الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في دخول الإيلاء على المظاهر]

                                                                                                                                                                                        الإيلاء يدخل على المظاهر إذا كان قادرا على إسقاط الظهار بإحدى الكفارات الثلاث التي ذكر الله عز وجل، فإن كان معسرا وعاجزا عن الصوم وكان العجز والعسر أمرا طرأ بعد عقد الظهار لم يدخل عليه إيلاء، فإن كانت تلك حاله حين ظاهر دخل عليه الإيلاء؛ لأن الظهار تحريم [ ص: 2314 ] الوطء، فإذا عقده على نفسه مع علمه أنه عاجز عن حله كان قد قصد الضرر بنفس الظهار، ثم يختلف هل يطلق عليه الآن أو يؤخر إلى انقضاء أجل الإيلاء رجاء أن يحدث له رأي في ترك القيام، وإلى هذا يرد ما في الرواية في ظهار المعسر.

                                                                                                                                                                                        وإذا كان ذلك طارئا بعد الظهار لم يدخل عليه إيلاء، ولم يطلق عليه عند الأربعة أشهر، وإن للزوجة القيام بالفراق إذا تطاول عجزه عن إحدى الكفارات الثلاث، قال مالك في كتاب محمد: إذا لم يتبين ضرره فلا يوقف إلا أن يتطاول.

                                                                                                                                                                                        فجعل لها القيام حينئذ لما كان هو سبب الامتناع بخلاف من دخل الامتناع عليه بالجباب والخصاء أو علة منعت ذلك منه؛ لأنه لا سبب له فيه، والظهار له فيه سبب.

                                                                                                                                                                                        وقد قال مالك فيمن قطع ذكره بعد البناء إن لزوجته أن تقوم بالفراق، فالمظاهر أولى، وإذا كان عاجزا عن العتق وقادرا على الصيام كان عليه أن يقدم الصوم قبل انقضاء الأربعة الأشهر فلا ينقضي الأجل إلا وقد وفى به، وحلت له الزوجة ويبين ذلك للزوج إذا كان ممن يجهل ذلك الحكم، فإذا قامت [ ص: 2315 ] الزوجة وضرب له الأجل، قيل له: عليك أن تقدم الصوم بمدة فلا يأتي الأجل إلا وقد حلت الزوجة، وكذلك الجواب على القول أن الأجل من يوم ظاهر يؤمر بمثل ذلك.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا انقضت الأربعة الأشهر ولم يصم هل تطلق عليه أو يصبر عليه ليصوم؟ فقال ابن القاسم: يكون لها أن توقفه، قال سحنون: وروى غيره أن وقفه لا يكون إلا من بعد ضرب السلطان الأجل.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم أيضا: إذا قال بعد مضي الأربعة أشهر: دعوني أصوم شهرين؛ إنه يؤخر.

                                                                                                                                                                                        والقول الأول أحسن، ولا يزاد في الأجل فوق ما جعل الله عز وجل له إلا أن يكون الزوج ممن يجهل الحكم ولم يبين له، فقد يعذر.

                                                                                                                                                                                        وقال عبد الملك بن الماجشون في كتابه: إن ابتدأ صوم الشهرين بعد ضرب السلطان الأجل بما قد تنقضي الأربعة الأشهر، ويبقى عليه من صومه إنه يطلق عليه، فإن انقضى الصوم وهي في العدة كان له أن يرتجع، وإن ارتجع قبل انقضاء الصوم ثم انقضى الصوم،............. [ ص: 2316 ]

                                                                                                                                                                                        وهي في العدة كانت رجعته رجعة صحيحة، قال: ولو ابتدأ الشهرين في الأربعة عندما ضربت له فمرض حتى صار لا يتم له في الأربعة لم يطلق عليه، وإن كان توانى وأفطر لغير عذر طلق عليه، وليس قوله في هذا الآخر بالبين؛ لأنه يقول لم يكن علي أن أبتدئ الصوم في أول الأربعة ولي أن أؤخر وأبتدئ بعد مضي شهرين؛ لأنها مدة أقدر على الفيء فيها.

                                                                                                                                                                                        ويختلف إذا كان ممن يقدر على العتق والإطعام، فقال عند مضي الأربعة: دعوني حتى أعتق أو أطعم، فقالت الزوجة: لا أؤخره. قال محمد في هذا الأصل: لا يؤخر ولا يزاد في أجل الإيلاء ولا يؤخر. [ ص: 2317 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية