[ ص: 43 ] الباب الثاني الأموال 
وفيه أربعة فصول 
الثاني من الأمانات والأموال كما قال تعالى في الديون : { فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته ، وليتق الله ربه    } 
 [ ص: 44  -  45 ] الفصل الأول 
ما يدخل في باب الأموال 
ويدخل في هذا القسم : الأعيان ، والديون الخاصة والعامة ، مثل رد الودائع ، ومال الشريك ، والموكل ، والمضارب ، ومال الولي من اليتيم وأهل الوقف ونحو ذلك ، وكذلك وفاء الديون من أثمان المبيعات ، وبدل القرض ، وصدقات النساء ، وأجور المنافع ونحو ذلك وقد قال تعالى : { إن الإنسان خلق هلوعا ، إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا ، إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون ، والذين في أموالهم حق معلوم ، للسائل والمحروم    } إلى قوله : { والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون    } . 
وقال تعالى : { إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما    } أي لا تخاصم عنهم . 
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : { أد الأمانة إلى من ائتمنك ، ولا تخن من خانك   } 
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : { المؤمن من أمنه المسلمون  [ ص: 46 ] على دمائهم وأموالهم ، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه ، والمجاهد من جاهد نفسه في ذات الله   } وهو حديث صحيح بعضه في الصحيحين ، وبعضه في سنن الترمذي  ، وقال {   : من أخذ أموال الناس يريد أداءها ، أداها الله عنه ، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله   } رواه  البخاري    . 
وإذا كان الله قد أوجب أداء الأمانات التي قبضت بحق ، ففيه تنبيه على وجوب أداء الغصب والسرقة والخيانة ونحو ذلك من المظالم ، وكذلك أداء العارية  [ ص: 47 ] وقد { خطب النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ، وقال في خطبته : العارية مؤداة ، والمنحة مردودة ، الدين مقضي ، والزعيم غارم ، إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه ، فلا وصية لوارث   } . 
وهذا القسم يتناول الولاة والرعية ، فعلى كل منهما : أن يؤدي إلى الآخر ما يجب أداؤه إليه  ، فعلى السلطان ونوابه ، أن يؤتوا كل ذي حق حقه ، وعلى جباة الأموال ، كأهل الديوان أن يؤدوا إلى ذي السلطان ، ما يجب إيتاؤه إليه ، وكذلك على الرعية ، الذين يجب عليهم من الحقوق ، وليس للرعية أن يطلبوا من ولاة الأموال ما لا يستحقونه فيكونوا من جنس من قال الله تعالى فيه : { ومنهم من يلمزك في الصدقات ، فإن أعطوا منها رضوا ، وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون ، ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله ، إنا إلى الله راغبون إنما الصدقات للفقراء والمساكين  [ ص: 48 ] والعاملين عليها ، والمؤلفة قلوبهم ، وفي الرقاب والغارمين ، وفي سبيل الله ، وابن السبيل فريضة من الله ، والله عليم حكيم    } . 
ولا لهم أن يمنعوا السلطان ما يجب دفعه من الحقوق ، وإن كان ظالما ، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، لما ذكر جور الولاة ، فقال : { أدوا إليهم الذي لهم ، فإن الله سائلهم عما استرعاهم   } ففي الصحيحين ، عن  أبي هريرة  رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { كانت بنو إسرائيل  تسوسهم الأنبياء ، كلما هلك نبي ، خلفه نبي ، وإنه لا نبي بعدي ، وسيكون خلفاء ويكثرون قالوا : فما تأمرنا ؟ فقال : أوفوا ببيعة الأول فالأول ثم أعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم   } 
وفيها عن  ابن مسعود  رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إنكم سترون بعدي ، أثرة أو أمورا تنكرونها ، قالوا : فما تأمرنا يا رسول الله ؟ قال : أدوا إليهم حقهم ، واسألوا الله حقكم   }  [ ص: 49 ] 
وليس لولاة الأموال أن يقسموها بحسب أهوائهم ، كما يقسم المالك ملكه  ، فإنما هم أمناء ونواب ووكلاء ، ليسوا ملاكا ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إني - والله - لا أعطي ولا أمنع أحدا ، وإنما أنا قاسم أضع حيث أمرت   } رواه  البخاري  عن  أبي هريرة  عنه نحوه . 
فهذا رسول رب العالمين ، قد أخبر أنه ليس المنع والعطاء بإرادته واختياره ، كما يفعل ذلك المالك الذي أبيح له التصرف في ماله ، وكما يفعل ذلك الملوك الذين يعطون من أحبوا ، وإنما هو عبد الله ، يقسم المال بأمره ، فيضعه حيث أمره الله تعالى . 
وهكذا قال رجل  لعمر بن الخطاب    : يا أمير المؤمنين - لو وسعت على نفسك في النفقة ، من مال الله تعالى ، فقال له  عمر    : أتدري ما مثلي ومثل هؤلاء ؟ كمثل قوم كانوا في سفر ، فجمعوا منهم مالا ، وسلموه إلى واحد ينفقه عليهم ، فهل يحل لذلك الرجل ، أن يستأثر عنهم من أموالهم ؟ . 
وحمل مرة إلى  عمر بن الخطاب  رضي الله عنه ، مال عظيم من الخمس ، فقال : إن قوما أدوا الأمانة في هذا لأمناء ، فقال له بعض الحاضرين : إنك أديت الأمانة إلى الله تعالى ، فأدوا إليك الأمانة ، ولو رتعت رتعوا  [ ص: 50 ] 
وينبغي أن يعرف أن أولي الأمر ، كالسوق ، ما نفق فيه جلب إليه ، هكذا قال  عمر بن عبد العزيز  رضي الله عنه . فإن نفق فيه الصدق والبر والعدل والأمانة ، جلب إليه ذلك ، وإن نفق فيه الكذب والفجور والجور والخيانة ، جلب إليه ذلك والذي على ولي الأمر ، أن يأخذ المال من حله ، ويضعه في حقه ، ولا يمنعه من مستحقه وكان  علي بن أبي طالب  رضي الله عنه ، إذا بلغه أن بعض نوابه ظلم ، يقول : اللهم إني لم آمرهم أن يظلموا خلقك ، أو يتركوا حقك .
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					