2824 ص: فلما اختلفت الروايات عن رسول الله - عليه السلام - في هذا الباب ، فكان فيما روينا في الفصل الأول إباحة ، وفيما روينا في الفصل الثاني كراهة ذلك ; احتجنا إلى كشف ذلك لنعلم المتأخر منه فنجعله ناسخا لما تقدم من ذلك ، فلما كان حديث الصلاة على الجنائز في المساجد فيه دليل على أنهم قد كانوا تركوا الصلاة على الجنائز في المسجد بعد أن كانت تفعل فيه ، حتى ارتفع ذلك من فعلهم وذهبت معرفة ذلك من عامتهم ، فلم يكن ذلك عندها لكراهة حدثت ، ولكن كان ذلك عندها ; لأن لهم أن يصلوا في المسجد على جنائزهم ولهم أن يصلوا عليها في غيره ، فلا تكون صلاتهم في غيره دليلا على كراهة الصلاة فيه ، كما لم تكن صلاتهم فيه دليلا على كراهة الصلاة في غيره . فقالت بعد رسول - عليه السلام - يوم مات عائشة سعد - رضي الله عنه - ما قالت لذلك ، وأنكر ذلك عليها الناس وهم أصحاب رسول الله - عليه السلام - ومن تبعهم ، وكان أبو هريرة - رضي الله عنه - قد علم من رسول الله - عليه السلام - نسخ الصلاة عليهم في المسجد بقول رسول الله - عليه السلام - الذي سمعه منه في ذلك ، وأن ذلك الترك الذي كان من رسول الله - عليه السلام - للصلاة على الجنائز في المسجد بعد أن كان يفعلها فيه ترك نسخ ، فذلك أولى من حديث [ ص: 322 ] ; لأن حديث عائشة ؛ إخبار عن فعل رسول الله - عليه السلام - في حال الإباحة التي لم يتقدمها نهي ، وحديث عائشة أبي هريرة إخبار عن نهي رسول الله - عليه السلام - الذي قد تقدمته الإباحة ، فصار حديث أبي هريرة أولى من حديث ; لأنه ناسخ له ، وفي إنكار من أنكر ذلك على عائشة -وهم يومئذ أصحاب رسول الله - عليه السلام -- دليل على أنهم قد كانوا علموا في ذلك خلاف ما علمت ولولا ذلك لما أنكروا ذلك عليها ، وهذا الذي ذكرنا من النهي عن الصلاة على الجنازة في المسجد وكراهتها ، قول عائشة ، أبي حنيفة ومحمد ، وهو قول أيضا ، غير أن أصحاب الإملاء رووا عن أبي يوسف أبي يوسف في ذلك أنه قال : . إذا كان مسجد قد أفرد للصلاة على الجنازة فلا بأس بأن يصلى على الجنائز فيه