الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        وأما الثاني أعني وقت ثبوت الاستعمال فقال بعض مشايخنا الماء المستعمل ما زايل البدن واستقر في مكان من أرض أو إناء ، وهو مذهب سفيان الثوري واستدل بمسائل زعم أنها تدل له منها إذا توضأ أو اغتسل وبقي على يده لمعة فأخذ البلل منها في الوضوء أو من أي عضو كان في الغسل وغسل اللمعة يجوز ، ومنها نقل البلة من مغسول إلى ممسوح جائز ، وإن وجد الانفصال ومنها أن الخرقة التي يتمسح بها تجوز الصلاة معها ، وإن كان ما أصابها من البلل كثيرا فاحشا وكذا إذا أصاب ثوبه الماء المستعمل لا يضره ، وإن كان كثيرا وإن وجد الانفصال فأما عندنا فما دام على العضو لا يصير مستعملا ، وإذا زايله صار مستعملا ، وإن لم يستقر في مكان ، فإنه ذكر في الأصل أنه إذا مسح رأسه ببلل أخذه من لحيته لم يجز ، وإن لم يستقر في مكان ، وكذا لو مسح رأسه ببلل باق بعد مسح الخفين لا يجزئه وعلل بأنه ماء قد مسح به مرة أشار به إلى ما قلنا وقالوا لا يجوز نقل البلة من عضو مغسول إلى مثله فدل على أن المذهب ما قلناه ووجهه أن القياس صيرورته مستعملا بنفس الملاقاة لوجود السبب فكان ينبغي أن يؤخذ لكل جزء من العضو جزء من الماء إلا أن فيه حرجا فسقط اعتبار حالة الاستعمال في عضو واحد حقيقة أو في عضو واحد حكما كما في الجنابة فإذا زايل العضو زالت الضرورة ، فظهر حكم الاستعمال بقضية القياس وقد حصل الجواب عن المسألة الأولى التي استدل بها سفيان .

                                                                                        وأما عن الثانية فقد ذكر الحاكم الجليل أنها على التفصيل إن لم يكن استعمله في شيء من أعضائه يجوز أما إذا كان استعمله لا يجوز والصحيح أنه يجوز ، وإن استعمله في المغسولات ; لأن فرض الغسل إنما تأدى بما جرى على عضوه لا بالبلة الباقية فلم تكن هذه البلة مستعملة بخلاف ما إذا استعمله في المسح على الخف ثم مسح به رأسه حيث لا يجوز ; لأن فرض المسح يتأدى بالبلة وتفصيل الحاكم محمول على هذا ، وأما ما مسح بالمنديل أو تقاطر على الثوب ، فهو مستعمل إلا أنه لا يمنع جواز الصلاة ; لأن الماء المستعمل طاهر عند محمد ، وهو المختار وعندهما ، وإن كان نجسا لكن سقوط اعتبار نجاسته هاهنا لمكان الضرورة هذا ما قرره صاحب البدائع رحمه الله وذكر في المحيط أن القائل باشتراط الاستقرار سفيان فقط دون أهل المذهب وصحح في الهداية وكثير من الكتب أن المذهب صيرورته مستعملا بمجرد الانفصال ، وإن لم يستقر وصدر به في الكافي وذكر ما في الكنز بصيغة قيل وما ذكره في الكنز هو مذهب سفيان الثوري وإبراهيم النخعي وبعض مشايخ بلخ وأبي حفص الكبير وظهير الدين المرغيناني قال في الخلاصة والمختار أنه لا يصير مستعملا ما لم يستقر في مكان ويسكن عن التحرك ا هـ .

                                                                                        وفي غاية البيان أن مختار فخر الإسلام البزدوي وغيره في شروح الجامع الصغير اجتماعه في مكان بعد المزايلة وفيما اختاره صاحب الهداية حرج عظيم على [ ص: 99 ] المسلمين ا هـ .

                                                                                        وفي معراج الدراية عن شيخه أن ما في الهداية في حق من لا ضرورة فيه كثياب غير المتوضئ ، وقيل في حق المغتسل ; لأنه قليل الوقوع لا في حق المتوضئ ا هـ .

                                                                                        والحاصل أن المذهب ما في الهداية وما في الكنز اختيار بعض المشايخ ومبنى اختيار ما في الكنز توهم أن ما ذكر في الهداية فيه حرج عظيم كما توهمه في غاية البيان ; لأن الماء الذي يقطر من الأعضاء يصيب ثوب المتوضئ فلو قلنا باستعماله بالانفصال فقط لتنجس ثوبه على القول بنجاسته حتى احتاج بعضهم إلى حمله على ثياب غير المتوضئ وبعضهم إلى حمله على الغسل كما رأيت ، وليس ما توهموه من الحرج موجودا ، فقد قدمنا عن البدائع أن ما يصيب ثوب المتوضئ معفو عنه بالاتفاق ، وكذا ذكر في غيره ، وأما في ثياب غير المتوضئ فلا حرج وفائدة الخلاف تظهر فيما إذا انفصل ، ولم يستقر بل هو في الهواء فسقط على عضو إنسان وجرى فيه من غير أن يأخذه بكفه فعلى قول العامة لا يصح وضوءه وعلى قول البعض يصح .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية