[ ص: 76 ] ذكر الاستحباب للمرء أن يكون له من كل خير 
حظ رجاء التخلص في العقبى بشيء منها 
 361  - أخبرنا  الحسن بن سفيان الشيباني  ، والحسين بن عبد الله القطان  بالرقة  ، وابن قتيبة  ، واللفظ  للحسن  ، قالوا : حدثنا إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى الغساني ،  قال : حدثنا أبي  عن جدي  عن  أبي إدريس الخولاني  عن  أبي ذر  ، قال : دخلت المسجد ، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس وحده ، قال : يا  أبا ذر  ، إن للمسجد تحية ، وإن تحيته ركعتان ، فقم فاركعهما . قال : فقمت فركعتهما ، ثم عدت فجلست إليه ، فقلت : يا رسول الله ، إنك أمرتني بالصلاة ، فما الصلاة ؟ قال : " خير موضوع ، استكثر أو استقل " . قال : قلت : يا رسول الله ، أي العمل أفضل ؟ قال : " إيمان بالله ، وجهاد في سبيل الله " . قال : قلت : يا رسول الله ، فأي المؤمنين أكمل إيمانا ؟ قال : " أحسنهم خلقا " . قلت : يا رسول الله ، فأي المؤمنين أسلم ؟ قال : " من سلم الناس من لسانه ويده " . قال : قلت : يا رسول الله ، فأي الصلاة أفضل ؟ قال : " طول القنوت " ، قال : قلت : يا رسول الله ، فأي الهجرة أفضل ؟ قال : " من هجر السيئات " ، قال : قلت : يا رسول الله ، فما الصيام ؟ قال : " فرض  [ ص: 77 ] مجزئ ، وعند الله أضعاف كثيرة " . قال : قلت : يا رسول الله ، فأي الجهاد أفضل ؟ قال : " من عقر جواده ، وأهريق دمه " ، قال : قلت : يا رسول الله ، فأي الصدقة أفضل ؟ قال : " جهد المقل يسر إلى فقير " . قلت : يا رسول الله ، فأي ما أنزل الله عليك أعظم ؟ قال : " آية الكرسي " ، ثم قال : " يا  أبا ذر  ، ما السماوات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة ، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة " ، قال : قلت : يا رسول الله ، كم الأنبياء ؟ قال : " مائة ألف وعشرون ألفا " ، قلت : يا رسول الله ، كم الرسل من ذلك ؟ قال : " ثلاثمائة وثلاثة عشر جما غفيرا " ، قال : قلت : يا رسول الله ، من كان أولهم ؟ قال : " آدم   " ، قلت : يا رسول الله ، أنبي مرسل ؟ قال : " نعم ، خلقه الله بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وكلمه قبلا  " ، ثم قال : " يا  أبا ذر  أربعة سريانيون : آدم  ، وشيث  ، وأخنوخ وهو إدريس  ، وهو أول من خط بالقلم ، ونوح   . وأربعة من العرب : هود  ، وشعيب  ، وصالح  ، ونبيك محمد   - صلى الله عليه وسلم - " . قلت : يا رسول الله ، كم كتابا أنزله الله ؟ قال : " مائة كتاب ، وأربعة كتب ، أنزل على شيث  خمسون صحيفة ، وأنزل على أخنوخ  ثلاثون صحيفة ، وأنزل على إبراهيم  عشر صحائف ، وأنزل على موسى  قبل التوراة عشر صحائف ، وأنزل التوراة والإنجيل والزبور والقرآن " . قال : قلت :  [ ص: 78 ] يا رسول الله ، ما كانت صحيفة إبراهيم  ؟ قال : " كانت أمثالا كلها : أيها الملك المسلط المبتلى المغرور ، إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض ، ولكني بعثتك لترد عني دعوة المظلوم ، فإني لا أردها ولو كانت من كافر ، وعلى العاقل ما لم يكن مغلوبا على عقله أن تكون له ساعات : ساعة يناجي فيها ربه ، وساعة يحاسب فيها نفسه ، وساعة يتفكر فيها في صنع الله ، وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب ، وعلى العاقل أن لا يكون ظاعنا إلا لثلاث : تزود لمعاد ، أو مرمة لمعاش ، أو لذة في غير محرم ، وعلى العاقل أن يكون بصيرا بزمانه ، مقبلا على شأنه ، حافظا للسانه ، ومن حسب كلامه من عمله ، قل كلامه إلا فيما يعنيه " . قلت : يا رسول الله ، فما كانت صحف موسى  ؟ قال : " كانت عبرا كلها : عجبت لمن أيقن بالموت ، ثم هو يفرح ، وعجبت لمن أيقن بالنار ، ثم هو يضحك ، وعجبت لمن أيقن بالقدر ثم هو ينصب ، عجبت لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها ، ثم اطمأن إليها ، وعجبت لمن أيقن بالحساب غدا ثم لا يعمل " . قلت : يا رسول الله ، أوصني ، قال : " أوصيك بتقوى الله ، فإنه رأس الأمر كله " . قلت : يا رسول الله ، زدني ، قال : " عليك بتلاوة القرآن ، وذكر الله ، فإنه نور لك في الأرض ، وذخر لك في السماء " . قلت :  [ ص: 79 ] يا رسول الله ، زدني . قال : " إياك وكثرة الضحك ، فإنه يميت القلب ، ويذهب بنور الوجه " . قلت : يا رسول الله ، زدني ، قال : " عليك بالصمت إلا من خير ، فإنه مطردة للشيطان عنك ، وعون لك على أمر دينك " . قلت : يا رسول الله ، زدني ، قال : " عليك بالجهاد ، فإنه رهبانية أمتي " . قلت : يا رسول الله ، زدني ، قال : " أحب المساكين وجالسهم " . قلت : يا رسول الله زدني ، قال : " انظر إلى من تحتك ولا تنظر إلى من فوقك ، فإنه أجدر أن لا تزدرى نعمة الله عندك " . قلت : يا رسول الله زدني ، قال : " قل الحق وإن كان مرا " ، قلت : يا رسول الله زدني ، قال : " ليردك عن الناس ما تعرف من نفسك ولا تجد عليهم فيما تأتي ، وكفى بك عيبا أن تعرف من الناس ما تجهل من نفسك ، أو تجد عليهم فيما تأتي " . ثم ضرب بيده على صدري ، فقال : يا  أبا ذر  لا عقل كالتدبير ، ولا ورع كالكف ، ولا حسب كحسن الخلق   " . 
 [ ص: 80 ]  [ ص: 81 ] قال  أبو حاتم   - رضي الله عنه - :  أبو إدريس الخولاني هذا ، هو عائذ الله بن عبد الله  ، ولد عام حنين في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومات بالشام  سنة ثمانين ، ويحيى بن يحيى الغساني  من كندة  ، من أهل دمشق  ، من فقهاء أهل الشام  وقرائهم ، سمع  أبا إدريس الخولاني  ، وهو ابن خمس عشرة سنة ، ومولده يوم راهط ، في أيام معاوية بن يزيد  ، سنة أربع وستين ، وولاه  سليمان بن عبد الملك  قضاء الموصل  ، سمع  سعيد بن المسيب  ، وأهل الحجاز  ، فلم يزل على القضاء بها حتى ولي  عمر بن عبد العزيز  الخلافة ، فأقره على الحكم ، فلم يزل عليها أيامه ، وعمر حتى مات بدمشق  سنة ثلاث وثلاثين ومائة . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					