الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في حالات الزوجة عند الطلاق]

                                                                                                                                                                                        والزوجة عند الطلاق على حالات:

                                                                                                                                                                                        حالة يجوز الطلاق فيها، وحالة يكره، وحالة يمنع، وحالة مختلف فيها هل يجوز أو يكره؟ وحالة مختلف فيها هل يجوز أو يمنع:

                                                                                                                                                                                        فيجوز إذا كانت طاهرا من غير جماع.

                                                                                                                                                                                        ويكره إذا كانت في طهر قد جومعت فيه.

                                                                                                                                                                                        واختلف في وجه الكراهية، فقال أبو محمد عبد الوهاب: لأنه لبس عليها [ ص: 2186 ] في العدة، فلا تدري هل تعتد بالأقراء أو بالوضع، إن كانت حاملا فيدركه الندم.

                                                                                                                                                                                        وقيل: المعنى خوف الندم خاصة. وقد تأول بعض أهل العلم قول الله تعالى ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن [البقرة: 228] أي: من الحمل قبل أن يوقع الطلاق؛ لأن الزوج يحب الفراق ما لم يكن حمل، فإذا علم أنه صار له منها ولد كره ذلك، ولا يحب أن يوقع عليها اسم الفراق؛ لأن ذلك يؤدي إلى وصم في حسن المعاشرة متى راجع إن ظهر ولد.

                                                                                                                                                                                        ولا وجه للتعليل أنه لبس عليها في العدة؛ لأن العدة لا تفتقر إلى نية، وهي تنتظر في المستقبل، فإن رأت حيضا بنت عليه، وإن ظهر حمل انتظرت الوضع هي، ولا يكره الطلاق في طهر مس فيه إذا كانت الزوجة ممن لا تحيض لصغر أو كبر أو مرتابة أو مستحاضة أو حاملا.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ: والمنع والاختلاف يتصور في الحائض، فإن كانت حائضا مدخولا بها كان الطلاق ممنوعا.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا كانت غير مدخول بها، فأجازه ابن القاسم وكرهه أشهب. [ ص: 2187 ]

                                                                                                                                                                                        وذكر أبو محمد عبد الوهاب عن مالك روايتين، الجواز والمنع، فرآه مرة شرعا فيمنع وإن لم تكن عدة ولا تطويل، ورأى مرة أخرى أن العلة في المنع التطويل، وإذا كانت غير مدخول بها جاز.

                                                                                                                                                                                        ويختلف إذا كانت مدخولا بها حاملا، فقال ابن شعبان: يجوز الطلاق وإن كانت حاملا.

                                                                                                                                                                                        وقال أبو محمد عبد الوهاب: يتخرج على القولين في غير المدخول بها.

                                                                                                                                                                                        يريد: لأن الحامل عدتها بالوضع، حائضا كانت أو غير حائض، وليس فيه تطويل.

                                                                                                                                                                                        ويختلف في طلاق المستحاضة إذا كانت حائضا، فعلى القول إن عدتها بالأقراء يمنع الطلاق.

                                                                                                                                                                                        ويختلف على القول أن عدتها بالسنة وتكون كالحامل. والظاهر من المذهب أنه غير معلل، ولو كانت العلة التطويل، لجاز أن يطلقها في الحيض برضاها؛ لأنه حق لها، ويلزم أيضا ألا يجبر على الرجعة إلا أن تقوم بحقها في التطويل؛ لأنه حق لآدمي، فلا يقضى به إلا أن يقوم به من له ذلك الحق، وألا يجبر على الرجعة، إذا لم ينظر في ذلك حتى ظهرت؛ لأن المدة التي كان فيها التطويل قد ذهبت ومن خالع في الحيض لم يجبر على الرجعة: لأن الطلقة [ ص: 2188 ] بائنة فأشبهت الثلاث في الحيض.

                                                                                                                                                                                        قال محمد: ولا يطلق على المجنون والمجذوم والعنين، ومن عدم النفقة في الحيض والنفاس.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ: وأرى إن أخطأ الحاكم وطلق حينئذ لم يلزم الطلاق، بخلاف طلاق الزوج بنفسه؛ لأن القاضي في هذا كالوكيل على صفة، فيفعل غير ما وكل عليه، ولأنه لو أجيز فعله بجبر الزوج على الرجعة، ثم طلق عليه أخرى إذا طهرت؛ فيلزمه تطليقتان وفي هذا ضرر، إلا العنين فإنه يمضي عليه الطلاق؛ لأن الطلقة بائنة.

                                                                                                                                                                                        واختلف عن مالك في المولي هل تطلق عليه في الحيض ؟

                                                                                                                                                                                        وألا تطلق عليه أحسن؛ لأن الطلاق عند تمام الأربعة الأشهر من حق الزوجة، فهي إذا قامت بالطلاق فطلق عليه أجبر على الرجعة وبقيت في العصمة حتى تطهر فلم يفدها ذلك الطلاق شيئا، وفيه على الزوج ضرر، وقد تقدم ذكر الطلاق في الحيض في كتاب اللعان. [ ص: 2189 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية