النوع الثالث والستون
معرفة طبقات الرواة والعلماء
وذلك من المهمات التي افتضح بسبب الجهل بها غير واحد من المصنفين وغيرهم .
و كتاب الطبقات الكبير لمحمد بن سعد كاتب الواقدي كتاب حفيل كثير الفوائد، وهو ثقة، غير أنه كثير الرواية فيه عن الضعفاء، ومنهم الواقدي وهو محمد بن عمر الذي لا ينسبه .
والطبقة في اللغة عبارة عن القوم المتشابهين، وعند هذا فرب شخصين يكونان من طبقة واحدة لتشابههما بالنسبة إلى جهة، ومن طبقتين بالنسبة إلى جهة أخرى لا يتشابهان فيها ، فأنس بن مالك الأنصاري وغيره من أصاغر الصحابة مع العشرة وغيرهم من أكابر الصحابة من طبقة واحدة إذا نظرنا إلى تشابههم في أصل صفة الصحبة .
وعلى هذا فالصحابة بأسرهم طبقة أولى، والتابعون طبقة ثانية، وأتباع التابعين ثالثة، وهلم جرا .
وإذا نظرنا إلى تفاوت الصحابة في سوابقهم ومراتبهم كانوا - على ما سبق ذكره - بضع عشرة طبقة، ولا يكون عند هذا أنس وغيره من أصاغر الصحابة من طبقة العشرة من الصحابة، بل دونهم بطبقات .
والباحث الناظر في هذا الفن يحتاج إلى معرفة المواليد والوفيات، ومن أخذوا عنه ومن أخذ عنهم، ونحو ذلك، والله أعلم .
النوع الرابع والستون
معرفة الموالي من الرواة والعلماء
وأهم ذلك معرفة الموالي المنسوبين إلى القبائل بوصف الإطلاق، فإن الظاهر في المنسوب إلى قبيلة - كما إذا قيل : "فلان القرشي" أنه منهم صليبة، فإذا بيان من قيل فيه " قرشي " من أجل كونه مولى لهم مهم .
واعلم أن فيهم من يقال فيه: "مولى فلان" أو " لبني فلان" والمراد به مولى العتاقة، وهذا هو الأغلب في ذلك .
ومنهم من أطلق عليه لفظ " المولى" والمراد بها ولاء الإسلام ، ومنهم أبو عبد الله البخاري : فهو محمد بن إسماعيل الجعفي مولاهم، نسب إلى ولاء الجعفيين لأن جده - وأظنه الذي يقال له الأحنف - أسلم - وكان مجوسيا - على يد اليمان بن أخنس الجعفي جد عبد الله بن محمد المسندي الجعفي أحد شيوخ البخاري .
وكذلك الحسن بن عيسى الماسرجسي مولى عبد الله بن المبارك : إنما ولاؤه من حيث كونه أسلم - وكان نصرانيا - على يديه .
ومنهم من هو مولى بولاء الحلف والموالاة: كمالك بن أنس الإمام ونفره: هم أصبحيون حميريون صليبة، وهم موال لتيم قريش بالحلف ، وقيل : لأن جده مالك بن أبي عامر كان عسيفا على طلحة بن عبيد الله التيمي أي أجيرا، وطلحة يختلف بالتجارة فقيل : "مولى التيميين" لكونه مع طلحة بن عبيد الله التيمي .
وهذا قسم رابع في ذلك: وهو نحو ما أسلفناه في مقسم أنه قيل فيه: "مولى ابن عباس" للزومه إياه .
وهذه أمثلة للمنسوبين إلى القبائل من مواليهم :
أبو البختري الطائي سعيد بن فيروز التابعي ، هو مولى طيئ.
أبو العالية رفيع الرياحي التميمي التابعي : كان مولى امرأة من بني رياح .
عبد الرحمن بن هرمز الأعرج الهاشمي أبو داود الراوي عن أبي هريرة وابن بحينة وغيرهما: هو مولى بني هاشم .
الليث بن سعد المصري الفهمي مولاهم .
عبد الله بن المبارك المروزي الحنظلي مولاهم .
عبد الله بن وهب المصري القرشي مولاهم .
عبد الله بن صالح المصري كاتب الليث الجهني مولاهم .
وربما نسب إلى القبيلة مولى مولاها كأبي الحباب سعيد بن يسار الهاشمي الراوي عن أبي هريرة وابن عمر، كان مولى لمولى هاشم، لأنه مولى شقران مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم . والله أعلم.
روينا عن الزهري قال: "قدمت على عبد الملك بن مروان فقال : من أين قدمت يا زهري؟ قلت : من مكة . قال: فمن خلفت بها يسود أهلها؟ قلت : عطاء بن أبي رباح . قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال: قلت : من الموالي . قال: وبم سادهم؟ قلت : بالديانة والرواية . قال: إن أهل الديانة والرواية لينبغي أن يسودوا .
قال: فمن يسود أهل اليمن؟ قال: قلت : طاوس بن كيسان . قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال: قلت : من الموالي . قال: وبم سادهم؟ قلت : بما سادهم به عطاء. قال: إنه لينبغي .
قال: فمن يسود أهل مصر؟ قال: قلت : يزيد بن أبي حبيب . قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال: قلت : من الموالي .
قال: فمن يسود أهل الشام؟ قال: قلت : مكحول . قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال: قلت : من الموالي، عبد نوبي أعتقته امرأة من هذيل .
قال: فمن يسود أهل الجزيرة؟ قلت : ميمون بن مهران. قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال: قلت : من الموالي .
قال: فمن يسود أهل خراسان؟ قال: قلت : الضحاك بن مزاحم. قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال: قلت : من الموالي .
قال: فمن يسود أهل البصرة؟ قال: قلت : الحسن بن أبي الحسن. قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال: قلت : من الموالي .
قال: ويلك! فمن يسود أهل الكوفة؟ قال: قلت : إبراهيم النخعي. قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال: قلت : من العرب .
قال: ويلك يا زهري! فرجت عني، والله لتسودن الموالي على العرب، حتى يخطب لها على المنابر والعرب تحتها . قال: قلت : "يا أمير المؤمنين؟ إنما هو أمر الله ودينه، من حفظه ساد، ومن ضيعه سقط ".
وفيما نرويه عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: "لما مات العبادلة صار الفقه في جميع البلدان إلى الموالي إلا المدينة، فإن الله خصها بقرشي، فكان فقيه أهل المدينة سعيد بن المسيب غير مدافع ".
قلت : وفي هذا بعض الميل، فقد كان حينئذ من العرب غير ابن المسيب فقهاء أئمة مشاهير، منهم الشعبي والنخعي ، وجميع الفقهاء السبعة الذين منهم ابن المسيب عرب إلا سليمان بن يسار ، والله أعلم .
[ ص: 1485 ] [ ص: 1486 ] [ ص: 1487 ] [ ص: 1488 ] [ ص: 1489 ]


