الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في الإحلال، وبماذا يصح

                                                                                                                                                                                        الإحلال على ثلاثة أوجه: فيصح إذا كان المحل بالغا عاقلا مسلما، وتزوج تزويجا صحيحا، تزويج رغبة، ليس ليحلها، وهو غير عاجز عن الإصابة، وأصاب إصابة صحيحة، ليس بحائض، ولا أحدهما مجبور، ولا محرم ولا صائم ولا معتكف، وليست بمجنونة ولا نائمة فهذه جملة متفق عليها.

                                                                                                                                                                                        وإن كان غير بالغ، ولا شارف البلوغ، أو حصورا، أو ممسوحا، أو بقي له من ذكره ما لا يتوصل به إلى الإصابة، أو يصل على نقص لا يبلغ إلى ما دون الختان من الصحيح، أو عنينا، أو شيخا فانيا عاجزا، أو أصيبت وهي نائمة، أو كان النكاح فاسدا لا يقر بعد الدخول؛ لأنها باشرت العقد بغير ولي، أو غير ذلك من وجوه الفساد- لم تحل.

                                                                                                                                                                                        واختلف في إحلال من شارف البلوغ، والمجنون، والنصراني إذا كانت الزوجة نصرانية، والعبد إذا تزوج بغير إذن سيده وأصاب قبل الإجازة ثم طلق بعد الإجازة وقبل المعاودة، والمرأة يزوجها غير ولي ويبني بها ثم يجيز [ ص: 2089 ] الولي ثم يطلق الزوج بعد الإجازة وقبل المعاودة أو يطلق قبل نظر الولي في ذلك، وإذا أصابها المحل وهو غير منتشر، أو كان العقد صحيحا والإصابة فاسدة، في حال الحيض والإحرام والصوم والاعتكاف، وإذا ادعت الإصابة وأنكر الزوج، وإذا ارتد المحل بعد البناء.

                                                                                                                                                                                        واختلف في المجنون والمجنونة على ثلاثة أقوال:

                                                                                                                                                                                        فذهب ابن القاسم أن المراعى الزوجة، فإن كانت عاقلة، حلت وإن أصابها في حال جنونه، وإن أصيبت في حال جنونها، لم تحل وإن كان عاقلا.

                                                                                                                                                                                        وذهب أشهب إلى أن المراعى الزوج، فإن كان عاقلا، أحلها وإن كان أصابها في حال جنونها.

                                                                                                                                                                                        وإن كان مجنونا؛ لم يحلها وإن كانت عاقلة.

                                                                                                                                                                                        وقال عبد الملك: إذا صح العقد كان إحلالا وإن كانا في حالة الإصابة مجنونين، أو أحدهما.

                                                                                                                                                                                        ولا أرى أن يحلها إلا أن يكونا عاقلين، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم – لزوجة رفاعة وقد أرادت الرجوع إلى الذي طلقها قبل مسيس الثاني: "لا، حتى تذوقي عسيلته، ويذوق عسيلتك" أخرجه البخاري ومسلم. [ ص: 2090 ]

                                                                                                                                                                                        هذا يقتضي أن يكونا عاقلين، إلا أن تكون وسوسة، ولم يبلغ إلى فقدان التمييز.

                                                                                                                                                                                        وإن كانت هي غير بالغة حلت، إذا كان الذي أحلها بالغا، إلا أن تكون صغيرة جدا لم تبلغ الوطء؛ طلقها الأول ثلاثا قبل البناء، فأصابها الثاني؛ فلا تحل له وهذه جناية ولا تدخل به في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "حتى تذوقي عسيلته".

                                                                                                                                                                                        ويختلف إذا شارف البلوغ ولم يحتلم:

                                                                                                                                                                                        فقال مالك مرة: يحد إذا زنى. فعلى هذا يكون وطؤه إحلالا.

                                                                                                                                                                                        وقال محمد في المقطوع الحشفة: يحل. يريد: إذا بقي ما يصل منه إليها بعد مجاوزة الختان ما يصل من السالم قدر الحشفة فأكثر.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في "كتاب ابن حبيب": إذا أولج وذلك منه ميت لم يحل.

                                                                                                                                                                                        وقال في "كتاب محمد": يحل ويحصن.

                                                                                                                                                                                        والأول أحسن للحديث: "حتى تذوقي عسيلته، ويذوق عسيلتك" إلا أن تكون تجد عند ذلك لذة.

                                                                                                                                                                                        وقال في الإصابة الفاسدة كالحائض، والمحرمة، والمعتكفة: لا يحل [ ص: 2091 ] ولا يحصن.

                                                                                                                                                                                        وقال المغيرة، وابن دينار: يحصن، ولا يحل. وقال عبد الملك: يحصن ويحل.

                                                                                                                                                                                        وكذلك إذا كان الزوج محرما، أو معتكفا، أو صائما فعلى الخلاف المتقدم، وأرى أن يحصن ويحل، ولا وجه لقول المغيرة، فإن كان عنده لا يحل فأحرى أن لا يحصن لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ادرؤوا الحدود بالشبهات" وهذا إذا كان الصوم معينا كرمضان أو غيره، وإن كان الاعتكاف معينا، فإن كان مضمونا؛ كان إحلالا وإحصانا؛ لأن المعين إذا فسد بأول الملاقاة كان مخاطبا بالإمساك عن التمادي، وإذا بطل المضمون لم يؤمر بالإمساك. [ ص: 2092 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية