الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                وحديث ابن عمر :

                                قال البخاري :

                                582 - حدثنا مسدد : ثنا يحيى بن سعيد ، عن هشام ، قال : أخبرني أبي ، قال : أخبرني ابن عمر ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( لا تحروا بصلاتكم طلوع [ ص: 264 ] الشمس ولا غروبها ) .

                                558 583 - قال : وحدثني ابن عمر ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إذا طلع حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى ترتفع ، وإذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة ، حتى تغيب ) .

                                تابعه : عبدة .

                                التالي السابق


                                وحديث عبدة الذي أشار إلى متابعته : قد خرجه في ( كتاب بدء الخلق ) : أخبرنا عبدة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إذا طلع حاجب الشمس فدعوا الصلاة حتى تبرز ، وإذا غاب حاجب الشمس فدعوا الصلاة حتى تغيب ، لا تحينوا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها ; فإنها تطلع بين قرني شيطان ) أو ( الشيطان ) ، لا أدري أي ذلك قال هشام ؟

                                وخرجه مسلم من رواية وكيع وابن نمير ومحمد بن بشر ، كلهم عن هشام - بنحوه .

                                وفي رواية له : ( فإنها تطلع بقرني الشيطان ) .

                                وإنما احتاج البخاري إلى ذكر المتابعة في هذا الإسناد ; لأن عروة قد اختلف عليه فيه :

                                وهما حديثان : حديث ( لا تحروا بصلاتكم ) ، وحديث ( إذا طلع حاجب الشمس ) .

                                وقد روى ابن إسحاق ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة : حديث : ( إذا طلع حاجب الشمس ) - الحديث ، ووهم في قوله : ( عن عائشة ) .

                                [ ص: 265 ] ورواهما عن مالك وعروة ، عن هشام ، عن أبيه - مرسلا .

                                وروى مسلمة بن قعنب ، عن هشام ، عن أبيه ، عن ابن عمر - أو : ابن عمرو - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : حديث : ( لا تحروا ) .

                                والصحيح : قول القطان ومن تابعه : [رواه] الدارقطني .

                                وذكر ابن عبد البر أن أيوب بن صالح رواه ، عن مالك ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة .

                                قال : وأيوب هذا ليس ممن يحتج به ، وليس بالمشهور بحمل العلم .

                                وروى ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة ، عن عائشة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث : النهي عن الصلاة عند الطلوع والغروب .

                                خرجه الإمام أحمد .

                                وروى ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة ، عن عائشة - موقوفا - : إذا طلع حاجب الشمس .

                                والصواب : حديث عروة ، عن ابن عمر .

                                ومن قال : ( عن عائشة ) فقد وهم : ذكره الدارقطني وغيره .

                                فإن عروة عن عائشة سلسلة معروفة يسبق إليها لسان من لا يضبط ووهمه ، بخلاف : عروة ، عن ابن عمر ، فإنه غريب ، لا يقوله إلا حافظ متقن .

                                ورواه الدراوردي ، عن هشام ، عن أبيه ، عن سالم ، عن أبيه .

                                [ ص: 266 ] ووهم في قوله : ( عن سالم ) ، ولم يتابع عليه . قاله الدارقطني أيضا .

                                واختلف في معنى قوله : ( تطلع بين قرني الشيطان ) على قولين :

                                أحدهما : أنه على ظاهره وحقيقته .

                                وفي حديث الصنابحي ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إن الشمس تطلع بين قرني شيطان ، فإذا ارتفعت فارقها ، فإذا كانت في وسط السماء قارنها فإذا دلكت - أو قال : زالت - فارقها ، فإذا دنت للغروب قارنها ، فإذا غربت فارقها ، فلا تصلوا هذه الساعات الثلاث ) .

                                خرجه مالك وأحمد والنسائي وابن ماجه .

                                وروى أبو بكر الهذلي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : أن الشمس إذا طلعت أتاها ملك عن الله يأمرها بالطلوع ، فيأتيها شيطان يريد أن يصدها عن الطلوع ، فتطلع بين قرنيه ، فيحرقه الله فيها ، وما غربت الشمس قط إلا خرت لله ساجدة ، فيأتيها شيطان يريد أن يصدها عن الغروب ، فتغرب بين قرنيه ، فيحرقه الله تحتها ، وذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( ما طلعت إلا بين قرني شيطان ، ولا غربت إلا بين قرني شيطان ) .

                                خرجه ابن عبد البر .

                                والهذلي ، متروك الحديث . وأهل هذا القول ، منهم من حمل القرن على ظاهره ، وقال : يمكن أن يكون للشيطان قرن يظهره عند طلوع الشمس وغروبها .

                                ومنهم من قال : المراد بقرنيه جانبي رأسه ، وإليه ميل ابن قتيبة .

                                والقول الثاني : أن المراد بطلوعها وغروبها بين قرني الشيطان : من يسجد [ ص: 267 ] لها من المشركين ، كما في حديث عمرو بن عبسة المتقدم ، ( إنها تطلع بين قرني الشيطان ، وحينئذ يسجد لها الكفار ) .

                                والقرن : الأمة . ونسبه إلى الشيطان ; لطاعتهم إياه ، كما قال : أولئك حزب الشيطان

                                ومنه : قول خباب في القصاص للإنكار عليهم : هذا قرن [قد] طلع .

                                ورجح هذا القول كثير من المتأخرين أو أكثرهم ، وفيه نظر ; فإن حديث عمرو بن عبسة يدل على أن طلوعها بين قرني الشيطان غير سجود الكفار لها ; ولأن الساجدين للشمس لا ينحصرون في أمتين فقط .

                                وقالت طائفة : معنى ( بين قرني الشيطان ) أن الشيطان يتحرك عند طلوعها ويتسلط : قاله إبراهيم الحربي ، ورجحه بعضهم بأنه يقال : أنا مقرن لهذا الأمر ، أي : مطيق له .

                                وهذا بعيد جدا . والله أعلم .



                                الخدمات العلمية