1879 1880 1881 ص: ولا حجة لهم عندنا في هذه الآثار لأنه يجوز أن يكون النبي - عليه السلام - صلاها كذلك لأنه لم يكن في سفر تقصر في مثله الصلاة، فصلى بكل طائفة ركعتين، ثم قضوا بعد ذلك ركعتين ركعتين.
وهكذا نقول نحن إذا حضروا العدو في مصر فأراد أهل ذلك المصر أن يصلوا صلاة الخوف فعلوا هكذا، يعني بعد أن تكون تلك الصلاة ظهرا أو عصرا أو عشاء، قالوا: فإن القضاء ما ذكر.
قيل لهم: قد يجوز أن يكونوا قد قضوا ولم ينقل ذلك في الخبر، وقد يجيء في الأخبار مثل هذا كثير، وإن كانوا لم يقضوا فإن ذلك لا حجة لهم فيه عندنا أيضا; لأنه قد يجوز أن يكون ذلك كان من النبي - عليه السلام - والفريضة حينئذ تصلى مرتين، فيكون كل واحد منهما فريضة، وقد كان يفعل ذلك في أول الإسلام ثم نسخ.
كما حدثنا حسين بن نصر ، قال: سمعت يزيد بن هارون ، قال: ثنا حسين المعلم ، عن عمرو بن شعيب ، عن سليمان مولى ميمونة - رضي الله عنها ، - قال: " أتيت المسجد فرأيت ابن عمر - رضي الله عنه - جالسا والناس في الصلاة، فقلت: ألا تصلي مع الناس؟ فقال: قد صليت في رحلي، إن رسول الله - عليه السلام - نهى أن تصلى فريضة في يوم مرتين". .
والنهي لا يكون إلا بعد الإباحة، فقد كان المسلمون هكذا يصنعون في بدء الإسلام، يصلون في منازلهم ثم يأتون المسجد فيصلون تلك الصلاة التي أدركوها على أنها فريضة، فيكونون قد صلوا فريضة في يوم مرتين، حتى نهاهم النبي - عليه السلام - عن ذلك، وأمر بعد ذلك من جاء إلى المسجد فأدرك تلك الصلاة أن يصليها ويجعلها نافلة.
وترك ابن عمر - رضي الله عنهما - الصلاة مع القوم يحتمل عندنا ضربين: يحتمل أن تكون تلك الصلاة صلاة لا يتطوع بعدها، فلم يكن يجوز أن يصليها إلا على أنها فريضة
[ ص: 249 ] فقال: "نهى رسول الله - عليه السلام - أن تصلى صلاة فريضة في يوم مرتين" أي: فلا يجوز أن أصليها فريضة; لأني قد صليتها مرة، ولا أدخل معهم لأني لا يجوز لي التطوع في ذلك الوقت.
ويحتمل أن يكون سمع من النبي - عليه السلام - النهي عن إعادتها على المعنى الذي نهى عنه، ثم رخص رسول الله - عليه السلام - بعد ذلك أن تصلى على أنها نافلة، فلم يسمع ذلك ابن عمر .
فنظرنا في ذلك، فإذا ابن أبي داود حدثنا، قال: ثنا الوهبي ، قال: ثنا الماجشون ، عن عثمان بن عبيد الله بن أبي رافع قال: "أرسلني محرر بن أبي هريرة إلى ابن عمر أسأله: إذا صلى الرجل الظهر في بيته ثم جاء إلى المسجد والناس يصلون فصلى معهم، أيتهما صلاته؟ قال ابن عمر - رضي الله عنهما -: صلاته الأولى".
ففي هذا الحديث أن ابن عمر - رضي الله عنهما - قد رأى أن الثانية تكون تطوعا، فدل ذلك على أن تركه للصلاة في حديث سليمان إنما كان لأنها صلاة لا يجوز أن يتطوع بعدها، وإن كان حديثا أبي بكرة 5 وجابر الذين ذكرنا كانا والحكم على ما وصفنا: أن من صلى فريضة جاز أن يعيدها فتكون فريضة، فلذلك صلاها رسول الله - عليه السلام - مرتين بالطائفتين، وذلك هو جائز لو بقي الحكم على ذلك، فأما إذا نسخ ونهي أن تصلى فريضة مرتين; فقد ارتفع ذلك المعنى الذي له صلى بكل طائفة ركعتين، وبطل العمل به، فلا حجة لهم في حديث أبي بكرة 5 وجابر; لاحتمالهما ما ذكرناه.
حدثنا أبو بكرة ، قال: ثنا حبان -يعني ابن هلال- قال: ثنا همام ، قال: ثنا قتادة ، عن عامر الأحول ، عن عمرو بن شعيب ، عن خالد بن أيمن المعافري ، قال: " كان أهل العوالي يصلون في منازلهم ويصلون مع النبي - عليه السلام -، فنهاهم النبي - عليه السلام - أن يعيدوا الصلاة في يوم مرتين. قال عمرو: : فذكرت ذلك لسعيد بن المسيب فقال: صدق" .


