الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [فيما لا يجزئ في كفارة الظهار من الأطعمة]

                                                                                                                                                                                        قال ابن القاسم: ولا يجزئه الدقيق ولا السويق في كفارة الظهار ولا في صدقة الفطر ولا في شيء من الكفارات، قال: فإن أطعم في الكفارات من الذي هو عيشهم أجزأه. يريد: إذا أخرج الدقيق بغير ريعه، فإن أخرجه بريعه أجزأه، وقد أحسن، إذ كفاهم مئونة الطحين، ومحمل قوله في السويق إذا لم يكن ذلك عيشهم، وقد قال: إن أطعم في الكفارات: من الذي هو عيشهم أجزأ، فدخل في ذلك السويق وغيره، وإنما اختلف هل هو قوته أو قوت أهل البلد؟

                                                                                                                                                                                        وإن أطعم مائة وعشرين مسكينا نصف مد نصف مد نظر هل ذلك قائم بأيديهم أو أفاتوه، أو غابوا أو غاب بعضهم؟ فإن كان قائما بأيديهم، [ ص: 2352 ] وعلم أنه من كفارة عن ظهار- انتزع من ستين منهم، وأكمل لستين، والانتزاع بالقرعة؛ لأنه ليس أحدهم أحق بالانتزاع من الآخر، وإن أفاتوه أكمل لستين منهم، ولم يغرم من أفات منهم شيئا، وإن غابوا استأنف الكفارة، وإن غاب بعضهم وأدرك بعضا فإن أدرك ثلاثين أكمل لهم، واستأنف ثلاثين.

                                                                                                                                                                                        وإن أدرك تسعين، وذلك قائم بأيديهم- انتزع من ثلاثين بالقرعة، وأعاده على ثلاثين، وأكمل الباقي. وإن أطعم جميع الكفارة ثلاثين، ثم أدركهم وذلك بأيديهم- انتزع نصف ما أعطاهم، وأعطاه لثلاثين غيرهم، وإن أفاتوه أو غابوا أطعم ثلاثين.

                                                                                                                                                                                        قال ابن القاسم: فإن أطعم ثلاثين مسكينا حنطة، ثم ضاق السعر، وصار عيش الناس في الشعير والتمر- أجزأه أن يطعم ثلاثين مسكينا من الذي صار عيش الناس، قال: وكذلك إن أطعم ثلاثين مسكينا الحنطة، ثم خرج إلى بلد عيشهم الشعير أو التمر، فأطعم هناك مما هو عيش ذلك البلد أجزأه، قال سحنون: إذا لم يتعمد الخروج لإرادة الكفارة، قال ابن القاسم: ولو أطعم ثلاثين مسكينا، ثم لم يجد عنده في بلادهم غيرهم فليبعث به إلى بلد آخر.

                                                                                                                                                                                        قال في رواية العسال: إذا لم يحط عن نفسه مؤونة، وقد تضمنت هذه [ ص: 2353 ] الأسئلة أن الكفارة عن الظهار ليست على الفور، وأنه ليس المراعى عيش المكفر في نفسه.

                                                                                                                                                                                        فإذا ضاق السعر عن الناس، وكان هو من أهل اليسار، ولم ينتقل عيشه عن القمح- أخرج شعيرا، وعلى القول الآخر يخرج القمح، وعكسه أن ينتقل عيش المكفر وحده إلى الشعير، فلا يجزئه على قول ابن القاسم إلا القمح؛ لأنه عيش البلد وعلى القول الآخر يجزئه الشعير؛ لأنه قوته، وعلى القول الآخر إن الكفارة على الفور لا يجزئه إلا الصنف الذي كان يأكله أهل البلد أو يأكله أهله في وقت وجبت الكفارة، فإن كان الأول أجود كان ذلك عليه وإن كان اليوم معسرا، وإن كان ذلك أدنى أجزأه وإن انتقل حاله إلى ما هو أرفع، وقد تقدم قول ابن القاسم: إذا وجبت عليه الكفارة عن ظهار، وهو موسر فلم يعتق حتى أعسر، فصام ثم أيسر - إنه يعتق.

                                                                                                                                                                                        وكذلك إذا خرج إلى بلد آخر، فعلى القول: إن الكفارة ليست على الفور، [ ص: 2354 ] يخرج من جنس البلد الذي خرج منه إلى بلد آخر، فعلى القول إن المراعى قوت الأهل- يخرج قوت أهله الذي يأكلونه بالبلد الذي خرج عنه، إلا أن يخرج معه أهله، فيخرج من الذي يأكل أهله من البلد الذي هو فيه الآن، وعلى القول: إنها على الفور- يخرج من الصنف الذي كان يخرجه لو لم يخرج وقت حنث، وكذلك إذا لم يخرج، ولم يجد تمام المساكين، فإنه يبعث بالصنف الذي كان يجب عليه ببلده.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية