باب التعزير .
قاعدة : من أتى معصية لا حد فيها ولا كفارة ، عزر . أو فيها أحدهما ، فلا . ويستثنى من الأول صور :
الأولى : ذوو الهيئات في عثراتهم . نص عليه الشافعي للحديث وحكى الماوردي في ذوي الهيئات وجهين : أحدهما : أنهم أصحاب الصغائر دون الكبائر .
والثاني : أنهم الذين إذا أتوا الذنب ندموا عليه ، وتابوا منه . ونص الشافعي على أنهم الذين لا يعرفون بالشر .
الثانية : الأصل لا يعزر بحق الفرع ، كما لا يحد بقذفه ، وإن لم يسقط حق الإمام من ذلك صرح به الماوردي .
الثالثة : إذا وطئ حليلته في دبرها لا يعزر أول مرة ، بل ينهى ، وإن عاد عزر . نص عليه في المختصر ، وصرح به جماعة .
الرابعة : إذا رأى من يزني بزوجته ، وهو محصن . فقتله في تلك الحالة ، فلا تعزير عليه وإن افتات على الإمام لأجل الحمية ، والغيظ ، حكاه ابن الرفعة عن ابن داود .
ونقل الماوردي ، والخطابي عن الشافعي : أنه يحل له قتله باطنا ، وإن كان يقاد به في الظاهر .
الخامسة : إذا نظر إلى بيت غيره ، ولم يرتدع بالرمي ، ضربه صاحب البيت بالسلاح ونال منه ما يردعه .
قال الرافعي عن النص : ولو لم ينل منه صاحب الدار عاقبه السلطان ، هذا لفظه ومقتضاه عدم التعزير إذا نال منه ، وكأنه حد هذه المعصية .
وقد يقال : هذا نوع تعزير ، شرع لصاحب المنزل ، وإن لم يستوفه ، فللإمام استيفاؤه .
السادسة : إذا دخل واحد من أهل القوة إلى الحمى الذي حماه الإمام للضعفة ، ونحوهم فراعى منه .
قال القاضي أبو حامد : لا تعزير عليه ولا غرم . وإن كان عاصيا . كذا في المهمات [ ص: 490 ] وكلام أبي حامد في زيادة الروضة : ليس فيه وإن كان عاصيا .
وقال البلقيني : ليس هذا بعاص ، وإنما فعل مكروها ، ولا تعزير فيه .
السابعة : إذا ارتد ، ثم أسلم فإنه لا يعزر أول مرة . نقل ابن المنذر الاتفاق عليه .
الثامنة : إذا كلف السيد عبده مالا يطيق : لا يعزر أول مرة ، بل يقال له : لا تعد ، فإن عاد عزر . ذكره الرافعي .
التاسعة : إذا طلبت الزوجة نفقتها بطلوع الفجر . قال في النهاية : الذي أراه أن الزوج إن قدر على إجابتها ، فهو حتم ولا يجوز تأخيره ، وإن كان لا يحبس ولا يوكل به ، ولكن يعصي بمنعه .
العاشرة : إذا عرض أهل البغي بسب الإمام : لم يعزروا على الأصح من زوائد الروضة ; لأنه ربما كان مهيجا لما عندهم ، فينفتح بسببه باب القتال .
ويستثنى من الثاني صور :
الأولى : الجماع في رمضان : فيه التعزير ، مع الكفارة .
حكى البغوي في شرح السنة : الإجماع عليه . وفي شرح المسند للرافعي ما يقتضيه ، وجزم به ابن يونس في شرح التعجيز .
وقال البلقيني : ما ادعاه البغوي غير صحيح ، فإنه عليه السلام لم يعزر المجامع في نهار رمضان . ولم يذكر ذلك أحد من الأئمة القدماء في خصوص المسألة ، فالصحيح أنه لا يعزر ، وجزم به ابن الرفعة في الكفاية .
الثانية : جماع الحائض : يعزر فاعله بلا خلاف ، مع أن فيه الكفارة ندبا ، أو وجوبا .
الثالثة : المظاهر : يجب عليه التعزير مع الكفارة . قلت : أفتى بذلك البلقيني وقد ظاهر في عصره صلى الله عليه وسلم جماعة ، ولم يرد أنه عزر واحدا منهم .
الرابعة : إذا قتل من لا يقاد به : كابنه ، وعبده : وجب عليه التعزير ، كما نص عليه في الأم مع الكفارة .
الخامسة : اليمين الغموس : فيها التعزير مع الكفارة .


