[ ص: 61 ] قاعدة الأصل في الأبضاع التحريم . 
فإذا تقابل في المرأة حل وحرمة  ، غلبت الحرمة ، ولهذا امتنع الاجتهاد فيما إذا اختلطت محرمة بنسوة قرية محصورات لأنه ليس أصلهن الإباحة حتى يتأيد الاجتهاد باستصحابه ، وإنما جاز النكاح في صورة غير المحصورات ، رخصة من الله كما صرح به  الخطابي  لئلا ينسد باب النكاح عليه . 
ومن فروع هذه القاعدة : ما ذكره الغزالي  في الإحياء " أنه لو وكل شخصا في شراء جارية ووصفها ، فاشترى الوكيل جارية بالصفة ، ومات قبل أن يسلمها للموكل    . لم يحل للموكل وطؤها لاحتمال أنه اشتراها لنفسه ، وإن كان شراء الوكيل الجارية بالصفات المذكورة ظاهرا في الحل ولكن الأصل التحريم ، حتى يتيقن سبب الحل . 
ومنها : ما ذكره  الشيخ أبو محمد  في التبصرة : أن وطء السراري اللائي يجلبن اليوم من الروم  والهند  والترك   حرام ، إلا أن ينتصب في المغانم من جهة الإمام من يحسن قسمتها فيقسمها من غير حيف ولا ظلم ، أو تحصل قسمة من محكم ، أو تزوج بعد العتق بإذن القاضي والمعتق ، والاحتياط اجتنابهن مملوكات وحرائر . 
قال السبكي  في الحلبيات : ولا شك أن الذي قاله الورع وأما الحكم اللازم : فالجارية إما أن يعلم حالها أو يجهل ، فإن جهل فالرجوع في ظاهر الشرع إلى اليد ، إن كانت صغيرة وإلى اليد وإقرارها ، إن كانت كبيرة ، واليد حجة شرعية ، كالإقرار ، وإن علم فهي أنواع : 
أحدها : من تحقق إسلامها في بلادها ، وأنه لم يجر عليها رق قبل ذلك  ، فهذه لا تحل بوجه من الوجوه ، إلا بنكاح بشروطه . 
الثاني : كافرة ممن لهم ذمة وعهد  فكذلك . 
الثالث : كافرة من أهل الحرب ، مملوكة لكافر حربي أو غيره ، فباعها  فهي حلال لمشتريها . 
الرابع : كافرة من أهل الحرب ، قهرها وقهر سيدها كافر آخر  ، فإنه يملكها كلها ويبيعها لمن يشاء ، وتحل لمشتريها وهذان النوعان : الحل فيهما قطعي وليس محل الورع ، كما أن النوعين الأولين الحرمة فيهما قطعية . 
النوع الخامس : كافرة من أهل الحرب ، لم يجر عليها رق ، وأخذها مسلم  ، فهذا أقسام : 
 [ ص: 62 ] أحدها : أن يأخذها جيش من جيوش المسلمين بإيجاف خيل أو ركاب ، فهي غنيمة أربعة أخماسها للغانمين ، وخمسها لأهل الخمس ، وهذا لا خلاف فيه ، وغلط الشيخ تاج الدين الفزاري  ، فقال : إن حكم الفيء والغنيمة راجع إلى رأي الإمام يفعل فيه ما يراه مصلحة ، وصنف في ذلك كراسة سماها " الرخصة العميمة في أحكام الغنيمة " وانتدب له الشيخ محيي الدين النووي  ، فرد عليه في كراسة أجاد فيها ، والصواب معه قطعا ، وقد تتبعت غزوات النبي صلى الله عليه وسلم وسراياه ، فكل ما حصل فيه غنيمة أو فيء قسم وخمس ، وكذلك غنائم بدر . ومن تتبع السير وجد ذلك مفصلا ، ولو قال الإمام : من أخذ شيئا فهو له ، لم يصح . 
القسم الثاني : أن ينجلي الكفار عنها بغير إيجاب من المسلمين ، أو يموت عنها من لا وارث له من أهل الذمة  ، وما أشبه ذلك ، فهذه فيء يصرف لأهله ، فالجارية التي توجد من غنيمة أو فيء ، لا تحل حتى تتملك من كل من يملكها من أهل الغنيمة أو الفيء ، أو من المتولي عليهم ، أو الوكيل عنهم ، أو ممن انتقل الملك إليه من جهتهم ، ولو بقي فيها قيراط لا تحل حتى يتملكه ممن هو له . 
القسم الثالث : أن يغزو واحد ، أو اثنان بإذن الإمام فما حصل لهما من الغنيمة يختصان بأربعة أخماسها . والخمس لأهله . هذا مذهبنا ومذهب جمهور العلماء فلا فرق بين أن تكون السرية قليلة أو كثيرة . 
الرابع : أن يغزو واحد ، أو اثنان أو أكثر بغير إذن الإمام ، فالحكم كذلك عندنا وعند جمهور العلماء . 
الخامس : أن يكون الواحد أو الاثنان ونحوهما ليسوا على صورة الغزاة ، بل متلصصين فقد ذكر الأصحاب : أنهم إذا دخلوا يخمس ما أخذوه على الصحيح ، وعللوه بأنهم غرروا بأنفسهم فكان كالقتال وهذا التعليل يقتضي أنه لم ينقطع في الجملة عن معنى الغزو . 
والإمام  في موضع حكى هذا وضعفه ، وقال : إن المشهور عدم التخميس وفي موضع ادعى إجماع الأصحاب على أنه يختص به ، ولا يخمس وجعل مال الكفار على ثلاثة أقسام : غنيمة ، وفيء ، وغيرهما كالسرقة ، فيتملكه من يأخذه ، قياسا على المباحات ووافقه الغزالي  على ذلك وهو مذهب  أبي حنيفة  وقال البغوي    : إن الواحد إذا أخذ من حربي شيئا على جهة السوم فجحده أو هرب به ، اختص به ، وفيما قاله نظر يحتمل أن يقال : يجب رده ; لأنه كان ائتمنه فإن صح ما قاله البغوي  وافق الغزالي  بطريق الأولى . 
وقال أبو إسحاق    : إن المأخوذ على جهة الاختلاس فيء وقال الماوردي  غنيمة . وما قاله الماوردي  موافق لكلام الأكثرين ، وما قاله أبو إسحاق    : إن أراد بالفيء  [ ص: 63 ] الغنيمة حصل الوفاق ، وإلا فلا وزعم أنه ينزع من المختلس ، ويعطى جميعه لغيره من المقاتلة وأهل الخمس فبعيد . 
فهذا القسم الخامس من النوع الخامس ، قد اشتمل على صور ، ولم يفردها الأصحاب . بل ذكروها مدرجة مع القسم الرابع ، والجارية المأخوذة على هذه الصورة فيها هذا الخلاف ، واجتنابها محل الورع انتهى . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					