاوة مع مجلس الصلاة فلكل سجدة ، وإنما أفردها بالذكر مع دخولها تحت قوله كمن كررها في مجلس لا في مجلسين لمخالفتها لها في أنه إذا سجد للخارجية لا تكفي عن الصلاتية بخلاف ما إذا لم تكن صلاتية وسجد للأولى ثم أعادها فإن السجدة السابقة تكفي .
والحاصل أنه يجب التداخل في هذه على وجه تكون الثانية مستتبعة للأولى إن لم يسجد للأولى ; لأن اتحاد المجلس يوجب التداخل ، وكون الثانية قوية منع من جعل الأولى مستتبعة إذ استتباع الضعيف للقوي عكس المعقول ونقض للأصول فوجب التداخل على الوجه المذكور وأشار إلى أنه لو تلاها المصلي بعدما سمعها من غيره مرة أو مرارا تكفيه سجدة واحدة وقيد بكون الأولى تلاها خارج الصلاة ; لأنه لو قرأها في الصلاة أولا ثم سلم فأعادها في مكانه ذكر في كتاب الصلاة أنه يلزمه أخرى ; لأن المتلوة في الصلاة لا وجود لها لا حقيقة ، ولا حكما والموجود هو الذي يستتبع دون المعدوم بخلاف ما إذا كانت الأولى خارجة وأنها باقية بعد التلاوة حكما وذكر في النوادر وأنه [ ص: 135 ] لا يلزمه
ووفق الزاهد السرخسي بينهما بحمل الأولى على ما إذا أعادها بعد الكلام وحمل الثاني على ما إذا كان قبله فلو لم يسجدها في الصلاة حتى سجدها الآن قال في الأصل أجزأه هاهنا ، وهو محمول على ما إذا أعادها بعد السلام قبل الكلام ; لأنه لم يخرج عن حرمة الصلاة فكأنه كررها في الصلاة وسجد إذ لا يستقيم هذا الجواب فيما إذا أعادها بعد الكلام ; لأن الصلاتية قد سقطت عنه بالكلام كذا في البدائع وصحح التوفيق في المحيط وهذا يفيد أن الصلاتية تقضى بعد السلام قبل أن يتكلم وإن لم يأت بمناف لحرمتها فينبغي أن يقيد قولهم الصلاتية لا تقضى خارجها بهذا وأن يراد بالخارج الخارج عن حرمتها ( قوله كمن كررها في مجلس لا في مجلسين ) فإنه يكفيه واحدة في الأول دون الثاني والأصل فيه ما روي أن { أن جبريل عليه السلام كان ينزل بالوحي فيقرأ آية السجدة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله كان يسمع ويتلقن ثم يقرأ على أصحابه وكان لا يسجد إلا مرة واحدة } ، وهو مروي عن عدة من الصحابة ولأن المجلس جامع المتفرقات ولأن في إيجاب السجدة لكل تلاوة حرجا خصوصا للمعلمين والمتعلمين ، وهو منفي بالنص قيد بسجدة التلاوة ; لأن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بأن سمعه أو ذكره في مجلس واحد مرارا فيها اختلاف فبعضهم قاسها عليها وبعضهم منعه وأوجبها لكل مرة ; لأنه من حقوق العباد ، ولا تداخل فيها ، وهو جفاء له كما ورد في الحديث وقدمنا ترجيحه وأما تشميت من عطس في مجلس واحد مرارا فأوجبه بعضهم كل مرة والصحيح أنه إن زاد على الثلاث لا يشمته لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال للعاطس في مجلسه بعد الثلاث قم فانتثر فإنك مزكوم
وفي المجتبى ولا خلاف في وجوب تعظيم اسمه تعالى عند ذكره في كل مرة وأطلقه فشمل ما إذا تلا مرارا ثم سجدوا ما إذا تلا وسجد ثم تلا بعده مرارا في مجلس واحد ، وهو تداخل في السبب دون الحكم ومعناه أن يجعل التلاوة المتعددة كتلاوة واحدة تكون الواحدة منها سببا والباقي تبع لها وهو أليق بالعبادات إذ السبب متى تحقق لا يجوز ترك حكمه ; ولهذا يحكم بوجوبها في موضع الاحتياط حتى تبرأ ذمته بيقين والتداخل في الحكم أليق في العقوبات ; لأنها شرعت للزجر فهو ينزجر بواحدة فيحصل المقصود فلا حاجة إلى الثانية ، والفرق بينهما أن التداخل في السبب ينوب فيه الواحدة عما قبلها وعما بعدها ، وفي التداخل في الحكم لا تنوب إلا عما قبلها حتى لو زنى ثم زنى في المجلس يحد ثانيا بخلاف حد القذف إذا أقيم مرة ثم قذفه مرارا لم يحد ; لأن العار قد اندفع بالأول لظهور كذبه وقيد بكون الآية واحدة ; لأن من قرأ القرآن كله في مجلس واحد لزمه أربع عشرة سجدة ; لأن المجلس لا يجعل الكلمات المختلفة الجنس بمنزلة كلام واحد كمن أقر لإنسان بألف درهم ولآخر بمائة دينار ولعبده بالعتق لا يجعل المجلس الواحد الكل إقرارا واحدا ، وكذا الحرج منتف وأطلق في المجلس فشمل ما إذا طال فإنه لا يتبدل به حتى لو تلاها في الجامع في زاوية ثم تلاها في زاوية أخرى لا يجب عليه إلا سجدة واحدة وكذلك حكم السماع وكذلك البيت والمحمل والسفينة في حكم التلاوة والسماع سواء كانت السفينة واقفة أو جارية وكذلك لا يختلف بمجرد القيام ولا بخطوة وخطوتين وكلمة أو كلمتين ، ولا بلقمة أو لقمتين بخلاف ما إذا كان كثيرا وبخلاف ما إذا نام مضطجعا أو باع ونحوه فإنه يتبدل المجلس
