المسألة الثالثة: سرقة وقف المسجد الذي قصد به انتفاع الناس   : 
إذا سرق سارق وقف المسجد الذي يقصد به انتفاع الناس، وذلك نحو : حصر المسجد، ومكيفاته، وبرادته، وقناديل تسرج فيه ، ومصحف موقوف للقراءة في المسجد، ففي وجوب القطع بتلك السرقة خلاف بين العلماء على النحو الآتي: 
القول الأول : أنه يجب القطع بسرقة كل ما وقف على المساجد، ومنها ما وقف لانتفاع الناس. 
وهذا هو قول بعض الحنفية،  والمالكية،  وهو وجه عند الشافعية  ، ووجه عند الحنابلة.  
القول الثاني : أنه لا قطع بسرقة ما وقف على المسجد لانتفاع الناس .  [ ص: 250 ] 
وهذا هو المشهور عند الحنفية،  والشافعية  ، والحنابلة   . 
لكن الشافعية  جعلوا هذا الحكم خاصا في المساجد العامة دون المساجد الخاصة بطائفة من الناس . 
الأدلة: 
أدلة القول الأول: (القطع) : 
1- عموم أدلة القطع بالسرقة، كقوله تعالى : والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما   . 
ولحديث  عائشة  رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:  "تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا". 
2- قال ابن عابدين:   "الظاهر أن وجهه كون الوقف يبقى على ملك الواقف حكما ". 
ونوقش هذان الاستدلالان : بأن هذه السرقة وإن كانت من حرز إلا أنه تخلف شرط من شروط وجوب القطع بها، وهو انتفاء الشبهة، فالشبهة هنا موجودة ; وذلك أن العين موقوفة لانتفاع المسلمين، فللسارق فيها حق كغيره، فامتنع القطع لتلك الشبهة; لحرص الشارع على درء الحد ما أمكن إلى ذلك سبيلا كما سبق بيانه . 
أما ما ذكره ابن عابدين  فإنه حتى على القول بأن الوقف ملك لواقفه فإنه  [ ص: 251 ] ضعيف، ألا ترى أن للسارق فيه حقا كما للواقف، وهذا الحق أورث شبهة يجب درء القطع بها . 
أدلة القول الثاني: (عدم القطع) : 
1- عموم الأدلة الدالة على درء الحدود بالشبهات . 
وذلك لكون تلك الأشياء مما ينتفع بها السارق، فيكون له فيها شبهة فلا يقطع بها ، كما لا يقطع بالسرقة من بيت المال . 
2- أنه مال لا مالك له. 
الترجيح: 
الراجح - والله أعلم - هو القول الأول القائل بالقطع; لقوة دليله في مقابل مناقشة دليل المخالف. 
				
						
						