وكذا لو أرضعت صبيا وكل عمل يعلم أنه قطع للمجلس بخلاف التسبيح ونحوه فإنه ليس بقاطع كالنوم قاعدا وفي الدوس وتسدية الثوب ورحا الطحن والانتقال من غصن إلى غصن والسبح في نهر أو حوض يتكرر على الأصح ، ولو كررها راكبا على الدابة وهي تسير يتكرر إلا إذا كان في الصلاة ; لأن الصلاة جامعة [ ص: 136 ] للأماكن إذ الحكم بصحة الصلاة دليل اتحاد المكان قالوا إذا كان معه غلام يمشي ، وهو في الصلاة راكبا وكررها تكرر الوجوب على الغلام دون الراكب وهذا إذا كان في ركعة واحدة وأما إذا كان كررها في ركعتين فالقياس أن تكفيه واحدة ، وهو قول أبي يوسف الأخير ، وفي الاستحسان أن يلزمه لكل تلاوة سجدة وهو قول أبي يوسف الأول وهو قول محمد وهذه من المسائل الثلاث التي رجع فيها أبو يوسف عن الاستحسان إلى القياس إحداها هذه والثانية أن الرهن بمهر المثل لا يكون رهنا بالمتعة قياسا وهو قول أبي يوسف الأخير ، وفي الاستحسان أن يكون رهنا بها ، وهو قوله الأول وقول محمد والثالثة إذا جنى العبد جناية فيما دون النفس واختار المولى الفداء ثم مات المجني عليه القياس أن يخير المولى ثانيا ، وهو قوله الأخير ، وفي الاستحسان لا يخير ، وهو قوله الأول وقول محمد ، وعلى هذا الخلاف إذا صلى على الأرض وقرأ آية السجدة في ركعتين ، ولو سمعها المصلي الراكب من رجل ثم سارت الدابة ثم سمعها ثانيا عليه سجدتان هو الصحيح ; لأنها ليست بصلاتية ، ولو سارت الدابة ثم نزل فتلاها أخرى يلزمه أخرى كذا في المحيط ، وفي فتح القدير
واعلم أن تكرار الوجوب في التسدية بناء على المعتاد في بلادهم من أنها أن يغرس الحائك خشبات يسوي فيها السدى ذاهبا وآيبا أما على ما هي ببلاد الإسكندرية وغيرها بأن يدبرها على دائرة عظمى ، وهو جالس في مكان واحد فلا يتكرر الوجوب ا هـ .
فالحاصل أن اختلاف المجلس حقيقي باختلاف المكان ، وحكمي باختلاف الفعل ، ولو تبدل مجلس السامع دون التالي تكرر الوجوب على السامع واختلفوا في عكسه والأصح أنه لا يتكرر على السامع ; لأن السبب في حقه السماع ، ولم يتبدل مجلسه فيه ، وعلى ما صححه المصنف في الكافي من أن السبب في حقه التلاوة والسماع شرط يتكرر الوجوب عليه ; لأن الحكم يضاف إلى السبب لا الشرط ، وإنما تكرر الوجوب عليه في المسألة الأولى مع اتحاد مجلس السبب ; لأن الشرع أبطل تعدد التلاوة المتكررة في حق التالي حكما لاتحاد مجلسه لا حقيقة فلم يظهر ذلك في حق السامع فاعتبرت حقيقة التعدد فتكرر الوجوب فعلى هذا يتكرر على السامع إما بتبدل مجلسه أو بتبدل مجلس التالي ، وفي القنيةتلا آية السجدة ويريد أن يكررها للتعليم في المجلس فالأولى أن يبادر فيسجد ثم يكرر ا هـ .
وقد يقال إن الأولى أن يكررها ثم يسجد آخرا لما أن بعضهم قال : إن التداخل في الحكم لا في السبب حتى لو سجد للأولى ثم أعادها لزمته أخرى كحد الشرب والزنا نقله في المجتبى فالاحتياط على هذا التأخير كما لا يخفى ، وفي القنية أيضا ، ولو صليا على الدابة فقرأ أحدهما آية السجدة في الصلاة مرة ، والآخر في صلاته مرتين وسمع كلاهما من صاحبه فعلى من تلاها مرتين سجدة واحدة [ ص: 137 ] خارج الصلاة ، وعلى صاحبه سجدتان . ا هـ .
وقد يقال : بل الواجب على من تلاها مرتين سجدتان أيضا صلاتية بتلاوته وخارجية بتلاوة صاحبه ثم رأيته - بحمد الله تعالى - في فتاوى قاضي خان أن على كل منهما سجدتين صلاتية بتلاوته وخارجية بسماعه من صاحبه ، وأطال الكلام في بيانه فراجعه .


